الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 597الرجوع إلى "الثقافة"

كيف جاء الهولنديون إلى اندونيسيا ؟

Share

تأست دولة " ملقا " الإسلامية في عام ١٤٠٩ ، بيد أنها لم تزدهر إلا في أيام السلطان ) محمود شاه الأول ( أي بعد مائة سنة من تاريخ تأسيسها ، وفي ذلك الوقت كان البرتغاليون يعدون رحلاتهم المعهودة إلى الشرق الأقصى . ولم تكن غايتهم من ذلك الثراء وحيازة الجهء والسلطان فحسب ، وإنما كان من أهم أغراضهم أن يقتلوا روح الإسلام وأن ينشروا المسيحية . . ويقول المؤرخون إن أول تدخل للأوربيين في أندونيسيا كان في ذلك الوقت في شبه جزيرة ملايا ، حيث تأسست الدولة الملقية الإسلامية .

ولقد استطاع الإسبانيون أن يصلوا إلى ملفا ، بيد أنهم انسحبوا إلى الجزر التي أطلقوا عليها اسم ) الفيلبيين ( نسبة إلى ملكهم ) فيليب الثاني ( وذلك تحت الضغط البرتغالي هناك ، ولقد وصلت سفن انجليزية وفرنسية ودنمركية إلى مواني سومطره ، وجاوه  وملقا ، وذلك كي تحصل على منتجات الشرق من التوابل والبهارات وغير ذلك من الأشياء التي اشتهرت بها هذه الجزائر . .

ولكي نقف على أول دخول للهولنديين إلى أندونيسيا يقمن أن نتابع بفكرنا ) كرنيلس دي هوتمان ( ، وكان لا يزال قابعا في ) لشبونة ( يتابع الملاحين البرتغاليين والأسبانيين ، ويستطلع أخبار كنوز الشرق الأقصى ، ودي هونمان هذا رجل من أكبر الملاحين الهولنديين الذين تتطلع أعينهم إلى الأفق البعيد ، أفق التوابل والثروات . .

وقد عاد ) كرنيلس ( أخيرا إلى وطنه هولنده . كي يحشد التجار والكبار من الهولنديين وليبدي لهم برخرف كلماته آفاقا واسعة من الثروة والجاه . وسرعان ما سال لعاب هؤلاء التجار الكبار ، وإذا بهم بعد قليل يمخرون العباب . . وكنت ترى ( دي هوتمان ) يكمل عدوهم ، فصاروا مائتين وخمسين . مات منهم في أثناء الرحلة مائة وخمسة وأربعون ملاحا . .

وفي يوم ٢٣ من يونيه عام ١٥٩٦ نزلت السفن الهولندية

الأربع في ميناء ) بانتام ( وهو يقع في شمال غربي جاوه ، وانبرى الهولنديون يأخذون ويعطون حتى ربحوا ربحا طائلا ، ثم اتجه ) دي هو تمان ( بسفنه وملاحيه من ميناء ) بإنتام ( إلى ) يا كثرا ( ، وهناك بعد أن مرت عشرة أعوام بنى الهولنديون مدينة ) بتاقيا ( نسبة إلى اسم ) هولنده ( المنطوق باللغة اللاتينية . .

أما ما كان من أمر ) دي هو تمان ( فإنه أمضي ما يربو على أربعمائة يوم في رحلته من مؤتنفها ، ثم مات مفارقا النظر إلى الأفق الجميل ، إلى اللحد الأخير . .

ولقد هاجم القراصنة الأندونيسيون سفن ( دي هو تمان )  في شمال (سرابايا )حيث أغرقوا سفينة منها ، بيد أن الأندونيسيين في جزيرة ( مدوره) أبدوا ولاءهم للهولنديين  الذيم لم يقابلوا هذا الولاء بولاء مثله ولا بوفاء من  شاكلته .

وواصلوا رحلتهم إلى شرق جزيرة جاوة . فإذا بهم أمام جزيرة ) بالي ( وأمام روعتها وطبيعتها الجذابة الساحرة ، فشدهوا ، وتركوا من فصيلتهم اثنين على سطحها . .

وفي يوم سعيد يعرفه كل هولندي ، عادت الحملة الهولندية إلى وطنها حيث كان الاستقبال الباهر ، فقد قوبل أعضاؤها من الهولندين بالبهحة والسرور . . ثم لم ينفك هذا الابتهاج أن يحول من ابتهاج بالقادمين إلى ابتهاج بالراحلين ، فلقد أخذت بعوث الهولنديين التجارية تتوالى إلى الشرق الأقصى ، إلى أندونيسيا الخضراء .

وكان موقف الأندونيسيين الترحاب بتلك البعوث ، مما أدى إلى التنافس الشديد الذي قام بين جماعات البرتغاليين وبين الهولندين ، وعلى أساس هذا التنافس تضاعفت أثمان منتجات أندونيسيا ، وريت أرباح الأندونيسيين عما كانت ، وتحرق البرتغاليون على سلطانهم الذي اضمحل وسيادتهم التي فقدت وأذرت بها رياح الهولنديين . وفكروا فيما عساهم يصنعون ؟ وما السبيل إلى القضاء على منافسيهم ؛

. وتوالت البعوث والحملات الحربية البرتعالية واحدة تلو أخرى ، بيد أنها كلها ذهبت هباء ؛ وذلك لوقوع الحادث الجلل الذي أطاح بهم وحطم ما بقي من سلطانهم :

