الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 276الرجوع إلى "الرسالة"

محاكمة فرنسوا داميان*، الذي حاول قتل الملك لويس الخامس عشر، للكاتب كريجيلKer-Gil..

Share

ولد   (روبرت فرنسوا داميان)  في تيوللوي   (شمال فرنسا)   سنة ١٧١٥ من أسرة خاملة كانت تمتهن التزام المزارع، وقد أراد  أن يحمل لويس الخامس عشر على عزل وزرائه لغرض لم يكشفه  التحقيق، فذهب يوم ٥ يناير ١٧٥٧ إلى فرساي وطعن الملك  فى خاصرته اليمنى طعنة غير مميتة ولم يستطع الهرب فقبض عليه  وحوكم وعذب ثم أعدم على صورة بشعة جداً

والمهم فى هذه المحاكمة أنها تكشف لنا عن طريق التعذيب  في القرون الوسطى توصلاً لاستلال الاعتراف بالجريمة من المجرم  وما يصاحبها من إجراءات عدت زماناً إحدى طرق التحقيق  القانونية فصبغت وجه الانسانية بحمرة من الخجل لا تمحى

فى الخامس من شهر يناير سنة ١٧٥٧ وفي الساعة الخامسة  من مسائه، روع باريس خبر ذعر له أبناء الشعب والأشراف على  السواء: ألا وهو جرح الملك المحبوب لويس الخامس عشر فى  فرساي من يد رجل يدعى داميان Damiens ومن حسن الحظ  أن قبض عليه فى الحال

وعندما انتشر خبر الجريمة توجه الأمراء والضباط والسفراء  برغم البرد القارس نحو فرساي، وفى بضع ساعات كان طريق  فرساي مغطى بالكراسى والمركبات وجميع أصناف العجلات على  ما يروى أحد مؤرخى هذا العصر ولفائدة التحقيق أوقفت امرأة داميان وابنته اللتان زجتا

فى الحال في (الباستيل) لأنه لابد أن تكونا مطلعتين على نية  القاتل السيئة

وفى الثامن عشر من ذلك الشهر وحوالي الساعة الثانية  صباحاً اقتيد فرنسوا داميان من فرساى إلى باريس مخفوراً بعدد  وافر من الجنود

وكان السجين في داخل عربة لا ضوء لها، فأدخلوه من  حاجز السيفر ((Sever ليمنعوا المتفرجين عنه ثم أودعوه القصر  فى برج   (مونتكوميرى)  تحت رقابة من الحرس الفرنسي  يجرى تبديلهم كل أربع وعشرين ساعة

ثم في الصباح ذهب مفوضا الشرطة  (سه فرت وباسكيه)   والرئيس الأول والرئيس (موله) ليحققوا معه، وقد دام هذا  التحقيق من الساعة الحادية عشرة صباحا إلى الساعة الخامسة  بعد الظهر، وكان أحد طهاة الملك مكلفاً بإعداد طعام داميان  وكان هذا لا يخرج من البرج مطلقا

وكان فوبير ((Faubert من كبار الجراحين فى ذلك العصر،  لا يترك السجين الذي كان يقاسي الآلام الممضة من ساقيه اللتين  كويتا فوراً بعد توقيفه بسيخ أحمى حتى احمر

أما الملك الذي شفى سريعاً من جرحه فقد أرسل ٣٠٠٠٠٠  ليرة إلى قسس باريس لتوزيعها على فقراء رعيتهم فداء عن نفسه

كان سجن داميان مستديراً وقطره لا يزيد على اثنتى عشرة  قدما، وكان الهواء لا يدخله إلا من فتحة ضيقة ذات صفين من  القضبان الحديدية مفتوحة فى حائط سمكه خمس عشرة قدما، وكان  الضوء يمر من خلال الأوراق المزيتة

وكان السجين محصوراً فى نوع من الصدارى (Cavisale de force) التى لا تترك له الحرية فى أقل حركة

بلغ هذا التضييق الملك فوجده مفرطاً لأنه فى الحقيقة لم يؤخذ  تدبير ضد متهم أكثر تضييقا وأقل رأفة مما أخذ ضد داميان،  فبعث الملك طبيبه الأول الدكتور   (سه ناك)  فزار داميان ثم  أمر أن يترك للسجين بعض الحرية وأن يعامل بشيء من  الانسانية

