_45_
ليس للغرور لميت بمتاع ؛ وما يجدى شيئا على الرافعي أن يكون كل وقاء العربية له أن نقول : كان وكان برحمه الله :
لقد كان الرافعي صاحب دعوة في العربية وفي الاسلام يدعو إليها ؛ فحته على العربية ، وحق العربية على أدبائها ، وحق لام على أهله ، أن تجدد دعوته ، وأن نبقى ذكره ، وأن ننشر رسالته ، وأن نمنى بآثاره ؛ فإذا نحن قد وفقنا إلى كل أولئك قد رفتا له بعض المظهر
والآن فلننظر لنرى مقدار ما يمكن أن تصل إليه هذه الدعوة من النجاح ؛ وأمامنا إلى ذلك وسيلتان :
أولاهما أن نعرف مدى تأثير الناشئة من المتأديين اليوم بأدب الرافى ومذهبه ؛ والثانية هي البحث عن آثار الرافعي ومنشآته الأدبية وتراثه الفكرى لتحرص عليه من الضباع
فأما الأولى فان بين الرافي والأكثرين من ناشئة المتأدبين فى هذا الجيل جاباً كثيفاً يمنعهم أن ينفذوا إليه أو يتأثروا به المواصل عدة :
ذالراضي أديب الخاصة ، كان ينشى" إنشاءه في أي فروع الأدب ليضيف ثروة جديدة إلى اللغة تعلو بها وتميز مكاناً بين اللغات ؛ ثم ليبدع أدباً يسمو بضمير الأمة ويشرع لها طريقاً تسير فيه إلى عظمة الخلد ومجد التاريخ
وشبابنا أصلحهم الله لا يعرفون الأدب إلا ملهاة وتسلية ، لا دونه للذة العقلية وسمو النفس ولكن ينشدونه المقاومة الملل وإزجاء الفراغ فهذا سبب والثاني أن الرافي - رحمه الله - لم يكن يكتب الكتابة
للصحافية التي بنشئها أكثر كتابنا ليتملقوا غرائز القراء بالعبارة المتهافتة والقول المكشوف . وعند المتأدبين من ناشئة اليوم أن قسمة الأدب هى بمقدار انطباقه على أهواء النفس وارتياحها إليه وقدرتها على أن تسيغه بلا تكلف ولا عناء
وثمة سبب آخر ، هو طفيان السياسة على الأدب في هذا الجيل طنياناً أقحم على الأدب ما ليس فيه وعلى الأدباء من ليس منهم ؛ بحيث يتحرج أكثر الأدباء أن يقولوا قلة أو رأياً أدبياً في أديب أو شاعر إلا متأثرين بما كان له من مذهب سياسي أو رأى في السياسة المصرية .
والرافعى رجل - كان - لا يعرف السياسة ولا يخضع المؤثراتها، ولم يكن يعتبر له مذهباً في النقد إلا المذهب الأدبي الذي تزمه منذ نشأ في الأدب ؛ فمن ذلك كانت خصوماته الأدبية تنتهى نهايتها إلى اتهامه في وطنيته وفى مذهبه السياسي ؛ ورآها أكثر خصومه من كتاب الشعب فرصة سانحة لينالوا منه عند القراء ، فانتهزوها ، وبالنوا فى اتهامه ، وأغرقوا في الطان على وطنيته . وتأولوا مذهبه ، حتى عاد عند أكثر القراء رجلا لا وطنية له ولا إنسانية فيه ولا إخلاص في عقيدته . وما تزال السياسة عند أكثر شباننا ذات سلطان ، وما زال الأدب يجري في غيار السياسة وهو أعلى مكاناً وأرفع منزلة ....
ولقد يضاف إلى كل أولئك سبب أخير ، هو أن أكثر ما كان يتناوله الرافى من شئون الأدب هو ما يتصل بحقيقة الاسلام أو معنى من معانيه . على أن الكثرة من ناشئة المتأديين يريدون أن يفرقوا بين الأدب والدين ، فلا يرون ما ينشأ في هذا الغرض لوناً من ألوان الأدب أو مذهباً من مذاهبه
تملك جملة الأسباب ، أو مجمل الأسباب ، التي باعدت بين أدب الرافى وبين الجمهور من ناشئة المتأدين ، ما يد من النظر فيها والبحث عن علاجها حين نهم بأن تجدد دعوة الرافي وننشر رسالته ، إن كان ثمة يقين بأن أدب الرافعي حقيق بالخلود ؛ وإن الليقين به ليعمر قلب كل أدبب يؤمن بأن الدين واللغة هما أول المقومات القوصتنا العربية المسلمة.
