الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 324الرجوع إلى "الثقافة"

مرثية، المغفور له إسماعيل باشا خديوى مصر

Share

(هذه المرئية من آثار المرحوم مصطفي بك نجيب ، مدير قسم الإدارة بوزارة الداخلية في عهد الخديويين الأسبقين ، وقد قضى حياته في خدمة البيت المالك ، وكان رحمه الله من أعلام الوطنية ، ومن شعراء ذلك العصر وكتابه المعدودين ؛ وتذكر من مؤلفاته " حماة الإسلام " و " أحلام الأحلام " وديوان شعر لم ينتشر .

وقد عثر ابنه الأستاذ سليمان بك نجيب ، مدير دار الأوبرا الملكية علي هذه القصيدة بين مخلفاته . .)

أحزنا ومن عادات طلعتك البشر

وقبرا وكانت تحت أخمصك الزهر

وموتاً وقد أحيى بك الدهر ذكره

بكل جميل ليس يخلقه الذكرُ

طلعت علينا طلعة إثر غيبة

وزرتُ ولكن بعد ما قُضي الأمرُ

فلا النفس نالت حظها من حبيبها

ولا شفيت نفس خليلتها مصر

فبؤسا لايام أساءت صنيعها

أكان لها في طمس عين العلا نذرٌ

وأودت بإسماعيل من كان في الورى

يُغاث به عان وينعش مضطرُ

بمنتخب من ذروة الملك كلما

دجا الخطب لم يكذب لعزمته فجرُ

وكنا زجرنا طائر النعى والأسى

وحم القضا فيه فلم ينفع الزجرُ

قضى ذاكر الأوطان في دار غربةٍ

ولا غرو أن يشتاق للوطن الحرُ

ود لى في فلك حوي المجد والندى

وأودع نفساً حشو أبرادها الفخرُ

فسار يئن الفلك لما نوى به

وصك محياه بأمواجه البحرُ

ومن عجب ان قد غدا سائراً به

ومن فوقه بحر ومن تحته بحر

وأعجب من ذا انه كلما طغى

وتعرض ذكراه يفيض ويزورُ

وفي بر مصر كان اعظم مشهد

لمن مده بالسير وهو به بَرُ

علا فوق أعناق عُدت من جلاله

يفطن بها لولا خشوع الزدى كبرُ

عجبتُ لها أنّى استقلت بحمله

وأثقلها من قبل فائلة الغمر

أرى عارضاً للمجد أقلع مُزلهُ

ومنهل جود غاض وانقطع الخير

فلم ادر مذ ابصرتُ مشهد رزنه

أيوم لقاء أم فراق هو بالدهر

رمته عيون الناس حتى حسبته

سترمقه الأفلاك والشمس والبدر

وما انساب من تلك المحاجر دمعها

ولكن في منعاء قد بذل الدر

وقد أسمع الناعون فيك صراخهم

ولكن سمع المجد قد عاقه أمرُ

طواء الردى على الرداء ولم تزل

فواضله العليا يضوع لها نشرُ

فيا نفس كفى ما استطعت من الأسى

فمن بذل المجهود حق له العذر

دعيني أسجل بعض ما أنا حافظ

وإن كانت الأفعال من دونها الحصرُ

وإن كنت لا أحصى الرثاء أبا الفدا

فبالفضل والإحسان قد شهد الفطرُ

سعيت لأمر قد خلقت لمثله

ومن جندك الأيام والفوز والنصر

بنفس لها في كل مجد ليانة

وعزم له في كل محمدة سيرُ

وسعد قد احتاط البلاد واهلها

وللدهر فيه من نوائبه ظفرُ

فأبدعت في تنظيمها فبعثها

بخلق جديد ، حبذا البعث والنشرُ

أقمت على الخضراء حُسن نبائها

وكان على الغيراء منظرها نكرُ

طعنت صدور الليل فيها بأسمر

من الغار فابيضت جوانبه السمر

وأنشأت فيها لجة الماء فارتوت

وكل امرئ أضحي وفي داره بحرُ

وشيّدت فيها كل قصر بطوله

يجوز لمفروض الصلاة به قصر

وأشبهتها بالغرب شكلا ومنظراً

فشككت مَن أمسي له فيهما خيرُ

فكنت الذي عرفها طرق العلا

ومن يمنك المحمود مد لها جسرُ

وألبسها النعمى التي جل قدرها

