إذا تتبعنا تاريخ الأدب منذ أقدم العهود لا نلبث أن نرى بين فترة وأخرى صورة من تسلط القوة على الآراء وحجرها على حرية الفكر. فنعلم أن كثيراً من المؤلفات الثمينة والمذكرات ذات الأثر الفعال في إظهار الحقائق التاريخية والاجتماعية قد قضى عليها بعدم الظهور
ولعل أول حادث من هذا النوع كان في سنة ألفين قبل الميلاد إذ أمر الإمبراطور (شي هيانج تي) بإحراق مؤلفات كنفشيوس الأدبية لحنقه عليها وتفضيله غيرها من المؤلفات المبنية على الحقائق العملية: كالكيمياء والزراعة والطب.
ولقد صودرت منذ ذلك الحين كتب نفيسة لهومير وكانت وابش وبودلير وروسو وجاك لندن ود. هـ لورنس وابتون سنكلير وغيرهم من الكتاب الذين ذاعت شهرتهم في العالم
وإذا كان لك الحظ في زيارة المتحف الإنكليزي أمكنك أن ترى مجموعة كبيرة من الكتب القيمة والمذكرات الهامة محفوظة في قسم خاص، حيث يقوم بالمحافظة عليها موظفون وأمناء ومساعدون. فتجد في هذا القسم مذكرات خاصة لبعض رجال السياسة، وخطابات وتراجم لكثير من عظماء الرجال وكتب ورسائل في كل فن وصى عليها جميعاً بأن تحتجب عن الأنظار.
من ذلك مذكرات لسير هنري الذي كان رئيساً للوزارة الإنجليزية وزعيما لحزب الأحرار، وقد مضت سنين عديدة وهي في مكانها من ذلك المتحف تحت مراقبة إدارة حفظ المطبوعات
لقد كان كامبل من رجال السياسة المعروفين بكرم الأخلاق والنزاهة، وهو فوق ذلك بعد من السياسيين الأفذاذ. فماذا كتب في تلك المذكرات؟ قد يظهر ذلك في المستقبل القريب. وإلى أن يحين ذلك الوقت ستظل محجوبة عن الأنظار المتعطشة تحت إشراف إدارة حفظ المطبوعات هي وعشرات غيرها من المذكرات والمستندات والخطابات التي لم تظهر للعالم.
ولم يغرب عن البال قصة الخطابات التي خلفها القصصي المشهور شارلز دكنز، فقد أرسلت مسز بيروجيني ابنة الكاتب الكبير إلى برنارد شو تستشيره في أمر هذه الخطابات التي عانت أمها كثيراً في سبيل المحافظة عليها وبقائها بغير تلف. فأجابها شو بضرورة إرسالها إلى إدارة حفظ المطبوعات في المتحف البريطاني، لعل أحدا من الكتاب يحتاج إلى شيء منها للكتابة عن أبيها، وقد استمعت مسز بيرجيني لهذه النصيحة، ولكن هذه الخطابات بقيت في مكانها من المتحف دون أن تمسها يد أو يطلع عليها إنسان إلى أن مات آخر أبناء دكنز.
ويسري قانون حفظ المطبوعات على المؤلف في إنجلترا طول حياته، ويستمر إلى ما بعد وفاته خمسين عاماً. إلا أن مذكرات رجال السياسة والأوراق الرسمية التي لا تسري عليها القوانين العامة قد تبقى أربعة أجيال أو خمسة بعد وفاة أصحابها إذا قدر لها ظهور في يوم من الأيام
أما الكتب والروايات المألوفة التي يشتبه فيها لسبب من الأسباب، فلها قسم آخر وبعضها منع ظهوره للجمهور والبعض الآخر حدث منه الأجزاء التي لم يسمح بها مثل كتاب قوس قزح وليدي شاترلي لد. هـ لورنس ودراسات في سيكلوجية الجنس لهفيلوك إليس، ومن الأعماق لأوسكار وايلد
وقد أخذت النسخة الأصلية من الكتاب الأخير لعرضها على المحكمة في ظروف قضائية معروفة، ولكنها لم تظهر بعد للجمهور، أما النسخة المتداولة من هذا الكتاب فقد حذف منها الشيء الكثير

