الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 1024الرجوع إلى "الرسالة"

مسرحية (ست البنات)

Share

تأليف : الأستاذ أمين يوسف غراب .    إخراج : الأستاذ حمدى غيث تمثيل : فرقة . المسرح المصرى الحديث

بدا التنافس يشتد بين المؤلفين وبين الفرق المسرحية عندنا على تقديم المسرحيات الهزلية ( الكوميدية ) حتى أوشكت أن تستغرق المسرح المصرى كله . ومرد ذلك - من غير شك - إلى أن هذه المسرحيات قريبة من أهواء الجماهير , محببة إلى نفوسهم , وإلى أنها تجلب من ( الإيراد ) ما لا تجلبه سواها من المسرحيات !

ولست أدري ما الذى يهدف إليه الكثيرون من مؤلفى هذه المسرحيات ؟ اللهم إن كان كل ما بهدفون إليه هو الضحاك الجماهير - دون نظر إلى أى باعتبار آخر - فليس عليهم من بأس إذا هم تركوا المسرحية وا كتفوا ( بالنكتة ) الشعبية , او ( الفافية ) البلدية , أو هز البطون وتلعيب الحواجب وإخراج اللسان وما إلى ذلك , فإن فى هذا غناء لهم أى غناء , ومتسعا لهم أى متسع !

أما إذا كانوا يهدفون إلى الإضحاك عن طريق ( المسرحية ) ،إن لزاما عليهم أن يراعوا قواعد هذه المسرحية , وأن يدرسوا أصولها ، وأن يجعلوها غرضهم الأول بحيث يكون الضحك منبعثا عنها , متشمما من داخلها , لا منصبا عليها انصبابا من الخارج فى افتعال وإقحام ؛ ليستمر ضحك الجمهور , وترتفع قهقهته , فيضمن المؤلف والفرقة إزدحام الناس ووفرة الإيراد !

وليست المسرحية التي نعالجها اليوم نموذجا أعلى لهذا اللون من المسرحيات التى يقصد بها إلى الإضحاك وحده وإن

أخذت بالكثير من أسبابها - ولكن هذه الظاهرة واضحة فى مسرحياتنا الهزلية , جنح إليها المؤلفون جنوحا كبيرا حتى جعلوا مقدار نجاحهم يساوى تماما مقدار ما تؤدى إليه مسرحياتهم من إضحاك , دون نظر إلى مقومات المسرحية أو إلى الغرض التهذيبى أو العقلي منها !

ومسرحيتنا اليوم ( ست البنات ) تقوم على قصة شاب يشتغل محاميا تزوج حديثا , ولكنه ظل سادرا فى غيه وضلاله , منصرفا عن بيته وعن مكتبه إلى عشيقاته الكثيرات اللافى اتخذ لهن مسكنا خاصا أنيقا يقضى في معهن السهرات الممتعة والليلات الملاح ! ولكن زوجته - وقد ضاقت بذلك كثيرا - اتخذت صورة خادمة المنزل واتفقت مع وكيل مكتبه - بعد أن بذلت له الوعود المعسولة !- على أن يوافيها بأنبائه جميعا , ويطلعها على حركأته وسكناته , ويفضى إليها بأسراره ومواعيده مع عشيقاته . وأتخذت - من ناحية أخرى - صفة مندوبة جمعية وهمية تسمى ( جمعية الهلال الاخضر ). وجعل وكيل المكتب - وقد سحره جمالها وجمحت به رغبته فى تحقيق وعودها! - يفضي إليها كل يوم بتلك الانباء والمواعيد . وأخذت هي - بصفتها مندوبة جمعية الهلال الأخضر- . تتصل بآباء عشيقاته . وتعمل جاهدة على أن تفسد عليه كل خطة . وأن تأخذ عليه كل سبيل

ثم انتهت إلى أن عرفت مكان مسكنه الخاص ومأوى عشيقاته . ففجأته فيه ذات ليلة . ولكنها لم تجده به . وإنما وجدت صديقا له كان قد استبقاه وطلب إليه القيام بخدمة كبرى ! فقد اجتمع له فى مساء تلك الليلة موعدان مع عشيقتين تريد إحداهما ويأبي الاخرى . ولن يستطيع أن يجمع بينهما فى صعيد واحد ! فطلب إلى صديقه هذا أن ينتظر بالمنزل حتى تحضر هذه ( الأخرى ) فيحاول أن يتخذ معها موقفا مريبا يفجؤهما فيه هذا الزوج فيثور عليها ويطردها من المنزل فيصفو له الجو مع عشيقته التي يهواها !

