قال الكاتب الجليل الأستاذ (الجاحظ) في تعقيباته البليغة على أحداث الأدب أن المجمع اللغوي لم يصب في اختيار موضوعي المسابقة الأدبية للعام المقبل. وهما (الحياة الأدبية في المدينة في عهد الأمويين، وكتابة بحث عن مهيار الديلمي) لأن هناك من الموضوعات القيمة ما هو أولى أن يكون ميداناً للمسابقة.
والأستاذ الجاحظ على حق في هذا القول. غير أني كنت أؤثر أن لا يجيز مع المجمع اختيار موضوع بعينه للمسابقة، اياً كان شأنه. فإن في تحديد الموضوع حجراً على حرية الكتاب في تخير الموضوعات التي يحسنون الكتابة فيها.وهذا الحجر يجعل المسابقة امتحاناً مدرسياً تختبر به معلومات التلامذة من طريق المقاطرة (الجاشني) لا كشفاً أدبياً عن مدى ما وصل إليه الكتاب في نواحي النبوغ المختلفة، حيث تتعدد وجوه الفائدة بتعدد وجوه البحث.
وإلا فأيهما أنفع للمجتمع، مائة كتاب تكتب في غرض واحد، أو مائة كتاب في مائة غرض من أغراض الأدب؟ لا شك في أن تحرر الكاتب في اختيار موضوعاته أضمن لأجادة الكتابة فيها. فلو أن كتاباً ككتاب (الله) مثلاً - وهو ما هو بين الكتب - اقترح موضوعه على مؤلفه الأستاذ (العقاد) - وهو من هو بين الكتاب - لما وصل به العقاد إلى هذه الغاية التي ليس بعدها غاية. وقس على ذلك سائر الكتب التي كتبها كاتبوها مختارين فوصلوا بها إلى حد التفوق بل إني لا أجد المثل في نفسي وفي نفس المجمع اللغوي. فقد تفضل المجمع فمنح ديواني جائزة الشعر الأولى في هذا العام، وتفضل الأستاذ الجاحظ فعقب على هذه الجائزة بما أنا مدين له بالشكر عليه ولكني أشك كل الشك في إني كنت أظفر بهذه الجائزة لو أن المسابقة كانت قصيدة واحدة اقترح المجمع موضوعها على المتسابقين.
فقد يكون الموضوع غير حبيب إلى نفسه، فلا يسلس فيه شعري ولا يتفوق. فليت المجمع الموقر يطلق الكتابة في المسابقة من قيد الموضوع كما أطلق الشعر. ثم يستعرض كتب العام، والخمسة الأعوام فما رآه منها بالغاً حد التفوق أجاز كاتبه أو توجه مشكوراً
