إن الذين يعجبون في قرارة نفوسهم إمجابا علميا بالرادو والتليزيون وغيرهما ويشعرون بالدور الذى ينبغى ان تلميه مصر والبلاد الشرقية لاستكمال الانتصارات العلمي لتقدمه الانسان مهتمون ولا شك بمعرفة اخبار المعامل العلمية ، فتلك الهياكل المقدسة كما يسميها باستور ، هى التى يجب أن تحميها أكثر من حمايتنا لأنفسنا ، إذ فيها تنمو الانسانية وتقوى ويزدهر التنسيق العالمي ، بينما الانسان فى خارجها ينساق احيانا لاعمال بربرية وتحمس أحمق لتحطيم نفسه وتخطيم البشر
. . وإنه ليحلو لى فى هذه الايام التى يهتم العالم فيها بالتسلح والتسابق للتهلكة ، فى هذا العهد الذى يقف فيه كل عمل إيجابي لننساق إلى ما هو ساى ، يحلو لى ان احدث القراء فى احب سير المعامل العلمية ، فأحدثكم عن مدام كيرى واكتشافها للراد يوم : قسة وإن لم تكن قصة اليوم ، وعمل وإن لم يكن وليد هذه الساعة ، إلا أنها ليست بالقصة التى نتساها مع الزمن ، ولا بالعمل العادى الذي يمر ككل عمل
. ج . . إن عمل كيرى للنجاح لا يقف عند حد ، فقد كنا أمام مادة جديدة فى طبيعتها وخواصها ، بل كنا امام نشاط إشعاعي حرارى كهربانى ، بل كنا أمام تكوين جديد لليليوم ومحول للعناصر وتغيير فجاني في المادة ، فلا عنصر بالمعنى الذي كنا نفهمه ، ولاذرة غير قابلة للتجزئة ، إذ فى كل ثانية تمر تطرد جسمات الراديوم ملايين من ذرات الهيليوم بقوة كبيرة . على ان بقايا هذا الانفجار هى ذرات غازية تتحول هي ايضا إلى جسم إشعامي آخر ، ثم يتحول هذا من جديد ، وهكذا سلسلة من الاعضاء كل عضو فى اسرة سلالة ابائه الذين محولوا إليه . فالبولونيوم من سلالة الراد يوم ، والراديوم من سلالة الايرانيوم ، وهذه الاجسام التى تتكون فى وكل لحظة تنعدم من جديد وفق قانون ازلى ، وهكذا فى المادة ١٠٦٥
الصماء التى كنا نعتقد جمودها نجد عالما حافلا بالواليد والوفيات والحوادث والاصطداات . فيه صورة للحياة وفيه طريق الموت هذه الحقائق الاولى التى كانت نتيجة لاكتشاف الرادوم عظيمة إلى اقصى درجات العظم ، فهى تضم فلسفة جديدة وتفكيرا جديدا وعلما يختلف عن كل ما تقدمه ، ونتائج تقلب ما ألفناه ، حتى كان على الفلاسفة ان يبدأوا فلسفتهم من جديد ، وعلى الطبيعي أن يعيدوا في ضوء هذه الحقائق بناء العلم الحديث
ولا يمكن فى مقال واحد أن نستعرض الانقلاب الذي حدث من جراء اكتشاف الراديوم فى التفكير الطبى أو فى الناحية الرياضية او الجيولوجية . لقد كان له فى هذه العلوم اثر كبير ، وكان له فى الناحية الطبية معجزة اخيرة فان الراديوم يلعب دورا فى سعادة الانسان . وعلى حد تعبير ايف كبرى Eve في كتابها عن والدنها : " قد يخالف الرادوم مع البشر ضد مرض خبيث هو السرطان "
وقد ذكرت فى المحاضرة التى ألقيتها فى كلية العلوم مساء الاربعاء ٣٠ نوفمبر بمناسبة الذكرى الأربعينية لاكتشاف النشاط الاشعاعى النتايج الاولى لا كتشاف الراديوم وهي المحاضرة التى بسطنها فى حديث فى نفس المساء من محطة الاذاعة اللاسلكية ، كما ذكرت في المحاضرة الى ألقيتها فى يوم الأحد ٢٧ نوفمبر سنة ١٩٣٨ فى كلية الطب وهى المحاضرة الرابعة فى اسبوع السرطان النتائج الاولى لفالكوف وجنزل اللذين بينا ما للراد يوم من التأثير الفسيولوجى . كما ذكرت علاقة هذه النتائج بالابحاث التى قام بها بيبير كبرى ) Pierre Currie ) الذي عرض ذراعه