وكانت الدعوى تسير ولكن ببطء، فقد زج فى الباستيل  ستون أو ثمانون شخصاً اتهموا بأنهم كانوا على علم بنية داميان  المجرمة، ثم أطلق سراحهم من السجن تدريجاً. ولما حضر  داميان أمام محكمة تورنل (Chambre de la Taurnelle)  في ١٧ آذار، دافع بأنه ما كان يرغب إلا فى إنذار الملك وحمله  على عزل وزرائه

وفى الحادي والعشرين من ذلك الشهر أرسل إليه الكاهن   (كه رمت)  خورى كنيسة القديس بولص ليعظه حتى يحمله  على قول الحقيقة

وفى السادس والعشرين من الشهر المذكور اجتمعت المحكمة  الكبرى المؤلفة من أمراء البيت المالك والدوقات والرؤساء  والقضاة والمستشارين. وكان المحامون جلوساً فى أمكنتهم،  وجيء بالمجرم فأجلسوه فى قفص الاتهام ولم يكن يظهر عليه أنه    (محروم)  ولا ظهر عليه أمام هذا المجلس أقل اضطراب بل كان  يتظاهر، بالهدوء وعظمة النفس ثم استعجلوه بتسمية شركائه فى  الجريمة، فأجاب: إنك تتكلم جيداً يا سيدي باسكيه ولكن هأنذا  أمام الصليب ليس لديَّ ما أعترف به

وحينئذ فتحت الجلسة فقرئ تقرير النائب العام الذى  يتلخص فى طلب إدانة داميان بجريمة محاولة قتل الملك فأحيل  للعذاب طبق ما هو مقرر

وفى الساعة السابعة مساء أصدرت المحكمة الحكم الآتي على  روبرت فرنسوا داميان:

إن المحكمة بحضور عدد وافر من الأمراء والقضاة نظرت  فى التهمة الموجهة ضد روبرت فرنسوا داميان، وهى تعلن إليه  بناء على اعترافه بأنه مجرم بالاعتداء على صاحب الجلالة الملك  بصفته الالهية البشرية وكونه الرئيس الأول، تلك الجناية  الفظيعة الشنعاء الموجهة ضد شخص الملك، وللتكفير عن فعلته  يحكم عليه:

١ -  بأن يقاد عارياً إلا من قميص، ممسكاً بمشعل من

الشمع الملتهب يوزن ليبرتين (1) إلى أمام الباب الرسمي لكنيسة  باريس، وهناك يركع ويعترف جهاراً بأنه اقدم على ارتكاب  جريمة قتل الملك، تلك الفعلة الشنعاء الممقوتة، وأنه جرح الملك  بضربة سكين فى خاصرته اليمنى، وأنه قد تاب وأناب فيطلب العفو  من الله ومن الملك ومن العدالة

٢ -  بأن يساق إلى محل الإعدام (Placc de Greve) ويرفع على صقالة ثم يسحب ثدياه ولحم ذراعيه وفخذيه ورجليه  بكلاليب، أما يده اليمنى فيمسك بها السكين التى حاول بها قتل  الملك وتحرق بالنار والكبريت، وأما الأقسام التى جز لحمها فيصب عليها الرصاص الذائب والزيت الحامى وصمغ البطم الحار والشمع  والكبريت ممزوجة جميعها معاً

٣ -  بأن يشد بدنه أربعة أحصنة وتقطع أطرافه ثم تحرق  بالنار حتى تصير رمادا تذرى في الهواء

٤ -  بأن تصادر جميع أرزاق المحكوم عليه وأملاكه فى أي  مكان كانت لحساب الملك

٥ -  تأمر المحكمة بأنه قبل هذه الإجراءات يحال المجرم  داميان إلى التحقيق العادى وغير العادى (التعذيب)  ليقر بشركائه  فى الجريمة

٦ -  وتأمر أيضاً بتدمير البيت الذى ولد فيه المجرم داميان،  أما الذي يملك هذا البيت فيعوض عنه، على ألا يحق له فى المستقبل  أن يقيم مكانه بناء آخر

وبينما كانت المحكمة تقرأ الحكم كانت الاستعدادات لتنفيذ  الحكم قائمة فى محل الإعدام

