أعاد الناشر المعروف (مكميلان) طبع كتاب البستان لأديب العربية الأستاذ الجليل والعلامة المحقق محمد إسعاف النشاشيبى بك. فرأينا أن نطرف قراء الرسالة بمقدمته ليعرفوا طريقته فيه وغايته منه. على أن من قرأ مقالات النشاشيبى لا ينكر علمه وفضله، ومن تتبع نقل الأديب للنشاشيبى لا يجهل ذوقه وعقله
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على محمد ما الكبير بأحق بالعناية بشأنه من الصغير. وليس الشادى بأحوج إلى كتب فى العلم والأدب يحتفل فيها العلماء من البادى. بل الثانى فى هذا الأمر هو الأول، (والأهم مقدَّم) وإن على الذى يُلقنه فى بدء تثقيفه المعوّل. وقد فطن لذلك فريق من عرب الدهر القديم وإفرنج هذه العصور، فخصوا تلك الطائفة
من الطلاب بكتب جمة محكمة، وشرعوا لها فى التهذيب شرائع بينة؛ فمشى الطالب فى طريق معبد حافظ (1). وإنى لما تقربت إلى عربيتى بتأليف مجموعتى (مجموعة النشاشيبى) لكى يرويها نشءُ العرب، ويستظهرها الشادون من الطالبين، ورأيت أن أجمع (لتلاميذ المدارس الأولية والابتدائية) أقوالاً قديمة عربية غير منقولة عن لغة غربية (ومن ورد البحر استقل السواقى،
ومن لقى جالينوس استجهل الرواقى (1)) وقد تحريت أن يدنو إليهم منالها، وتسهل لهم معانيها، ولا يلؤُم نظمها وسبكها. والكلام يلؤم (يا فتى) كما يلؤم المرء، واللؤم شر الخلائق، واللئيم شر الناس، ولا خير فى قول لم يكرم لفظه وتأليفه، وإن اجتافته حكمة الحكيم. وقد ضل السبيل جل الجامعين ولم يسلك النهج إلا الأقل. وظنى أن سينشط ذهن الطالب الصغير لما أطرفته إياه فلا يجهد يوم الاستظهار نفساً ولا يدهمه ما لا يفهمه إلا من بعد سنين. ولله (القاضى أبو بكر بن العربى) الذى عيَّب فى (كتاب رحلته) سنة المؤدبين فى تدريس الصغار (الكتابَ) الكريم المعجز ودلهم على المهيع المستبين. فقد تنبه على هذا الأمر الجلل والقوم رقود، وهدى إلى الحق وهم فى ضلال بعيد (2).