: 1 ١١ ك لفعل الراديوم ، وذكرت دراسته الخاصة بأثر الراديوم فى الحيوان واشتراك أطباء من أعلام الطب مثل بوشار ) Bouchard ) وبالتازار ) Balthazard الأولى فى " تيراب " جديدة سموها كبرى تيراب من اسم مدام كيرى ، كما ن - بأعمال دولوس وبجريه وفيكام وغيرهم ، وهم الذين كانوا اسبق الاطباء إلى استعمال الراديوم بنجاح في الأغراض الطبية " وهكذا لم يصبح الراد يوم موضوعا خاصا بالعلوم البحتة والعلوم
التجريبية فقط بل اصبح مادة لازمة ونافعة ، وهكذا لم ينشأ علم جديد فحسب بل نشأت صناعة جديدة أيضا
- ? ولنبدأ الآن في سرد الوقائع التى ادت إلى اكتشاف الراديوم والنشاط الاشعاعي بعد ان اكتشف رئتجن اشعة × . عرض هيرى بواك الرياضى الفرنسي المعروف بتكهناته العديدة فى جلسة بالمجمع العلمي الفرنسي أول لوح فوتوغرافي اخذ بهذه الاشعة وفكر مع بكارل ) أBequere اشعة أخرى غير الأشعة السينية ) × ( من نوعها يكون مصدرها الأجسام الفلورية أى أFlorocl تعرضها للضوء
٠ س . فامتحن هنرى بكارل أملاح بعض المعادن النادرة " الايران " وبدل أن يقع على الظاهرة التى يتوقعها مع زميله بوانكاريه وجد ظاهرة أخرى تختلف عن الأولى كل الاختلاف . ذلك أن ملح الايرانيوم تنبعث منه دون تأثير سابق للضوء أشعة طبيعتها غير معروفة . ومما يجدر بالذكر ان يجارب بكارل كانت تنحصر فى أن يعرض الابرانيوم لضوء الشمس ثم يضعه على اللوح الفوتغرافي ليرى أثر الاشعاع الذي اكتسبه من الشمس ، وقد حدث أن الجو ظل فانما فى باريز بطريق الصدفة ثلاثة أيام متتالية ) يقول سودى ) ١ ( فى كتابه ثلاثة أسابيع ( فى وقت كان قد نسي فيه بكارل قطعة من الابرانيوم على لوح فوتوغرافي مغطى بورقة سوداء رغم عدم تعرض هذه القطعة لضوء الشمس . وقد تأكد بكارل أن هذه الخواص لا تتعلق بتعرض سابق للشمس ، بل إن هذا الاشماع يستمر مهما طالت لمدة التى يحجز فيها قطعة من الايرانيوم في الظلام . وهكذا اكتشف بكارل في الواقع الظاهرة التى أسمنها مدام كبرى فيما بعد بالنشاط الاشعاعي
وكانت ماري سكلود فسكا ) مدام كيرى فيما بعد ( قد انتهت من حصولها على لينس العلوم في السوربون بباريز وشرعت تبحث عن مكان للبحث فى المعامل التى يديرها فى ذلك الرقت
الأستاذ لمان ) Lppman والتي بدبرها اليوم استاذى الكبير كوتون ) Cotton . رئيس المجمع العلى الفرسى ، وكانت تتجه فى ذلك الوقت إلى بحث الأمواج اللاسلكية ، فلم تجد مكانا لها بالمعمل وكانت تطالع النشرات الاخيرة للمجمع العلمى الفرنسي علها مجد مبحثا اخر لا يحتاج للأدوات العديدة التى يحتاجها الموضوع الأول ) الذي كما ذكر " سودى " حضرت فيه درجة استاذ فى العلوم ( وإنه ليسرنى ان اسرد هذه الوقائع في مصر لاول مرة هذا الشهر وهي التى استقيتها من الاستاذ الكبير جيبه اثناء إقامتي الطويلة بالسوربون . وما كان اسعد ) A . Cuillet ) حظ العالم عندما طالت مدام كبرى نشرة بكارل الخاصة بأشعاع الأبرانيوم
