نشر في الأسبوع الماضي في لندن كتاب بعنوان (الندوة الشرقية) يحتوي على كتابات مختلفة من المرحوم الكولونل لورنس الذي اشترك في ثورة العرب في الحرب العالمية. ومن هذه الكتابات فصل كان قد أعده ليكون الأول في كتابه الشهير (أعمدة الحكمة) ولكنه عاد قبل الطبع فحذفه منه وألغاه عملاً بإشارة الكاتب المعروف برناردشو.
وفي هذا الفصل يندد لورنس تنديداً مرَّاً بالوزارة البريطانية لأجل بذلها وعوداً للعرب وله معهم كي يشتركوا في الثورة فكتب لورنس ما ترجمته:
(كان واضحاً منذ البداية أننا لو ربحنا الحرب لصارت هذه الوعود قصاصات ورق بلا قيمة. ولو كنت أنا مشيراً نزيهاً للعرب لنصحتهم بالعودة إلى بيوتهم وعدم المخاطرة بأرواحهم في القتال من أجل هذه الأوراق. لكنني عللت نفسي بأمل آخر وهو أني أقود هؤلاء العرب بحماستهم الجنونية إلى النصر النهائي. وهناك أجعلهم والسلاح في أيديهم في مركز أمين مضمون إن لم يكن متسلطاً، فتجد الدول الكبرى من الحكمة والملاءمة أن يلبوا مطالبهم بمقتضى الإنصاف).
وكتب لورنس أيضاً: (لم يكن لي ظل من الحق في استخدام
هؤلاء العرب في هذه المخاطرة دون أن يعلموا نتيجتها الصحيحة فيما يتعلق بقضيتهم. لكني جازفت بالغش اقتناعاً بأن معونة العرب ضرورية لنا كي نفوز بنصر سريع ورخيص الثمن في المشرق وإنه خير لنا أن ننتصر ونخيس بوعدنا من أن ننكسر ونحن نزهاء) . وأوضح ناشر الكتاب أن هذا الشعور من لورنس كان وقتياً وعاد فرضى بقرارات مؤتمر القاهرة عندما عالج المستر تشرشل المسألة وقرر الوفاء بالعهود البريطانية.
ولقد صرح المستر برناردشو بأنه أشار فعلاً على لورنس بإهمال هذا الفصل الأول لأنه استهلال غير حسن لأسباب غير سياسية. وزاد المستر شو على ذلك: (أما في شأن العرب فكان لورنس يحسب في أول الأمر أنهم لا يلقون معاملة حسنة، ولكنه شعر بعد ذلك أنهم ينالون أكثر مما تمكنهم إدارته وسلك أخيراً سلوك من يعتقد أن لا أهمية للوجهين. والحقيقة أن لورنس لم يكن يفهم السياسة قط، فهو إنما كان صبياً كبيراً لم يتم نموه يوماً) .