ففي يوم ٢٠ من مارس عام ١٦٠٢ وحدت جميع  الشركات الهولندية في أندونيسيا ، وكونت شركة الهند الشرقية المتحدة ، وكان رأس مالها 6419000 روبية ، وكانت هذه الخطوة الاتحادية تثبيتا لمركز الشركات الهولندية وبسطا للسيادة الاقتصادية على أندونيسيا ، ومحاولة لانتزاع النجاح من الصمود تجاه شركات الأسبان والبرتغال والإنكليز

وأول عمل قامت به الشركة المتحدة أن أعدت أساطيل بحرية لتثبيت دعائمها وتدعيم أركانها ، ولمحاولة إجلاء البرتغالبين . وقد استطاعت أن تحصل على معاهدات مع بعض أمراء أندونيسيا ، فزاد نفوذها على بحار جزر الهند ، واستطاعت في عام ١٦٤١ أن تكتسح شركات البرتغال من أندونيسيا ، فلم تبق لها أثرا ولا تأثيرا . .

أما الأسبان فقد حملهم الحقد على إرسال حملة من جزائر الفيلبيين إلى ملقا هزمت الهولندبين ، بيد أن هؤلاء لم يفكروا في الهزيمة ولا في الحملة . .

وكان الإنجليز قد أسسوا شركتهم التي سموها ( شركة  الهند الشرقية الإنجليزية ) قبل أن يؤسس الهولنديون شركتهم الهولندية بعامين كاملين ، ولكن رأس مالها كان ضئيلا، وما دام رأس المال ضئيلا ، فإن الأمل في النجاح قليل الجدوى ..

واستطاع الفائد الهولندي ) جان بترزون كوين Jean Pieterssoon Coen) أن يوطد دعائم الهولنديين ، وخاصة حين تولى منصب الحاكم العام لتشركة الهند الشرقية ؛ فقد استطاع أن ينقل كثيرين من الهولنديين إلى أندونيسيا كي يحترفوا التجارة والزراعة ، وكان يرمي من وراء ذلك إلى إقامة إمبراطورية هولندية في آسيا أو في جنوبها في الشرق الأقصى ، وقد ارتكب في سبيل الوصول إلى أغراضه من أعمال العنف والشدة الكثير . وفي القرن الثامن عشر امتد نفوذ الشركة الهولندية على أجزاء كثيرة من أندونيسيا وأخضعت معظم الأمراء الأندونيسيين ، وأضحى الهولنديون يملكون الضياع الواسعة ويستغلونها على أيدى الألوف من الوطنيين .

وفي نهاية القرن الثامن عشر أخذت عوامل الإفلاس تهاجم شركة الهند الشرقية الهولندية ؛ فقد حاصرت إنجلترا المواني الهولندية وقطعت كل اتصال بينها وبين أندونيسيا ، فكسدت تجارة الشركة وحل بها الإفلاس ، لا سيما بعد أن تقرر في معاهدة فرساي سنة ١٧٨٣ فتح بحار الهند الشرقية للتجارة الحرة . ولما جاء عام ١٧٩٦ استولت الحكومة الهولندية على إدارة الشركة وعلى جميع ممتلكاتها في الهند الشرقية ، ثم حلتها بعد أن تعهدت بتسديد ديونها للدائنين .

. . ولما ضم نابليون بونابرت هولندا إلى إمبراطوريته في عام ١٨١٠ مد سلطانه على ممتلكاتها في أندونيسيا ، فبادر الإنجليز إلى احتلالها ، ولكنهم بعد مؤتمر فينا الذي عقد في عام ١٨١٥ لتسوية شئون أوربا بعد حروب الثورة الفرنسية وحروب نابليون بونابرت أعادوها إلى هولندا ومن ذلك الوقت انهمكت الحكومة الهولندية في استغلال الأراضي الزراعية الخصبة دون ما نظر إلى أي أمر آخر :

ولقد كان افتتاح قناة السويس في عام ١٨٦٩ وانخفاض نفقات النقل التي ترتبت على ذلك من أهم الأسباب في ازدهار التجارة الهولندية ، لا في أندونيسا فقط ، وإنما في خارجها أيضا ؟ فقد أخذت المنتجات من السكر والشاي والتوابل تشق طريقها إلى أسواق ألمانيا وروسيا وأمريكا الشمالية .

وبالرغم من ذلك ، فقد ظهر العجز في ميزانية البلاد في عام ١٨٧٧ لسوء الإدارة المالية وفساد الضرائب ؛ فقد كان معظمها يجنى من العرب والصينيين والوطنيين ، أما الأوربيون فكانوا لا يدفعون من الضرائب إلا قليلا لا يتناسب مع دخلهم ؛ ولقد أخذ الهولنديون في النزوح إلى أندونيسيا أفرادا وجماعات ، فزادت نفقات الحكومة من أجلهم ، ولذلك فرضت عليهم ضرائب مناسبة منذ عام

١٩٠٨ ، فقل العجز في الميزانية ، وظهرت بوادر الانتعاش في دخل الحكومة ، فأقبلت على العناية بإصلاح المدن والطرق وإصلاح نظام الشرطة ، واهتمت بمشروعات الري وبناء الكباري والجسور ومد السكك الحديدية ونشر التعليم باللغة الهولندية وإنشاء المستشفيات ، وفي الوقت نفسه لم تنس أن تتفق بسخاء لإخضاع الإمارات الوطنية والحكام الوطنيين . .

اشترك في نشرتنا البريدية