إلى الأستاذ الشيخ عبد الرحمن القلهود في طرابلس الغرب. إذا لحن إمامان (لاغير) - ودع علة التلحين - فقد غنى به وأجازه أئمة سميت طائفة منهم في تلك (الجريدة) الطويلة وسردت مقالاتهم.
وإذا لم أجد نصا عربيا قديما تطمئن النفس إليه كل الاطمئنان فقد اطلع أولئك الإثبات الثقاة على ما لم اطلع عليه أو رأوا - وكل واحد منهم أكبر من (مجمع لغوي) رجاله أربعون أو مائة - رأوا أن يقولوا فقالوا. وفي هذا اللسان القوي الجريء المتقدم السائر مع الزمان ألوف من الكلمات والتراكيب المولدة. وأبناء العرب عرب وان غير الدهر والبيئة سحناتهم. . . وتلحين الإمامين (السيرافي وابن هشام) أورده صاحب التاج ثم قال:
(. . . فلا يكون - يعني لا غير - لحنا، وهو الصواب الذي نقلوه في كتب العربية وحققوه).
وبعد فها هو ذا الأمام ابن الحريري الذي اعتاد - سامحه الله - تخطئة الصحيح يقول في (الدرة) ص ١٥: (ويقولون اجتمع فلان مع فلان فيوهمون فيه، والصواب أن يقال اجتمع فلان وفلان، لان لفظة اجتمع على وزن افتعل، وهذا النوع من وجوه افتعل مثل اختصم واقتتل، وما كان أيضاً على وزن تفاعل مثل تخاصم وتجادل يقتضي وقوع الفعل من أكثر من واحد، فمتى اسند الفعل منه إلى أحد الفاعلين لزم إن يعطف عليه الأخر بالواو لا غير) .
وروي الإمام الرازي في (مفاتيح الغيب) ج٤ص٤٢٤ عند تفسير القول الكريم (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم، وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا، لا اله إلا هو، سبحانه عما يشركون) هذه الفائدة:
(قال أبو عبيدة: الأحبار الفقهاء، واختلفوا في واحدة
فبعضهم يقول حبر، وقال الأصمعي: لا ادري اهو الحبر أو الحبر، وكان أبو الهيثم يقول واحد الأحبار حبر بالفتح لا غير، وينكر الكسر، وكان الليث وابن السكيت يقولان: حبر وحبر للعالم ذميا كان أو مسلما بعد أن يكون من أهل الكتاب).
وفي آمالي الأمام القالي ج٣ص١٤٢:
(إبراهيم بن عثمان العذري وكان ينزل الكوفة قال: رأيت عمر بن ميسرة وكان كهيئة الخيال، كأنه صبغ بالورس، لا يكاد يكلم أحدا ولا يجالسه، وكانوا يرون انه عاشق، فكانوا يسألونه عن علته فيقول:
يسائلني ذو اللب عن طول علتي ... وما أنا بالمبدي لذي اللب علتي
سأكتمها صبرا على حر جمرها ... واسترها إذ كان في الستر راحتي
صبرت على دائي احتسابا ورغبة ... ولم اك أحدوثات أهلي وخلتي
فما اظهر أمره، ولا علم أحد بقصته حتى حضره الموت، فقال: إن العلة التي كانت بي من اجل فلانة ابنة عمي، والله ما حجبني عنها، والزمني الضر إلا خوف الله (عز وجل) لا غير، فمن بلى في هذه الدنيا بشيء فلا يكن أحد أوثق بسره من نفسه، ولولا إن الموت نازل بي الساعة ما حدثتكم، فأقرئوها مني السلام، ومات من ساعته.
واختتم هذه الأسطر بالثناء على أدب الأستاذ القلهود وشكره على حسن ظنه بهذا الضعيف وسؤال حضرته للاستفادة من فضلها عن هذه الفاء في جواب الشرط في هذه الجملة: (وأنها إن اقنعت أمثالي من المقلدين فلم تقنع أمثال السيرافي وابن هشام من زعماء النحو المجتهدين) وعن معنى هذه الجملة: (فياحبذا لو أن الأستاذ أعاد الكرة واستظهر دواوين العرب ورسائلهم فربما يعثر فيها على شواهد أخرى) وعن ورود مثل هذا التركيب (فيا حبذا لو أن الأمر كذا وكذا) في كلام قديم أو مولد متقدم أو متأخر.
قد ذكرتني (حبذا) بقول الشاعر:
يا حبذا جبل الريان من جبل ... وحبذا ساكن الريان من كانا
