الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 916الرجوع إلى "الرسالة"

لنصر أخاك ظالماً لو مظلوما

Share

جاء في البريد الأدبي من الرسالة الغراء   (٩١١)  الصادر  في ١٨ ديسمبر كلمة موجزة للأستاذ عبد العظيم عطية هاشم  اعترض فيها على جزء من كلمتي:   (شعر الحماسة عند العرب)   المنشورة في الجزء   (٩٠٩)  من الرسالة الغراء.

فقد ورد في كلامي بصدد العصبية الجاهلية ذكر المبدأ  الجاهلي:   (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)   فقال عن ذلك (ولا  أرى معنى لإيراد هذا الحديث الشريف في هذا المقام. . . وأضاف  أن ذكره   (خروج بالحديث الشريف عن معناه وانحراف عن  قصده ومرماه)  ثم عزز قوله برواية الحديث عن البخاري ولم  تفته الاستفادة من بلاغة الصمت فذكر الحديث من غير تعليق.

إن عبارة: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) كلمة جاهلية  بمعناها السافر قبل أن نروي حديثاً بعد تخريجاً تخريجا سليماً  يلائم نظم الإسلام. قال الأستاذ صاحب الرسالة في بحثه أحوال  العرب الاجتماعية: (أما علاقة أبناء الأسرة بأبناء القبيلة فجماعها    (بضم الجيم وتشديد الميم)  مدلول هذه الكلمة الجاهلية: (انصر  أخاك ظالماً أو مظلوماً (1))  .

وذكر الميدان هذه الكلمة فقال: (انصر أخاك ظالما أو  مظلوما ) يروى أن النبي (ص) قال هذا فقيل يا رسول الله هذا  ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً؟ فقال (ص)  ترده عن الظلم.  قال أبو عبيدة أما الحديث فهكذا. وأما العرب فكان مذهبها في  المثل نصرته على كل حال. قال المفضل أول من قال ذلك جندب  العنبر من تميم (2) ثم ذكر قصة ارتجاله ولا حاجة لذكرها  وأحسب أن الدكتور أحمد أمين يشير إلى هذه الكلمة الجاهلية  في بحثه عن حالة العرب الاجتماعية بقوله.   (وأفراد القبيلة  متضامنون أشد ما يكون التضامن ينصرون أخاهم ظالماً أو  مظلوماً "3") . والظاهر أن هذه الكلمة من منحول الحديث فمن الصعب

أن نصدق أن الرسول الكريم وهو سيد البلغاء يستعير كلمة جاهلية.  أما ما يبعث الشك في صحنها فهو اختلاف رواية الميدانى عن رواية  البخاري فقد ذكر الميداني   (ترده عن الظلم)  وذكر البخاري:    (تأخذ فوق يديه)  ولم أجد فيما راجعت عن المعاجم   (يأخذ فوق  يده)  وإنما المذكور   (يأخذ على يده أي يمنعه) . ثم ما حاجة المسلمين  إلى مثل جاهلي لا يلائم نظم الدين الحنيف إلا بعد التخريج والتوجيه  وعندهم قول القرآن الكريم:   (وتعانوا على البر والتقوى  ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) ؟

والظاهر أن نسبة الحديث إلى أنس وهو صاحبي كريم استدراج  لتصديق الناس. قال الدكتور محمد حسين هيكل: (ومع ما أبداه  جامعوا الحديث من حرص على الدقة لا ريب فيه فقد جرح بعض  العلماء كثيراً من الأحاديث أثبتها جامعوها على أنها صحيحة. قال  النووي في شرح مسلم   (قد استدرك جماعة على البخاري ومسلم  أحاديث أخلا بشر طهما فيها ونزلت عن درجة ما التزماه1)  يقول  النووي في كلامه السابق قد استدرك (جماعة)  على البخاري ومسلم  واستدراك هؤلاء الجماعة شيء معقول فقد روى البخاري سبعة  آلاف حيث فإذا أسقطنا المقدار المكرر وهو ما يقرب من ثلاثة  آلاف حديث فإن الباقي أربعة آلاف حديث وهو رقم بعيد لا يصله  البخاري ولا غيره إلا قبول كثير من منحول الحديث.

وقد عارض القرآن الكريم روح العصبية التي أشار إليها المثل  وخفض منها بالتدرج إلا أنها لم تستأصل فقد بدأت أن تنتعش  منذ أيام عثمان وظهر أثرها واضحاً في معركة مرج راهط فقد كان  أغلب جيش الضحاك بن قيس الفهري قائد ابن الزبير من عرب  الشمال وكان الكلبيون جنود بني أمية من عرب الجنوب فثأرت  الحزازات المستورة وصرح الشر عن عصبية كامة امتد أثرها حتى  جعلها المؤخرون من أسبا هزيمة الجيش العربي في فرنساب

وذكر الدكتور فليب حتى (أن هذه الخلافات العصبي  ظلت حتى الأيام الحديثة قائمة في لبنان وفلسطين إذ روى لنا  التاريخ أن معارك قامة بين الحزبين: (الشماليين والجنوبين)  في

أوائل القرن الثامن من عشر(1)). وليست هذه العصبية وقفاً على العرب دون سواهم وليست  هي خاصة بعصر من العصور أو قطر من الأقطار دون غيره فقد  رأينا كثيراً من الغربيين في الشرق يجعلون التعصب الأعمى  لأبناء وطنهم على غيرهم دستوراً في حياتهم ومعاملاتهم.

وأضاف الأستاذ عبد العظيم إلى الكلمة الأخيرة من أسمى  الكامل كلمة (عبد)  فصيرها   (عبد الرحيم)  وهذه الإضافة أما  من استبداد السهو بالقلم أو أن الأخ يرى كلمة (رحيم) من الأسماء  الحسنى لا يجوز أن يسمى بها شخص من غيره تعبيد. وعلى  الاحتمال الثاني أقول أن (رحيم)   بمعنى الفاعل من أسماء الله الحسنى  وبمعنى المفعول من غيرها فانتفى الحرج. وقد ورد في مختار الصحاح  وغيره: و(الرحيم)  قد يكون بمعنى المرحوم كما يكون بمعنى الراحم) وأحمد للأستاذ هذا الاهتمام وأشكره. الحلة (العراق)

اشترك في نشرتنا البريدية