ذلك شيء . أما آثار الرافعي فلها حديث طويل هاء دكاكين الوراقين ليس فيها كتاب من كتب الراقي ،
وهذا مكتب الفقيد عليه كتب من كتبه لم تطبع ولا يعرفها أحد من الأدباء
كل ما في يد العربية من منشآت الرافعي هو صدى كلمات و عنوانات كتب ، أما حقيقتها ومعناها فقد انفرط الجيل الذى درمها أو تاد نلم يبق للجيل الناشئ منها غير عنوان :
ديوان الرافعی ، دیوان النظرات ، تاريخ آداب العرب ، إعجاز القرآن ، حديث القمر ، الماكين ، رسائل الأحزان ، السحاب الأحمر ، أوراق الورد ، تحت راية القرآن ، على السفود ، وحي القلم
هذا كل ما طبع من مؤلفات الراضي ؛ فليسأل كل أديب نفسه : ماذا قرأ من هذه الكتب وماذا حصل وماذا أفاد ؟
إنها المكتبة حافلة جديرة بأن تنشى مدرسة جامعة لمن يريد أن يتزود من العربية أمراً زاد وأشهى غذاء ، ليكون أديبا له لسان و له بيان وله منزلته الأدبية في غد
إني لأ كاد أوقن أن نسمين من كل مائة من القراء لا يعرفون من هذه الكتب إلا أسماءها ، وإن منهم لمن يتوهم أن من حقه أن يتحدث عن الأدب ويؤرخ لأدباء الجيل
وما حيب على من لم يقرأها أنه لم يقرأها ؛ ولكن السيب كل العيب علينا عامة نحن المشتغلين بالأدب أن يكون كل وقائنا لمن يموت من أدباء العربية أن تقول كان وكان ويرحمه الله ولا نعمل على تخليد أدبه بما ننشر من آثاره
لقد أدي الرجل واجبه ما استطاع وبقى علينا فرض واجب الوفاء
على أن ما سبق طبعه من كتب الراقي حين خطبه ؛ فمياني جيل يكون أكثر تقديرا لأدب الرافعي من هذا الجيل وسيعيد سيرته وينشر أدبه
ولدن كتبا هناك ما تزال قصاصات من ورق على مكتب الفقيد تنتظر من يخرجها لكن قبل أن يسبق إليها العث والفيران فيل في أدبائنا وفي حكومتنا من الحزم وحسن التقدير ما يحملهما على معرفة واجب العربية وواجب هذا الراحل ؟ كم نبكى وكم نحول على امتناع من تراثنا الأدبي وما فقدته المكتب: "ربية من منتوج أدبائها الفحول في عصر الجهل والانحطاط، وهذا تراث بين أيدينا يوشك أن يتبدد ويذروه الهواء
لقد أورثنى الرافعى بعض تبعاته ، وإني لأحس بثقلها على عاتق أكثر مما أحس بحاجتي إلى التحدث عن ماضيه
لقد عاش الرافي حياته يجاهد لأمته ما لم يجاهده أدبب في العربية منذ قرون، وقضى حياته ياتي من العقوق ونكران الجميل ما لم يلق أديب فى العربية منذ كانت العربية ؛ ومات فما كان حظه منا في أخراء أحسن منه في دنياء . فهل لي أن أؤمل أن تتنبه الأمة والحكومة إلى ما ينبغي أن يكون ، وناء لهذا الراحل الكريم؟
ليس يكنى أن يكون كل وفائنا للمرافي ، حفلة لتأبينه وبضع كلمات في الصحف لرثائه ، ولكن الوفاء حق الوفاء أن نعمل على تخليد ذكراه بتخليد أدبه ، وتجديد دعوته ، وإبقاء ذكره . ونشر رسالته ، فليكن هذا الكتاب الذي أنشأته عن حياة الرافعي » أولا له ما بعده ، لتفكر في الوسائل النافعة التي تجدى على الأدب والعربية أكثر مما تجدى رسائل التأبين وكلمات الترجي والاسترجاع !
أما هو فقد انطوى تاريخه على هذه الأرض ، فلن يجدى عليه شيئاً ما تفعل وما تقول ؛ ولكن ما نفعله وما تفكر فيه إنما هو خيرنا وجدواه علينا ، فلنفكر في أنفسنا وفى ذواتنا وفيما يعود علينا وعلى العربية في تجديد ذكر الراقي ، إن كان يعز علينا أن تعمل أو أن نفكر إلا فيها تكون منفعته إلينا ولنا من ترانه نصيب ! شيرا