ولكن الزوجة هى التى حضرت - قبل العشيقة

المرتقبة - فحسبها الصديق تلك العشيقة ورغب فى القيام بالمهمة التي طلبها إليه صديقه . ورغبت هى أيضا - بينها وبين نفسها - فى ذلك لإشعال نار الغيرة فى صدر زوجها . فالتقت الرغبتان . وجاء الزوج فرأى هذا الموقف المريب . فتاب وأناب . واقسم لها بالله العظيم أن يهجر هذا المنزل . وأن يثوب إلى زوجته وإلى عمله مدى الحياة

ذلك هو الخط الرئيسى لمسرحية ( ست البنات )؛ ولست أفهم سببا لإطلاق هذه التسمية على مسرحيتنا هذه إلا ان هذه الكلمة من صميم كلام الشعب . وليس مما يصح فى الاذهان أن يسمى المؤلف إحدى بطلات مسرحيته باسم ( ست البنات ) مثلا , قاصدا إلى ذلك متعمدا إليه . ثم يجعل من هذا الاسم المفتعل اسما للمسرحية كلها دون أن توجد أدنى علاقة بين هذا الاسم وبين موضوع المسرحية . فإن هذا خداع للناس وتضليل لهم يجب أن يناى عنه كرام المؤلفين . وقد أشرت إلى ذلك عند حديثي عن (صندوق الدنيا ) ..

والعجيب فى أمر ( ست البنات ) هذه - وهى زوجة المحامى - أنها ظهرت لنا فى الرواية - أول ما ظهرت - طيبة القلب ساذجة سليمة الفؤاد صابرة مؤمنة تقول بأن ( الست تعيش مرة واحدة وتتجوز مرة واحدة )- وإن كان ذلك يؤذى شعور بعض السيدات ويخالف ما شرع الله! - ونقول بأن ( الدموع فى بيت الزوج أحسن من الضحك فى بيت الأب )... ثم إذ بنا نراها بعد قليل جدا من الزمن . وقد انقلبت امرأة لعوبا خبيثة ما كرة مثل دور الخادمة فى حذق و إتقان . وتلعب بعقل وكيل مكتب زوجها - وهو رجل كهل كثير التجارب - وتغريه بالأمانى المعسولة , وتستدرجه فيفضى لها بكل ما تريده , وتمثل - فى نفس الوقت - دور مندوبة جمعية الهلال الأخضر - وهي جمعية وهمية كما قدمت - وتستمر فى هذا التمثيل طويلا دون تعثر أو إضطراب حتى تحقن ما تريد ! فمن أين جاءها كل هذا

المكر والدهاء على حين فجأة ؟... وعلى العكس منها تماما كان زوجها , فهو - كما بدا من أول الرواية حتى قبيل نهايتها - رجل عابث مستهتر , زير نساء , واسع الحيلة , كثير التجارب فى أمور النساء خاصة , ثم هو محام فوق ذلك كله , وهو قد استشعر التجسس عليه وأحسه وله حتى قال ( كل الناس بيتجسسوا على حتى التليفون!) ... وجل هذا شأنه كيف لا يدرك أن موقف زوجته مع صديقه - فى منزله الخاص - تمثيل منها وصناعة ؟كيف لا يدرك ذلك وهو يعرف أخلاق صديقه , ويعرف أن زوجته لم تلتق به ولم تعرفه إلا منذ لحظة ! ويعرف أن الأمر يقع فى منزله الخاص الذى لم تدخله زوجته إلاهذه المرة , والذى لا تأمن فيه أن يحضر زوجها فى أى وقت لأنها تجهل نظام المنزل ومواعيد حضوره فيه - وهذا فى نظر الزوج طبعا - كيف يجتمع له كل ذلك ثم ينخدع فى هذا الموقف ويؤمن بأنه حقيقة خالصة ؟

ثم لماذا ناب وأناب ؟ أنه قد انكشف أمره ؟ إن ذلك لا يكون سببا فهو يعلم أن أمره مكشوف من زمن بعيد , وأن الناس يتجسسون عليه , وأن التليفون يتجسس عليه أيضا كما قدمنا ! أم لأنه انخدع فظن السوء بصديقه وبزوجته , وذلك أمر لا يعنى من كان على شاكلته , تم هو قد علم بعد لحظة يسيرة بأنه كان تمثيلا من الزوجة وكان خطأ من الصديق كما صرحا له بذلك ! إن الممثل الذى كان يقوم بدور الزوج - وهو الأستاذ صلاح سرحان - قد اختلج واضطرب عندما اراد ان يقوم بهذه التوبة والإصابة فأكبرناه وحمدنا له هذا الأحتلاج والاضطراب ! إنه إحساس منه بحرج الموقف , وشدة المفارقة , والنقلة المفاجئة من الضلال البعيد إلى الهدى والاستقامة !

وكم كان خيرا لو أن المؤلف نأى عن الكلام الذى يمس الناحية الجنسية كقول الخادمة مثلا عن وكيل الكتب الذى طلب أن يكون متقدم أتعابه قبلة ( إذا كان المنيل

بيعمل كده على المقدم !) وكقول المؤلف - متهكما - عن نظام علاقة الزوج بعشيقاته إن ( جلساته تنعقد فى البارات , والحكم على السلم , والتنفيذ هنا فى الشقة !) وغيرها فإن هذا - وإن أضحك البعض كما يقصد إليه المؤلف - فإنه يؤذى شعور البعض الآخر والمسرح للناس جميعا

وكم كان خيرا لو أنه نأى عن الكلام الذى فيه تعريض ببعض الناس او زراية ببعض الطوائف مثل قوله للخادمة (إنها خدامة ولا مدرسة إنشا!) ومثل قوله ( إنها متخرجة من حى زينهم ) ومثل زرايته المستهجنة بالشعراء وإظهاره لأحدهم و هو يخور كالثور قائلا ( عا - عا ) ويدق صدره بيده كالمجنون , ويقبض قبضات من الهواء يضحك لها الناس فيرضى المؤلف ويمتلىء سرورا بضحكهم ! وأرجو ألا تجمع الرغبة فى الإضحاك ببعض المؤلفين إلى هذا الحد . وكم كان خيرا لو قال - نوعا ما - من الاعتماد الكثير على التليفون الذى استمر معه طول الرواية والذى يذكرنا بالمغنى الضعيف الذى يجعل أكبر  اعتماده على ( التخت )!

