لا أدري فيم يخالفني صديقي الأستاذ زكي الدين بدوي، وقد وافقني على أن لولي الأمر أن يمنع من تعدد الزوجات بمنع سماع الدعوى فيأكثر من زوجة واحدة، فليس بعد هذا إلا ما يراه من أن هذا طريق سلبي لا تعلق له بحل ولا بحرمة، ولو صح هذا لما كان هناك معنى لثورة كثير من العلماء كلما شرع ولي الأمر في منع سماع الدعوى في مثل ذلك. والحقيقة أن منع سماع الدعوى في مثل ذلك يراد به منع الناس منه، وبهذا يرى بعض العلماء أن ما أباحه الله للناس لا يصح منعهم منه ولو بالمنع من سماع الدعوى فيه، ولا يصح لولي الأمر أن يتبرم به أو يحاول الحجر فيه على الناس بأية وسيلة، وهذا إلى أن القاضي كان يباح له شرعاً سماع الدعوى في مثل ذلك، بل كان يجب عليه أن يسمعها ويحكم فيها بحكم الله تعالى، لأن القاضي يجب عليه شرعاً سماع الدعوى من صاحبها، ويجب عليه شرعاً أن يحكم فيها بما أنزل الله من أمرها، فإذا منعه ولي الأمر من سماعها كان في ذلك تحريم لما أباحه الله له، بل لما أوجبه عليه، فيثور كثير من العلماء لذلك أيضاً، ويرون فيه خروجاً على الدين، وانتهاكا لحرمة الشرع، فكيف بعد هذا كله يرى الأستاذ زكي الدين بدوي أن المنع من سماع الدعوى طريق سلبي لا تعلق له بحل ولا بحرمة. وقد وافقني الأستاذ زكي الدين بدوي أيضاً على أن هناك من يقول بحق ولي الأمر في النهي عن المباح، ولكنه ذكر أنه لم يرد عنهم أن هذا يجري فيما وردت بحله نصوص تفصيلية محكمة في الكتاب والسنة كما هو الحال في تعدد الزوجات. ولا شك أنه لا فرق بين مباح ومباح في ذلك النهي، ونحن إنما نرى النهي عن المباح عند الحاجة إليه، وعند إساءة المسلمين استعماله، وإذا كان في ذلك خلاف بين العلماء فمن الواجب على الأستاذ المتخصص في الشريعة الإسلامية والقانون من جامعات
الأزهر وباريس وفؤاد أن يكون مع من يعطي ولي الأمر هذا الحق، لما فيه من المرونة في التشريع، وعدم الوقوف في المباح عند حالة واحدة، ولو تغيرت الظروف والأحوال وصارت الإباحة فيها مصدر بلوى للمسلمين، وهو بهذا
أجدر من الأستاذ الذي تخرج بين جدران الأزهر فقط، ولم يشاهد جامعات باريس وفؤاد. لقد كان الطلاق الثلاث بلفظ واحد يقع طلقة واحدة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وفي خلافة أبي بكر، وفي صدر خلافة عمر، ولكن الناس خالفوا ذلك فأوقعوه ثلاثاً، فأمضاه عمر عليهم عقوبة لهم، وأخذ الأئمة الأربعة بحكم عمر في ذلك، فحرموا على الناس الرجعة بعد الطلاق الثلاث بلفظ واحد، وقد كانت مباحة لهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وفي خلافة أبي بكر وفي صدر خلافة عمر. فليدع الأستاذ زكي الدين بدوي القافلة تسير؛ لأنه لا يصح من مثله أن يضع في طريقها العقبات.

