الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 1الرجوع إلى "الفكر"

مؤتمر البعث والاختيار

Share

لم يمض بين المؤتمر الخامس للاتحاد العام التونسي للشغل ومؤتمره السادس الا عامان ولكنهما عامان وصل فيهما الشعب التونسي الى استقلاله وليس اهم من هذا النصر ولا ادعى الى التفكير منه .

لقد أتى علينا حين من الدهر كنا فيه امة موحدة تكافح من اجل التحرر تناضل بقويها وضعيفها بغنيها وفقيرها سرا وجهرا مباشرة وغير مباشرة . وها نحن قد فتح علينا فانتصرنا واصبح مصيرنا بين ايدينا وبقينا والحمد الله على وحدنا الشعبية القوية ولكن ماذا نحن فاعلون ؟

كذا امة محمية فاصبحنا امة مستقلة واتضحت امامنا سبل عدة فما نحن مختارون ؟ لنا - وقد افقنا من سباتنا مستقلين - ان نعد عهد الحماية لغوا باطلا قد جرنا الى ما لم نرتض وقربنا الى نوع من التفكير والحياة والاقتصاد غربي محض فرض علينا بحذافيره فهو ليس منا في شيء ولسنا منه في شيء . ولنا - وقد تم استقلالنا عن غير حرب مع فرنسا - ان نرضى عما اتت به الحماية وان نعمل على اصلاحه مرقعلن منظفين فى غير ثورة ولا عظيم تجديد كان نبدل اولي الامر من الفرنسيين برجال من بيننا نختارهم ونرتاح اليهم يسهرون على اقتصادنا واجتماعنا وثقافتنا وسياستنا فى اطار الوضع الحالى الموروث عن عهد الحماية وفى نطاق النظام الحالي .

ولنا من جهة ثالثة - وقد اصبحنا امة مستقلة رأت مصيرها بين ايديها فتاقت الى الحياة الحق بما فيها من تقدم وديمقراطية بما فيها من عدل ورفاهية بما فيها من عزة وكرامة - لنا ان نعتبر النظام الذى ورثناه عن الحماية نظاما فاسدا بعيد الفساد عميق الخلل وان نفكر في تبديل ما بانفسنا بتبديل هذا النظام المختل العقيم .

لا أظن ان مواطنا واحدا يطالب بالرجوع الى ما كنا عليه قبل الحماية وبنسيان

كل ما اتى به التطور من وراء الاستعمار فبقي لنا حينئذ ان نختار بين البقاء على ما ورثناه من نظام وبين ارادة التجديد الكامل الناجع . بقي لنا ان نعترف بفساد الوضع فنعزم على ترقيعه وترميمه محتفظين على نفس الهياكل وعلى نفس المؤسسات القائمة الآن او ان نعترف بفساد الوضع فنعزم عزما صادقا كاملا واضحا على ان نبدل له تبديلا وليس لنا - فى تبديلنا هذا - ان نعتبر الا صالح الشعب وصالح البلاد وليس لنا ان نقف عند الحدود التى سطرها لنا نظام الحماية ولا ان نتقيد بالاطار الذى وضعه الاقتصاد الفرنسي لنفسه بل لنا وعلينا ان نلتفت الى تجارب بلدان العالم الاخرى وان ندرسها فنقتبس منها وننتفع .

هذا الاختيار بين البقاء على النظام القديم الفاسد وبين المجاسرة على التبديل والتنظيم هذا الاختيار بين ترميم البالي وتشييد الجديد هو الاختيار الذي دعا المؤتمر السادس للاتحاد العام التونسي للشغل اليه نفسه ودعا اليه كافة الشعب التونسي . لقد فكر كل مؤتمر فى هذا الاختيار وسوف يفكر فيه بعد حين كل مواطن : إبقاء على جهاز فاسد وإن تونسناه ام تبديل للبنية الاساسية ولو اقتبسنا من الاجانب ؟

فاهم شيء عندي بعد استقلال بلادي هو ان أرى المؤتمر السادس للاتحاد العام التونسي للشغل يتجه الى هذا التفكير ويتجه الى هذا الاختيار ولقد اختار المؤتمر طريقة التبديل تبديل الفاسد بالصالح وطريقة البرنامج المسطر لا طريقة الارتجال المتلعثم فقدم للملا برنامجا اقتصاديا متينا وقدم مشاريع اجتماعة وثقافية وسياسية .

والمؤتمر يعتقد ان الرجال لن يصلحوا ما دام النظام الذي يحيط بهم فاسدا ولن يتبدلوا ما لم يتبدل ذلك النظام ولن يبدل ذلك النظام ما لم تعمل جماعة صالحة تبث البذور وتوقظ النفس تفكر في المصير وتعمل على التجديد جماعة فيها الوعي وفيها العقل وفيها الجسارة وفيها الشجاعة جماعة كالتي برز من بينها الحبيب بورقيبة وسوف تجتهد هذه الفئة الصالحة لتلقين الشعب الكادح والمستضعفين من الناس ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات حتى لا يطول عهد هضمهم ولا يدوم وسوف تجتهد هذه الفئة الصالحة فتبين لكل مواطن اهمية الاختيار وتقنعه بان

الطريقة الوحيدة الناجعة هي طريقة البرنامج المسطر والمشروع القومي الشامل لجميع الميادين -

ولقد يستطيع رجال من اصحاب العلم ورجال من اصحاب العمل ان يعينوا مؤتمري الاتحاد على عملهم المزدوج فيوضحون الى الجماهير الكادحة ما نحن فيه من نظام وما نرمي اليه من تجديد حتى لا تكون مغالطة ولا التباس ثم يعملون على اقناع انفسهم وعلى اقناع ذويهم بوجوب البرنامج الذي دعا اليه المؤتمر .

وهكذا يتمكن كل مواطن مهما كانت درجته من الاطلاع على البرنامج والتفكير فيه والعمل على تطبيقه وأستطيع ان اقول السهر على تطبيقه او المطالبة بتطبيقه لان البرنامج وقد نشر بين كافة افراد الشعب لا يبقى برنامج احمد بن صالح او برنامج الهيأة الادارية بل هو برنامج الشعب كله فيستطيع كل فرد من افراد الشعب ان يسهر على تطبيقه وان يراقب احمد بن صالح وذويه وان يطالبهم بالوفاء بالوعد .

اشترك في نشرتنا البريدية