ولا أدري كيف يشهد الزوج الريبة بين زوجه وصديقه ويؤمن بهما إيمانا تاما , تم يدور الحوار بينهم طويلا , وصديقه ينحيه ويبعده عنها - باعتبار أنها صديقته التى صارت خليلة لصديقه هذا - ويستمر هذا الحوار ربع صاعة دون أن يعلن أنها زوجته ؟ كيف يحتمل الزوج هذا كله ؟ وما الذى عقل لسانه عن إعلان أنها زوجته ؟ بل ما الذى أقعده عن قتله أو قتلها وهو ما يفعله الكثيرون فى مثل هذا الموقف ؟

أما المخرج والممثلون فأشهد أنهم - فى جملتهم - قد أمدوا هذه المسرحية بحياة ليست منها فى شىء، فإنهم قد بذلوا جهودا مشكورا وحملوا مشقة كبيرة , وأخص بالذكر منهم ( احمد الحزيرى ),( نور الدمرداش ) ولكنى أسأل الأستاذ المخرج : كيف - وقد جعل المؤلف فصل

الرواية الاول يمثل نهارا كاملا - لم يعمل فاصلا يوضح به مرور هذا الزمن الطويل , و لم يغير الإضاءة كما تتغير وفى واقع الحياة ؟ وكيف يجعل الخادمة تقابل الضيف الكبير وهي تحمل ( المقشة ) بل تضعها أمامه على المادة وهو أمر غير مألوف فى الحياة ؟ وكيف يظلم مكتب المحامى إظلاما دامسا ويدعه فارغا من كل صوت ومن كل إنسان فترة من الزمن ؟ وكيف يملأ القسمين اللذين انقسم إليهما المسرح - فى الفصل الثاني - بالحركات الكثيرة هنا وهناك فتشغل إحداهما عن الاخرى وتكون سببا فى إضعافها وإمانتها !

وأسأل الأستاذ ( عدلى كاسب ) لماذا يتشبث بمحاكاة ( بشارة واكيم ) فى هيئته وحركاته و كلماته فيذكر الناس ( بشارة ) وينسون ( عدلى )؟ وكيف يمد يده - مغازلا - المندوبة جمعية الهلال الأخضر فى بيتها بمجرد لقائه بها فى منزلها بدون اي مقدمات تشجعه على ذلك ؟ وكيف يطلق العنان لأنفه فيسترسل فى ( التشخير ) مرات عديدة الله إلا إذا كان ذلك لانه رأى الجمهور يستريح لهذا الشخير ويضحك منه ؟ ولماذا يطلق الرصاص على الوكيل- الذى حسبه المحامى - بافتعال واضح وهو يقفز ويضحك ويجرى ؟ ويطلقه فى الهواء دون هدف ؟

وأسأل ( صلاح سرحان ),( سميحة أيوب ) لماذا يطلبان التليفون بإدارة أربعة أرقام لا خمسة كما يجب - وقد تكرر هذا منهما - وهما يعلمان أن التمثيل يجب أن يمثل الحقيقة بحذافيرها وأنه إذا دخله الزيف فقد ائهار من أساسه ؟

وأسأل ( أحمد الجزيرى ) لماذا يخلع الحذاء وبهم بأن يضرب به المحامى وصديق المحامى ثم لا يفعل - دون أن يرده أحد عن هذا الفعل - وهو عمل غير مستحب ؟ ولماذا - وهو يحاول إفهام السيدة أن اسمه دردير أفندى يالدال - يشير بيديه - ممثلا صورة حرف الدال - إشارة تمثل أحد الأعضاء الجنسية فى الإنسان , ليضحك

الناس ، وهو يعلم أن هذا شئ لا يجوز ؟ وكيف يسمح المخرج بهذه الفعلة !

وأسأل ( سميحة أيوب ) كيف تجرى وراء زوجها وهو يفض الخطاب كأنها تستطلع ما فيه مع أنها قرأت صورته كاملة أمامنا - نحن جمهور المشاهدين - منذ لحظة يسيرة مع أنها وقفت خلفه بحيث نراها نحن ولا يراها هو ؟

أرجو أن ينتبه الممثلون إلى أن هذه الدقائق فى أعمالهم ليست دقائق في أعين الجمهور الذى يرقب كل حركاتهم فى يقظة شديدة وانتباه كبير

اشترك في نشرتنا البريدية