الدكتور محمد خليل عبد الخالق بك أستاذ علم الطفيليات بكلية الطب، ومدير معهد الأبحاث بوزارة الصحة، قد عرف بأبحاثه واكتشافاته الطبية العديدة، وامتد الاعتراف بكفاءته إلى الدوائر العلمية الأجنبية، فسجلت اسمه في قائمة العلماء الباحثين
وقد حدث منذ شهرين أن وفد على معهد الأبحاث طفل في التاسعة من عمره مريض بالبلهارسيا، وقام المعهد بعلاجه عن طريق الحقن بمركبات الأنتيمون، وهي الطريقة المتبعة في مثل هذه الحالات، ولكن الطفل عقب تناوله الحقنة الثامنة توفي بغتة، واتضح من تقرير الطبيب الشرعي أن حقن الطفل تم على حسب الأصول الفنية
ولقد شغل هذا الحادث ذهن الدكتور خليل بك، وما زال به اهتمامه وتفكيره حتى اهتدى إلى كشف السر فيه وفي أمثاله من الحوادث، فدعا جمهرة من الأطباء إلى قاعة المحاضرات بكلية الطب لشرح كشفه والمناقشة فيه
وقد انعقد الإجماع على أن هذا الاكتشاف قد وضع أساساً جديداً لعلاج البلهارسيا، وسيكون من أثره:
أولاً - إنقاذ حياة ألفي مصاب بالبلهارسيا يموتون فجأة في كل عام، وقد كانت وفاتهم مبعث حيرة كبيرة بين الأطباء المعالجين والأطباء الشرعيين
ثانياً - ضمان الشفاء لعشرات الآلاف الذين كانوا فيما مضى لا يتمتعون به كلاماً حاسماً في أوجز وقت وبأقل تكاليف
ويقدر عدد المصابين بالبلهارسيا في ريف مصر وصعيدها بعشرة ملايين يتقدم منهم للعلاج سنوياً زهاء مليون ويموت منهم فجأة ألفان تقريباً، ولم يكن في مقدور العلم أن يتكهن بتلك الوفيات الفجائية التي أشرنا إليها، ولا كان في مقدوره ضمان القضاء على الداء الوبيل قضاء مبرماً. أما اليوم فقد توصل الدكتور
خليل بك إلى اكتشاف طريقة بسيطة كيميائية تمكن الممرض أو مساعد الطبيب أن يجربها؛ وهي طريقة يعرف بها على وجه التحقيق المسائل الآتية:
١ - هل يفرز المريض أكثر الدواء الذي يعطى له، ولا
يمكث في جسمه إلا قليل منه لا يكفي لقتل الديدان المسببة للبلهارسيا، وعلى ذلك يصعب شفاؤه بالجرعة المعتادة؟
٢ - هل المريض لا يفرز الدواء مطلقاً، أو يفرزه بمقادير ضئيلة، وعلى ذلك يتراكم في جسمه ويسممه، فيموت فجأة إذا بذل أقل مجهود عضلي؟
٣ - هل المريض يفرز الدواء بمقادير عادية، وعلى ذلك يشفى؟ والأكثرية من المرضى من هذا القبيل
وقد أثبت ذلك الاكتشاف أن تقدير الجرعات في علاج البلهارسيا بمركبات الأنتيمون ومنها الفؤادين كان أساسه خاطئاً إذ أن الجرعة كانت تقدر حسب السن أو وزن الجسم من غير مراعاة لتفاوت الأشخاص في سرعة إفراز الدواء ومقدار هذا الإفراز. وليس مجهولاً أن القيمة الشفائية الفعلية لمثل هذه
العقاقير لا تتوقف على مقدار ما يدخل الجسم منها فقط، بل تتوقف أيضاً على ما يمكث منها فيه؛ ومن الطبيعي أنه إذا تفاوت الأشخاص في إفراز هذه العقاقير اختلف تأثيرها تبعاً لذلك، وهذا ما أثبته الدكتور خليل بك بتجارب كيميائية أجريت أمام الجمعية الطبية المصرية
ويتلخص الكشف الذي اهتدى إليه الدكتور لتعيين نسبة الإفراز في كل جسم في أخذ تفسرة من بول المريض قبل الحقن لتعرف هل يحتوي البول على مادة مماثلة للمادة التي سيحقن بها أولا؛ ثم يحقن المريض وتؤخذ تفسرة أخرى من بوله بعد نصف ساعة تقدر بخمسة سنتيمترات، ويضاف إليها مثلها من محلول كيميائي مركب من كلور الحديد يضاف إليه نشادر قوي مطهر. فإذا كان في البول إفراز من المادة المحقون بها احمر لونه، وإذا لم يكن هناك إفراز ظل اللون على حاله الطبيعية، ثم تؤخذ تفسرة أخرى بعد ثلاث ساعات وتكرر معها التجربة ذاتها

