الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 756الرجوع إلى "الرسالة"

ليلة عيد الميلاد

Share

حدقي أيتها الأرض، فقد عم البلاء

وانظري الأشلاء تطاير يذروها الفضاء

وأنصتي! فالكون أضحى محشراً فيه الجزاء

كل نفس أيقنت أن طال في الدنيا الثواء

والشباب اليافع البكر يواريه الفناء

ناشئ روعه الخطب وأصماه الشقاء

لم يذق من كوبة الدنيا سوى ما فيه داء

قدَّمته راحةُ الشيطان يحدوه الرجاء

وأقام اليوم أعراساً له فيها احتفاء

بعثت من فوهة المدفع نار وضياء

والأهازيج رعود وعويل. . . لا غناء

رقص الناس بها هولاً وذعراً كيف شاءوا

وتغنى عازف البارود والدمع سخاء

هكذا الأعراس في العالم يزجيها الفناء

ليلة الميلاد! أعيا منطقي الداء العياء

والتوى القولُ المبين اليوم إذ حم القضاء

لم يعد يُمشى بمجنوز. . . ففي ذاك الرخاء

حيث يقضى المرء يلقى قبره. فيه الثواء

كفن في السلم من خز، وفي الحرب دماء

يدفن الآباء أبناء لهم فيهم رجاء

ويوارون على - البعد - حشاشات أضاءوا

دمعة الشيخ جنون فاستعار فانطفاء

كم شرايين من العندم قدَّ الأبرياء

كي يروى منه أفراد من السلم ظماء

قذفوا بالفوج تلو الفوج هوجاً كيف شاءوا

فأحلوا الأرض أنهاراً بها العندم ماء

سخروا   (المريخ)  فانقاد. وتغريه الدماء

وهو الشرير في أعطافه دوماً ظماء

فإذا الأبحار والأرضون والجو سواء

كلها مذبح جزار له الإنسان شاء

كلما ضحى بفوج؛ سيق للموت الذماء

هكذا سكينه مخضوبة فيها اشتهاء

كلما قيل انتهينا. راعها ذا الانتهاء

ليلة الميلاد! إن الحرب شر وبلاء

لم نقل فيها ولكن طال في اللين الثواء

حسب الظالم أن الشبل يغريه الرياء

لم يعد في القوس صبر. . . أرهقتنا الثوباء

زمجري أيتها الريح. . . فلي منك ارتواء

وابعثي العنف بأوصالي ليحييها الرجاء

واعصفي في رأسي البكر كما شئت وشاءوا

وانفضي عن كاهل العزة ما أبقى البلاء

وابعثيها وثبة الحر على من قد أساءوا

عذبتني رقدة الغافي يغذيها ارتخاء

والزمان الطفل يطوينا كما يطوى المساء

نؤت بالأمس أداريه وفي النفس شقاء

واحتملت الإثم في جنبي. أنا منه براء

عجز الطب. . . فلم يبق لنا إلا الفداء

الأبي الحر لا يشرى كما تشرى الإماء

نحن إما لغد نحيا. . . وإما فالفناء

مصر في أحزانها غرقى. أما منها نجباء

أرهق المستعمر الجبس جناحيها يشاء

وطني حتى تنزى من أذاه الطلقاء

ظامئ لم يروه بالأمس   (نيل)  ودماء

شرب العندم في الكأس. . . فغص الأبرياء

إن من في لثتيه الترب لا يرويه ماء

ليلة الميلاد! هل عدت ببرديك الرجاء

هل يثير العام أن قد عاد للوادي الصفاء

وينار القلب بعد العين. . . أم يقضى الغلاء

ويشير الخير أنت الآن أم سر خفاء

أم ترى نمضي كما كنا وكان القدماء

وتوارى العام مثل العام. . . يؤذينا التجاء؟

أنت غيب! - مثلما كنت وتبقين. . . - وداء!

أسفي فالدمعة الحمراء يدعوها الوفاء

إنما يبكي بدمع المقلتين الشهداء

قد غفوا للحشر. . . والجزار يقظان يشاء

حسرتي حسرة من مثله يرجى العزاء

نحن صوت الحق والتاريخ. . . نحن الشعراء

اشترك في نشرتنا البريدية