لفليب فرانك أستاذ جامعة براج دراسة فلسفية فى مناقشة الأسباب والمسببات وكتاب لاقبنا صعوبة فى دراسته ، ولأميل بورل ) أEmile Bore ( الوزير السابق وأستاذ السوربون دراسة هامة فى موضوع الصدفة والاحتمالات . ولو انهما فى دراستهما للأسباب والمصادف أرادا ان يجدا مثلا أعلى يضربانه لحدوث الصادفة وللصادفة السيدة للعالم ، لاعتبر الساعة التى طالعت فيها مدام كيرى نشرة بكارل من الساعات السميدة للعالم ومن يدري فان مركزنا العلمي اليوم وظيفة فهمنا للأشياء فى العلوم الطبيعية ، فى نظرية الكم وغيرها ، كان يتغير تغييرا كليا ، لو ان كيرى لم تطالع هذه النشرة من نشرات المجمع العلمى
T لقد شغلت أشعة بكارل ذهن مدام كيري : من أين هذا النشاط ؟ وما هي طبيعته ؟ هذا موضوع شائق للبحث . هذه تسلح رسالة تحضرها بعد استاذية العلوم للحصول على دكتوراه الدولة فى العلوم . هذه ارض عذراه للعمل والانتاج ، فاعمال بكارل حديثة لم يتعمق أحد فى كل معامل البحث فى أوربا فيها ، فلا كتب ولا نشرات علة ولا مقدمات غير هذه النشرة الخالدة ليكارل التى محمل سنة ١٨٩٦ مولد الكثير من الاحياء منا
- وهكذا احتوت مدام كيرى حجرة خالية من وسائل التدفئة ليست بالسوربون بل بفناء مدرسة الطبيعة بشارع لومووند ، ولا بهم المنغل بالأبحاث العلمية فى جامعة كبيرة كالسوربون سوى السماح له بمكان يسلم فيه ، وعلى الذين يقصرون عنايتهم على المبانى فينفقون عليها الأموال الطائلة أن يتذكروا ان المبان
ليست كل شئ ، فالجامعات لم تكن يوما اعمدة وصالات ونواقيس وابراج ، إذ من تلك الحجرة المتواضعة خرجت ابحاث الراد بيوم للعالم منتصرة مؤذنة بمصر جديد ، تلك الابحاث الى استحقت عليها مدام كبرى جائزة نوبل مرتين
وقد بدأت أء الها بأن تقيس قوة اشعاع الابرانيوم وتوصلت فى المبدأ لقواعده عامة غاية في الاهمية ، منها ان قوة الاشعاع تتناسب مع كمية الأبرانيوم وأن الأشعاع لا يتأثر بالتفاعل الكيميائى للأيرانيوم ولا بالعوامل الخارجية كالحرارة والضوء
بحدث كثيرا فى العلوم التجريبة الا ظواهر لا يجد تفسيرا فى الميد ويحار الباحث في تعليلها ، ولكنه لا يلبث ان يجد التفسير فى قوانين معروفة وسابقة فينف التجديد في هذه الناحية عند هذا الحد . أما هذه الملاحظات الأولى وغيرها لمدام كبرى فقد كانت على عكس ذلك ، إذ ظهر لها أنها أمام ظوا هز جديدة وان أصل الأشعاع لابد وان يكون خواص جوهرية للذرة نفسها
وقد تساءلت فيما إذا كان هناك أجسام أخرى لها هذه الخاصية من الاشعاع ، فتركت مؤقتا دراسة الأبرانيوم إلى دراسة كل الأجسام الكيميائية المعروفة ، فوجدت أن لمركبات مادة اخرى اسمها " التوريوم " اشعاعا له نفس القوة وهكذا وجدت أن ظاهرة الاشعاع لم تكن خاصة بمادة دون الأخرى ، لذلك ضمتها النشاط الاشعاعي وضمت الأجسام التى لها هذه الخواص عناصر مشعة
في ولقد كانت مدام كيرى متعطشة للعرفة لاقصى حد ، وهي صفة من صفات العلماء ، فبدل ان محصر دراستها في المركبات البسيطة بدأت تفحص جميع العينات التى كان يختارها معها ببير كبرى والموجودة بطريق الصدفة فى مدرسة الطبيعة فتضعها الواحدة بعد الأخرى أمام الالكروسكوب . وقد حصرت مجهودها فى جميع العينات التى يجرى فقط الأيرانيوم أو التوريوم ، وهنا كانت الفاجأة الكبرى والنتيجة غير المتوقعة فقد وجدت ان الاشعاع هذه المرة أقوى بكثير جدا من الأشعاع الذي تسببه نفس الكمية الوجودة من الأيرانيوم أو التوريوم في هذه العينات
