الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 597الرجوع إلى "الثقافة"

كيف, الأسنان هي الجنود القائمة بحراسة البوابة, الأسنان

Share

في الأزمنة الغابرة كانت المدن الكبيرة تحاط بأسوار عالية ، وكانت هذه الأسوار تصنع حيث تمكن المحاربين من أهل المدينة من الوقوف فوقها وقذف من تحدثه نفسه الخبيئة بالاعتداء عليها بمختلف الأشياء الثقيلة ليمتنع عن تسلق الأسوار واقتحام المدينة ، ولكن هذا لا يمنع من وجود بوابة بأسوار المدينة تسمح للأصدقاء بدخولها والخروج منها ، ولا بد من حراس أشداء يقومون بحراسة هذه البوابة .

والآن تستطيع أيها القارئ أن تشبه نفسك بمدينة كبيرة تحتضنها الأسوار المرتفعة من كل جانب ، وإن فمك هو بوابة هذه المدينة ، وشفتيك هما مصراعا هذه البواية وأسنانك هي الجنود القائمة بحراستها ، وبهذه الطريقة من التفكير تستطيع أن تعرف أسنانك ، وتقف على أهمية الدور الذي تلعبه في حياتك .

لاشك أن الأسنان المريضة جنود قذرة رثة الثياب ، إنها تصيب بالقذارة كل من يدخل المدينة ، إنك تستطيع أن تتصور رجلا يحمل زجاجة من السم ويفرغ محتوياتها الرهيبة في صفائح اللبن الذي يوزع على المنازل في صباح كل يوم ، إن شأن هذا الرجل شأن الأسنان القذرة التي تصب

السم في جميع ما تتناوله من طعام ، وإنك لاشك تستطيع تصور الضرر الذي ينشأ في الحالتين ، فهو واحد في النهاية ، ولكن قبل أن تفهم ذلك جيدا أراك في حاجة إلى معرفة كيف صنعت الأسنان ، ومن أى أنواع الجند تكون عندما تكون قوية سليمة .

إن الأسنان كالجنود سواء بسواء ، وأول ما يقع عليه نظرك منها كسوة بديعة براقة لها بياض اللؤلؤ أو العاج . وعند ما تكون نظيفة فإنها تلمع وتتلألا وبشع النور منها ، وذلك هي صفات الأسنان الجيدة ؟ فهي كالجنود المزهوين بقوامهم الممشوق ، وزيهم المرموق ، وهي في الحق خير الجنود .

في الحرب الكبرى الماضية كان ضباط الانجليز يعلمون علم اليقين ، أنه إذا كانت جنودهم كسالى خاملين نشأت عن ذلك الكوارث والمتاعب ، ولذلك عندما ساءث الأحوال وكان الألمان في أوج قوتهم ، وكان الانجليز ضعافا ، وكانت مبادئ القتال متوحلة قذرة تجعل كل شئ يوحى بالتعاسة والشقاء ، برغم كل ذلك حافظ الجنود الانجليز على نظافتهم واحتفظوا بأناقتهم وجمال هندامهم ؟ فكانوا يحلقون أذقانهم كل يوم ، ويغتسلون بالماء كلما وجدوا إليه سبيلا ، وبذلك كتب لهم النصر ومنى أعداؤهم بالخيبة والهزيمة ، ما كان الانجليز يفعلون ذلك ابتغاء اللهو ، إنما فعلوه عن يقين ، لأن

الرجل النظيف الأنيق الذي يعني بنظافة جسمه ، وجمال مظهره يكون محاربا قويا ، ويفوق المحارب القذر الكسول المتراخي ويتغلب عليه - إن الجيوش المقهورة هي دائما الجيوش القذرة المتكاسلة ، وهذا تماما شأن الأسنان الرديئة أى المصابة المريضة ؛ فإن كسوتها تكون قذرة يلطخها السواد ، وتصيبها الثقوب العديدة ، وتصير بالتدريج بالية رثة .

إنك نوهب أسنانا ذات كسوة صلبة سليمة يسميها أطباء الأسنان " Enamel" - أي الميناء ، لأن لها بريقا ولمعانا كأحسن طلاء ، وهي تغطى السن جميعها ، ولكن ما فائدتها ؟ إن أغلب الناس يقولون عنها إنها وجدت لتجعل السن صلبة حتى تستطيع أن تقضم الطعام بحدة ونظافة ؛ هذا صحيح لاشك فيه ، ولكن هناك فائدة أخرى ، إن مثل كسوة السن كمثل درع الفارس في الأزمنة الماضية ؟ فدرع السن تحفظها وتحميها من أن تجرح أو يلحق بها الضرر .

إنك الآن تستطيع أن تلمس أهمية درع السن فإن هذه الدرع إذا اشتملت على ثقوب تستطيع السهام أن تخترقها وتدخلها ، وبذلك تفسد السن وتخرب ، ولكن ما شكل هذه السهام ؟ إنها صغيرة جدا ، بل هي متناهية في الصغر ، حتى إنك لا تكاد تراها ولا تستطيع رؤيتها  إلا إذا استعنت بمنظار مكبر أي المجهر ، وبواسطته تري الأشياء التي لا يستطاع رؤيتها بالعين المجردة ؛ وإذا استعنت بالمجهر رأيت هذه السهام كبقع صغيرة سوداء ، وكثيرا ما تشاهدها ملتصقا بعضها ببعض على هيئة سلاسل صغيرة أو تراها متكتلة في مجموعات صغيرة ، ويطلق عليها الأطباء اسم " جراثيم المرض " .

