إن (معركة القزويني) البلاغية التي يروي نبأها الصديق المحقق عباس خضر، فقد فتحت أمامنا آفاقاً من التفكير، فنحن نريد أن ندرس علم البلاغة في عصر الذرة دراسة تختلف عن دراسات القزويني وأبي هلال العسكري وعبد القاهر الجرجاني وأبي حيان التوحيدي وغيرهم من أولئك الأعلام الذين أحسنوا إلينا مدى الأجيال ونسينا ذكراهم على الأيام.
على أن (معركة القزويني) صرفت تفكيري إلى أستاذ البلاغة السيد مصطفى صادق الرافعي، فقد حرص - عليه رضوان الله - أن يبين أن له رأياً في البلاغة سبق به المتقدمين، إذ يقول في كتاب (إعجاز القرآن) : (نسأل الله تعالى أن يوفقنا لطبع الكتاب الذي نكمل به كتابنا هذا فنبسط فيه من أسرار
الآي وإعجازها ما تطلع به الشمس لمن أبصر ولمن عمى فيحسها) - ص٨٢.
وقال رحمه الله في كتاب وحي القلم (لنا كلام طويل في فلسفة الأسلوب البياني سنذكره إن شاء الله في كتابنا الجديد (أسرار الإعجاز) - ص٢٨٤ ج٣.
ولما تناول الكاتب المحقق الأستاذ محمد سيد العريان حياة الرافعي تحدث عن كتاب الرافعي المجهول في شيء من التفصيل، وإلى القارئ بعض ما أورده الأستاذ سيد العريان في وصف هذا الكتاب: (أ - يتحدث - يعني الرافعي - في صدر الكتاب عن البلاغة العربية فيردها إلى أصول غير الأصول التي اصطلح عليها علماؤها منذ كانت، ويضع لها قواعد جديدة وأصولا وأخرى.
(ب - ويحدث في الفصل الثاني عن بلاغة القرآن وأسرار إعجازه مسترشداً في ذلك بما قدم في الفصل السابق من قواعد.
(ج - ويتناول في الفصل الأخير من الكتاب آيات من القران على أسلوب من التفسير يبين سر إعجازها في اللفظ والمعنى والفكرة العامة، ويعتبر هذا الفصل الأخير هو صلب الكتاب واساسه. وقد أتم الكتابة - إلى آخر يوم كنت معه - عن بعض وثمانين آية على هذا النسق) - راجع ص٢٨٩ من ((حياة الرافعي)).
ثم يقول الأستاذ سعيد في موضع آخر من كتابه الفريد (نحسن الظن كثيراً إذا زعمنا أن هذا الكتاب - كتاب الرافعي الذي لم يطبع بعد - الفريد في موضوعه وفي تأليفه من عناية أدباء العربية ما يحملهم على محاولة طبعه في يوم قريب. . .) - ص ١٧٣ من كتاب حياة الرافعي.
وقد انطوى اليوم على موت الرافعي أكثر من ثلاثة عشر عاماً وكتابه في البلاغة لم ير النور، وأكبر الظن أن أدباء العربية ما برحوا يرجون أن يقوم عنهم بواجب إخراجه صاحب (حياة الرافعي) وإلا فما هذا التباطؤ؟
إن الذي يقف على طبع كتاب الرافعي لا يخدم ذكرى هذا الرجل العظيم بقدر ما يخدم البلاغة العربية ويضع حداً لهذه المعركة الأدبية الناشبة حول البلاغة العربية في أزهى عصورها.
ولا مشاحة في أن للأستاذ سعيد العريان من اشاغيله في الوقت الراهن ما يصرفه عن طبع هذا الكتاب، وقد فعل الرجل أكثر مما يجب نحو ذكرى عالم معاصر، ومن ثم فأننا نرجو أن يقدم أبناء الرافعي - حفظهم الله - بشيء لا يخدم ذكرى والدهم فحسب، وإنما يحفظ لبلاغة العرب رونقها، فإن عجزوا دون طبع هذا الكتاب، وأكبر الظن أنهم سوف يعجزون، فإننا نتوجه إلى الوزير الأديب العالم معالي الدكتور طه حسين بك قد عاد من سفره ميمون النقيبة مبارك الغدة والروحة، نتقدم إليه أن يطبع هذا الكتاب على نفقة وزارة المعارف حتى يتم به النفع وتتم الفائدة المرجوة إن شاء الله.