وقد اعتقدت مدام كبرى أن هذه المفاجأة قد تكون وليدة خطأ في سير التجارب نفسها ، ومن عادة الباحثين أن يجملوا الشك في العمل اولى داعا من الاعتقاد بالوصول إلى شي جديد ،
ولكن كبرى اعادت هذه التجارب عشرات المرات دون أن يتغير الموقف ، ولم يكن للعالمة سوى مخرج واحد وتفسير واحد هو ضرورة احتواء هذه المعادن على مادة اكثر اشعا من الايرانيوم والنرريم . ولكن ما هى هذه المادة يا ترى ، ومحن نعلم ان مدام كبرى كانت قد قامت بتحليل كل العناصر الكيميائية ؟
لقد أجابت مدام كيري على هذا السؤال بشئ من الثقة بالنفس ، إجابة هي طابع كبار العلماء ، فوضعت فرضا جديدا ورايا جريئا ، هو ان هذه المادة عنصر جديد غير العناصر التى نعرفها ورجحت وجود عنصر بن لا عنصر واحد
هداف اكتشفت مدام كيري وقربها عنصرى البولونيوم نسبة إلى بولونيا موطنها الاسلي ، تم الراديوم الذى يزيد إشعاعه على مليون مرة بالنسبة لاشعاع الابرانيوم الذي كشفه بكارل ، وهكذا نمت الخطوات الخمس من اكتشاف الراديوم والنشاط الاشعاع
الحطرة الأولى : اكتشاف أشعة * وملاحظة بوانكاره ويكار
الخطوة الثانية : النشرة التى وقعها بكارل ستة ١٨٩٦ عن اكتشاف خواص الابرانيوم
الخطوة الثالثة : النشرة التى وقعتها كبرى بمفردها عن - اكتشاف خواص التوريوم
١٠١-٤١٠ الخطوة الرابعة : اكتشافها مع قرينها البولونيوم ، على اثر ملاحظها الشخصية عن زيادة الاشعام فى مركبات محوى مواد مشعة اشعاعا ضعيفا
الخطوة الخامسة : ١ اكتشافها مع بيبر كبرى وبمونmon الراديوم وإذا ألقينا نظرة على ما نشر بعد اكتشاف بكارل ثبت لنا بلاجدل أن الدور الهام بين الثلاثة الذين تكاتفوا في الأيام الأولى لاكتشاف الراديوم كان لمدام كبرى ) ماري سكلودفسكا فى ذلك الوقت ( ولعل أعظم هذه الأيام ذلك اليوم التاريخي الذي دخلت فيه ماري معمل ليمان بالسوربون لتكتب نشرتها الخالدة للمجمع العلمي الفرنسي المؤرخة ١٢ إبريل ١٨٩٨١٠ ، والتي بينت فيها زيادة الأشعاع فى مادة بها ابرانيوم عن الأبرانيوم نفسه والتى استنتجت فيها العناصر الجديدة ولقد انحصرت المسألة بعد ذلك في عمل مضن طويل لعزل
هذين العنصر بن البولونيوم والراديوم ، حيث تطالع في النشرات الخاصة بوجودهما اسماء مدام كبرى وبير كبري ويممون ، وحيث نرى كلمة راديوم لأول مرة فى نشرة وقعها الثلاثة معا فى ٢٦ بسمير سنة ١٨٩٨ ، وحيث نعلم انه لتحضير اول دييسجرام من الراد يوم قضت مدام كبرى وققربها اربعة اهوام فى هذه الحجرة الخالية من وسائل التدفئة بل فى هذه السقيفة المجهولة ، وهى الكمية الاولى التى كانت لازمة لتواجه مها علىاء الطبيعة والكيمياء والتي استطاعت ان يحسب بواسطتها الوزن الذرى للمادة الجديدة التى وضعتها فى جدول العناصر ومما يجدر بالذكر انه عند ما قرر الجمع العلمى باستوكهول لم إعطاء جائزة نوبل للطبيعة فى نوفمبر سنة ١٩٠٣ قرر منحها لبكارل ومدام كبرى وبيب كيرى " للكلام بقية ٤
