يلاحظ الذين يقرئون في كتاب (النجوم الزاهرة) لابن تغري بردى تعليقات ثمينة على الأماكن الأثرية والمدن والقرى المصرية.
وتكاد هوامش هذا الكتاب القيم تزدحم بهذه التحقيقات التي تدل على بسطة في العلم وسعة في الاطلاع، حتى ليخيل إلى القارئ أن صاحبها لم يدع أثراً من آثار مصر ولا خطة من خططها إلا تعرف إليه معرفة الخبير.
ذلك العالم الذي فجع العلم بوفاته في الأسبوع الماضي هو المرحوم محمد رمزي المفتش بالمالية سابقاً ومؤرخ المواقع المصرية ومحقق تاريخ الآثار والديار وصفتها وتحديد أماكنها القديمة إذا كانت ضاعت معالمها
كان محمد بك رمزي دليلا حافلا من دلائل الآثار المصرية وخاصة الإسلامية منها. وقد عرفت له الهيئات العلمية والدوائر الرسمية هذا الفضل فكانت تأنس إلى رأيه وتطمئن إلى تحقيقه
ولطالما تهافتت عليه الهيئات وألحت عليه فصرفته عن التأليف المستقل إلى الكتابة هنا وهناك وهو في ذلك لا يشفق على سنه العالية؛ كأنه كان يزيد على الهرم مضاء وفتاءً.
ويشهد بهذا الفتاء الجزء التاسع من (النجوم الزاهرة) الذي خرج إلى سوق الأدب من عهد غير بعيد فإذا به يفيض بتحقيقات عجيبة لا يتسع لها صدر رجل جاوز السبعين. فهو يحقق في هامش صفحة ٩٦ موضع (جامع بين السورين) ويناقش المقريزي مناقشة العالم.
ويعلق في ص ١٤٤ على (خانقاه سرياقوس) وتاريخ إنشائها فيصوب ما ذكره المقريزي ويخطئ رواية ابن تغري بردى في (النجوم الزاهرة).
وهكذا تجد للرجل - في هامش كل صفحة تقريبا - تعليقاُ وتحقيقاً وتصويباً وتخطيئاً. وهو في ذلك كله الحجة الثبت.
وهو الذي عرف الدكتور عزيز سوريال عطية الأستاذ بجامعة فاروق الأول إلى المغفور له الأمير عمر طوسون فكلفه إخراج كتاب (قوانين الدواوين)1 لابن مماتي إخراجا علمياً. فقام الدكتور بالعمل؛ وراجع محمد رمزي بك الباب الثالث من الكتاب وهو الخاص بتقويم البلدان، وأقام ما فيه من تحريف وتصحيف فاستحق بذلك شكر الأمير وتقديره في مقدمته للكتاب
ولقد عرفت الفقيد معرف عين وحديث من ثلاثة أعوام. قدمني إليه محمود نصير بك فرأيت منه فضل التشجيع وحسن التقدير؛ ورأيت منه فوق ذلك تواضعاً أكبره في عيني؛ ورأيت تحت إبطه خريطة منتفحة لا يحمل فيها مالا ولا ذهباً؛ ولكن يحمل علماً وأدباً. . .
وحدثته بعد ذلك في (المسرة) حديثاً علمياً تاريخياً. وكان ذلك منذ عام. وما كنت أدري أنه حديث لغير لقاء. أجمل الله للعلم فيه العزاء.