وىي الثامن والعشرين من الشهر صباحاً أخرج داميان من  سجنه وسيق إلى غرفة فى الطبقة السفلى من   (الاوتيل ده فيل)   محمولا على أيدى الشرطة فى نوع من الحقائب اللينة التى تصنع  من جلد بعض الحيوانات والتي لا تسمح لغير الرأس بالظهور،

ثم أخرج منها وأركع وتلى عليه الحكم، وقد لوحظ أنه كان  مصغياً بانتباه إليه، ثم انفرد به خوري كنيسة القديس بولس  فى وسط المكان بضع دقائق انسحب بعدها الخورى وشرب  داميان جرعة من الخمر وضع بعدها فى الحقيبة المذكورة مرة  أخرى ونقل إلى غرفة التعذيب حيث هناك المحققون مفوضا  الشرطة، والرئيسان موله وموبو، والمستشارون رولان وباسكيه  وسه فهر، فجرى استنطاقه من جديد.

وحينئذ أحاط به منفذو الحكم وألبسه الجلاد الخف  Brodequin وحين ضغط على الزاوية الأولى أجبرته علي  الصراخ الشديد، فأقر بأن الموسيو (غوتيه)  وكيل عضو فى البرلمان  والمسيو (له متر)  الذى كان يسكن فى شارع الماسونيين  هما اللذان دفعاه إلى الجريمة. فصدر الأمر فى التو بتوقيف هذين  الشخصين.

وعندما ضغط على الزاويتين الثانية والثالثة صاح من جديد  صيحة ألم، وفى الرابعة طلب العفو. ولما وصل المتهمان الجديدان    (غوتيه) و (له متر)   واجهوهما بداميان فرجع عن اقراره  عنهما. فأعيد إلى العذاب ثانية وضغطوا على الزاوية الخامسة  والسادسة والسابعة والثامنة من الخف، وهنا أعلن الأطباء  الجراحون بأن المجرم لم يعد فى طاقته تحمل تجربة جديدة، وقد  دام التعذيب ساعتين وربع الساعة.

ولما دقت ساعة القصر الرابعة تقدم (جيرائيل سانسون)   من المسيو   (غه ره)  والمسيو   (مارسيللي)  وقال لهما إن ساعة  التنفيذ قد حانت. ومع أنه تكلم بصوت خافت فقد سمعه     (داميان)    الذى دمدم بصوت مخنوق   (نعم بعد قليل يخيم الليل)  وبعد

فترة قال:   (أواه، غداً يكون نهاراً لهم) .

وحينما وصل     (داميان)   إلى أسفل الصقالة طلب أن يكلم  مفوضى الشرطة فحمل إلى   (الأوتيل ده فيل)  حيث استدرك  من جديد الاتهام ضد (غوتيه)  ثم أوصى المسيو   (باسكيه) بزوجته وابنته.

وفى الساعة الخامسة أنزلوه إلى الميدان ورفعوه فوق الصقالة  ثم نزلوا وربطوا كل طرف من أطرافه بمجر حصان، وكان لكل  حصان مساعد يمسك بلجامه، وآخر وراءه يمسك سوطاً، ووقف  الجلاد وأعطى الإشارة، وعندها وثبت الأحصنة الأربعة بقوة  شديدة وفي اتجاه مختلف فسقط أحدها، ولكن جسم الشقى لم  يتقطع، فأعادت الأحصنة الكرة ثلاث مرات وفى المرات الثلاث  كانت تتقهقر أمام صلابة الجسم.

ولهول المنظر أغمى على الخورى، وكان المتفرجون ىي ذهول  وذعر عميقين، ثم تعالت الأصوات من كل جانب بصورة مرعبة.

وعندها صعد الجراح   (بوير)  إلى   (الأوتيل ده فيل)   وطلب إلى مفوضى الشرطة أن يضربوا المحكوم عليه بالساطور  على مفاصله فصدعوا بالأمر.

وأخيراً فصلت الأطراف وخرجت من جميع الصدور  تنهدات عميقة وتنفسات حارة.

ولكن الواقعة لم تنته، فجمعت الأطراف الأربعة والجذع  وجمعوا على كومة من الحطب، ثم ارتفع اللهيب فيها. حلب

اشترك في نشرتنا البريدية