إن للجراثيم أسماء كثيرة ، وإن لها من الأسماء أطولها وأشقها نطقا ، وهي كثيرة الأنواع ويطلق على بعضها اسم "Bacillus" ومعناها باللغة اللاتينية " العصا الصغيرة" ويطلق على البعض الآخر اسم " Coccus ( والأسم الشائع لها هو " Bairacle "وسوف نسميها بكل بساطة " جراثيم

المرض " إنها مخلوقات دقيقة ، ولكنها برغم دقتها ذات أهمية كبيرة ولها شأن عجيب ، إنها ليست ميتة كالسهام ، بل هي حية كالتعابين ، وهي في نظر بعض الناس من النبات ، وفي نظر البعض الآخر من الحيوان ، وهذا لا يهم كثيرا في هذا المجال ، إنها خطرة مهلكة ، ولا يقل خطرها عن أشد السهام أو الحراب المسممة في شئ . إن أهم ما يجب معرفته عن جراثيم المرض أنها مسممة . إن كل واحد من أنواعها الخطرة بيث سما كما يفعل الثعبان الخطر سواء بسواء ، وهذا السم عندما يتجمع هو الذي يقتل الناس عندما تتمكن جراثيم الأمراض منهم.

وتوجد الجراثيم في جميع أنحاء العالم وفي كل مكان ما عدا قمم الجبال العالية وسطح الماء المكشوف ، وهي موجودة باستمرار فوق جلودنا وبداخل افواهنا ، ولا يراها أحد لتناهيها في الصغر ، وهي ليست خطرة طالما كانت بعيدة عن داخل جلودنا وأفواهنا ، ويبدأ ضررها عندما تتمكن من اختراق الجلود عن طريق الخدوش أو التسلخات أو الجروح التى تعلوها ، ومثلها في ذلك مثل مهاجمة الأعداء لمدينة مسورة وإحاطتهم بها ، فلا ضرر من وجودهم طالا كانوا خارج الأسوار ، ولكن بمجرد عثورهم على ثغرة أو بوابة يدخلون منها إلى داخل المدينة سرعان ما تنقلب الأوضاع ويتفاقم الضرر .

إنك الآن تستطيع أن تلمس ضرورة وجود درع للسن ، فإن الجراثيم التي تفسد الأسنان لا تستطيع أن تخترق الدرع ، كالسهام التي تتكسر باصطدامها بالدرع ، والسن تحت درعها تكون في أمان زائد ، ولكن في اللحظة التي تبلى فيها الدرع يتغير الأمر ، لأن أصغر ثقب فيها هو في الواقع كبير جدا ، ويسمح لهذه السهام المسممة بالدخول . فتستطيع أن تشاهد بعينيك ما يحدث عندما يوجد بدرع السن ثقب صغير ، فستندفع في الحال جميع الجراثيم بسهامها المسممة إلى داخل السن وهو ليس صلبا كخارجها ،

) البقية على صفحة ٢٤ (

( بقية المنشور على صفحة 16 ) بل إنه اكثر ليونة وهو طرى جدا ، وهو خير مكان محبب إلى الجراثيم ، ولما تستقر به لأنه يوافق معاشها وتكاثرها . إنك لو سمحت للجراثيم بالدخول فإنها تسمم فمك وتقودك إلى الهاوية ، في حين أن أسنانك المسكينة تتآكل وتخر صرعى ، ويصير لك بدلا من جنود أشداء يحرسونك جنود مهزومون لا حول لهم ولا طول .

وليس هذا هو كل ما يحدث ، لأن الجراثيم إذا دخلت إحدى الأسنان تتقوي وتستطيع اختراق أسنان أخرى ، والسم الذي تصنعه وتنفثه في طعامك يسمم دمك ويجعلك سقيما عليلا ، وهي لا شك بالغة لثتك أيضا فستتقرح ، وهكذا يصير لك فم ردئ وتصبح أنت بالتالي رديئا تعاف نفسك ويعافك الناس ؛ وهذا هو السبب القوي الذي يدعونا إلى المحافظة على أسناننا ، وعلينا أن نحافظ عليها جهد طاقتنا ونحافظ على دروعها وتمنع وجود أصغر الثقوب فيها ،

وعلينا أن نعتني بها يوميا لنضمن بقاءها قوية براقة .

لك أن تسأل عما يسبب الثقوب أي الحفر في درع السن . إن الحراثيم لا تفعل ذلك لأنها لا تأتي إلا بعد أن تكون الحفرة قد وجدت فعلا والجراثيم لا تشترك في عملها ) إنما الطعام هو الذي يعملها وحده . لانه يصيب الدرع بالصدأ فيصبه البلى والتلف

يإن ذلك لم يكن محدث مطلقا لو أنك كنت نستعمل الفرشاة لتنظيف أسنانك واهتممت بإزاحة ما يعلق بها من فضلات الطعام . وحبذا لو اقترن استعمال الفرشاة باستعمال السنون وهو المادة التي تنظف بها الأسنان من مسحوق أو معجون . وخير وقت لتنظيف الأسنان هو قبل الذهاب إلى النوم ، لأنه عندما تكون نائما يفسد الطعام الذي يتخلل أسنانك ويبدأ في إصابتها بالصدأ - وهذا التدريب اليومي الخاص بالأسنان يتحتم أداؤه لأنه يحفظ الأسنان قوية نظيفة ذات منظر جميل جذاب ، فوق أنه يجعلها صالحة لقضم الطعام وحفظ الفم نظيفا والجسم سليما .

اشترك في نشرتنا البريدية