أود قبل كل شيء أن أقول كلمة عن معاهدة فرساي. فقد أصبح الأسلوب الجديد لدعاية الدكتور (جوبلز) أن ينسب إلى هذه المعاهدة المظلومة كل سيئة. . . إن معاهدة فرساي لا تخلو من أوجه للنقص. إلا أنه من السخف أن نعزو إليها كل شر في الوجود
قال أحد الرجال البارزين من الألمان الديمقراطيين بتمهل: إن ثلاثين في المائة من الأسباب التي أدت إلى ظهور الاشتراكية الوطنية تعزى إلى معاهدة فرساي، وثلاثين في المائة إلى نقص الروح الديمقراطية في نفوس الألمان، وثلاثين في المائة إلى وسائل الضغط التي اتخذت ضد الشعب منذ عام ١٩٢٩. ولكني أود أن أدخل شيئاً من التحوير على هذا الوضع، فالهتلرية في نظري هي وليد نمته البلشفية وغذته بنظامها الوطني الاقتصادي الذي وضعته ليشمل سائر أنحاء العالم
نحن حريون ألا ننسى تلك المبادئ التي دافعنا عنها دفاعنا المعهود ما بين ١٩١٤ - ١٩٢٠. لقد بدأنا عهداً جديداً في تلك الفترة إذ قضى عالم قديم، وظهر في الوجود عالم جديد. وكانت العلاقات الدولية قبل سنة ١٩١٤ تسير على مقتضى السياسة القديمة. فكان من الطبيعي أن تفكر كل أمة فيما يهمها ويهم أبناءها وحدهم، وقل أن تفكر في شأن من شؤون الأمم الأخرى
إلا أننا في سنة ١٩١٤ رأينا الأمم الديمقراطية التي كانت لا تهتم إلا بشئونها الداخلية، بدأت تفكر في العلاقات الدولية العامة. والديمقراطية بحكم وجودها لا تحلم بالقوة، ولكنها تحلم بالمثل الأخلاقية العالية. وإذا كانت الأمم الديمقراطية لا تعيش لهذه المثل على الدوام، فمنها ولا شك الكواكب التي تسهر على حراستها، وتصونها من الضياع
ومنذ ظهرت عناية الأمم الديمقراطية بالشؤون الدولية العامة، أخذت تفرض مبادئها على سائر الأمم. فالإنسانية في نظرها وحدة لا تتجزأ. وسائر الأمم والأفراد لهم الحق في الحياة والحرية والسعادة. والشعوب المتأخرة لها أن تتخلص من الاستغلال
الممقوت وتتمتع بنظام الحكم الذاتي. والدول الصغيرة والكبيرة سواء أمام القانون. وقد رؤى أن خير وسيلة لتجنب الحرب هي إيجاد قانون صحيح يحكم بين الأمم هذه هي المبادئ التي آتت ثمرها الحرب العظمى بعد
توقيع معاهدة السلام في باريس عام ١٩١٩ وهي مبادئ قويمة ذات أثر لا ينكر في إسعاد العالم. وقد دافع عنها الرئيس ولسن دفاعاً مأثوراً، ولكن الدول الديمقراطية لم تكن تقدر أن العالم لازالت تحركه المطامع وحب السيادة والسلطان، وأن المبادئ القديمة لازال لها أنصار يتعلقون بأذيالها
وليس هذا هو السبب الوحيد في نشوب الحرب مرة ثانية، ولكنه من الأسباب القوية التي أدت إليها، ونحن لا ندري إذا كانت هذه الحرب ستنتهي بنا إلى الحرية المنشودة، أم أنها سترجع بنا إلى همجية العصور الخالية
لقد وفت الدول الديمقراطية بعهودها التي قطعتها على نفسها في معاهدة فرساي، فأعطت كل أمة الحق في تقرير مصيرها، وبذلت ما في وسعها لحماية الأقليات أما هتلر فهو في الحقيقة لا يناضل من أجل الحدود التي قررتها هذه المعاهدة، ولكنه يناضل لهدم فكرة الديمقراطية من أساسها.