بحيث طريق الفعل مسلكه وعرُ

فتحت لها الأقطار شرقاً ومغربا

وذل لها في عزك السودُ والحمرُ

وأنزلت من بأس الحديد بأرضها

طرائق لذت فيه للسَفر السفرُ

فقربت في الآن اليسير مسافة

لإصباحها شهر وإمسائها شهرُ

فكنت سليمان الزمان حكيمه

وإن كان لا يلتام بينكما الأمرُ

ونفّستَ عن أرواح قوم تدرعوا

من الليل أقطاع السري وهم كثر

على أحرف مثل الهلال ضوامر

ضوائل أضنتها الهواجر والقفرُ

يجوبون شُعثا كل بيداء سملقً

معالها من طول مادرست غيرُ

وأتبعتها كيما يتم صلاحها بكهربة يغتال ناظرها البهرُ

جرت في سلوك ركبت في قوائم

صلاب على الأيام طاب لها بحرُ

تسابق لمح الفكر وحيا كأنما

لأنباء علم الغيب في سيرها سرُ

فما الدر في الأسلاك أحسن قيمة

من اللفظ بالأسلاك بالبشر يفتر

تواصل فيها عالم الروح واستوى

لديها محيط الأرض والليل والشبر

وهذبت من علم الفلاحة ما قسا

فأصبح من أدنى مراتبه اليسرُ

فدبرت أمر النيل حتى إذا وفا

يكون به من يُمن طلعتك الجسيرُ

مددت إليه في البلاد جداولا

ومن فضل لطف قد الله ذهب العسرُ

ومجموعة الأسفار والفضل ظاهر

بأرجائها والسلم فينان مُخضر

تناقلت الركبان حسن حديثها

ولما رأتها صدق الخير الخير

جمعت لها ما كان يفنى ببيعه

وقد نجح المسعي وقد ربح التجرُ

نظرت إلي الآثار نظرة عارف

يقل على أمثالها الحمد والشكرُ

فأوجدت منها فائتاً أى فائت

وأنشرت ملكا ضم اشلاءه القبر

وشدت لها باب المعارف فارتقت

إلي حيث يرقى فى معارجه النسر

وأم بنوها الغرب للعلم فاقتفوا

سبيل العلا فيه وكان لك الأجر

وعادوا بدوراً الزمان وأنجماً

وكان لهم في ملكها النهى والأمرُ

غرست لنا غرساً جنينا ثماره

ولولاك ما كان الغراس ولا البذر

جلبت إلينا العز من مستقره

وأصبحت لا يثنيك بحر ولا بر

شديد على الايام أعقاب وطئه

وليث عرين بعض أوصافه القهرُ

ترجيه إحساناً وت خشاه صولة

فتلقاء جباراً ومنه لنا جبر

نكف به الأيام عن علوائها

إذا رايناً منها التعسف والنكر

خلائق لا يوجدن في كل مالك

ولكنها فيمن له في العلا وفر

ومن انكرت عيناه ما فيه أصبحت

ففي لبه ضعف وفي سمعه وقر

وهل يجحد الشمس المنيرة ضوءها

جحود يظن النور بستره الكفر

وقد مضت الأيام لم يفن خيرها

مواهب لا قل رجاها ولا نزر

فلو نطقت دار يمدح أميرها

على خيره قامت بمدحكم مصر

إذا خانك المقدور فيما أتيته

فما خانك الرأي المسدد والذكر

أتتك حروب الدهر من حيث تثقى

وبعض وجوه النفع يتبعها الضر

أمولاي غاضت فكرتي وتبلدت

طباعي ، فلا نثر يطيع ولا شعر

لبست ثياب الصبر فيك خليقة

فبعد ابنك المحبوب قد هلك الصبر

لي الله من عان أناخت بقلبه

هموم لها في كل جائحة جمر

إذا اغتالها صبر تعود كأنها

هلال تبدي كلما اغتاله الشهر

أسائل عن أيامكم أين أصبحت

فيصرع إن فكرت في أمرها الفكر

أري كل حي مزعجاً في حياته

بسيف الردي يوما وإن بسط العمر

جزاك الذي أسمى مقامك رحمة

يرجى حياها كلما أخلف القطر

ومد من المادي كل مفاضة

تدافع في أعطافها اللجج الخضر

وأسكنك الجنات بيتا مخلداً

تجاوركم فيها المحجلة الغرُ

اشترك في نشرتنا البريدية