اطلعت في العدد الثاني عشر من الثقافة على مقال للأستاذ الفاضل محمد عبد الله عنان ، يذكر فيه أن أحد فضلاء المسلمين في الهند كتب إليه رسالة منها : ( وإنه لمن بواعث الأسف الشديد بالنسبة للمسلمين في جميع الأقطار، أن يكون المسلمون الهنود بالرغم من ضخامة كتلتهم ، قد انحدروا في جميع نواحى النشاط إلى أسفل درك، سواء من الوجهة التهذيبية، أو الاقتصادية ، أو الدينية، أو الاجتماعية والثقافية .... وهم قد أخذوا بنوع خاص ينحرفون عن تقاليدهم الدينية والثقافية ، نظراً لندرة الآداب والتصانيف الإسلامية. وأنه يخشى أن لو تركت هذه الحالة وشأنها ، فان المسلمين الهنود يفقدون عقيدتهم الإسلامية، ولن يمضى طويل حتى تبتلعهم الهندوسية والنصرانية.
ولابد لانقاء هذه المحنة أن توجد آداب وتصانيف وافرة عن الدين الإسلامي ، وعن تاريخ الاسلام وفلسفته وثقافته . ونقص مثل هذه الآداب والتصانيف هو السبب الأساسي لانحلال المسلمين في الهند » .
نشر الأستاذ عنان هذا الكتاب وأسف على ما أصاب مسلمى الهند، ونعى على المصريين جهلهم أمور الهند ، ودعاهم إلى الاهتمام باخوانهم وتزويدهم من العلم بما يحفظ عليهم دينهم . ودعا إلى تأليف كتب بالانكليزية « تعنى بعرض الإسلام من جميع نواحيه الدينية والفلسفية والتاريخية عرضاً مستنيراً محدثاً ، الخ.
وأنا أشارك الأستاذ في الدعوة إلى تعرف أحوال مسلمى الهند والعناية بهم وتوثيق الأواصر بيننا وبينهم ونشر الكتب التي تجلو حقائق الإسلام وتنير تاريخه، ولكنى أبعد أن يكون مسلمو الهند في الحال التي صورتها هذه الرسالة التي تلقاها الأستاذ من صديق هندى . فأنا
أعرف جهاد علماء الهند في الذود عن الإسلام والدعوة إليه ونشرهم الصحف والمجلات والكتب باللغة الأردية والانجليزية ، وأعرف تحمس شعراتهم وكتابهم للاسلام ودأبهم على الإشادة بمحاسنه والإبانة عن فضائله والدعوة إلى الاستمساك به والاعتصام به فيا يحيط بالمسلمين من الفتن والمفاسد .
وأدب المسلمين في الهند أدب إسلامى ، ينزع إلى إعلاء شأن الإسلام ، وتمكينه في نفوس الناشئة ، والاسلام هو القومية والوطنية عندهم .
ولم يكتب في السيرة النبوية وسيرة الصحابة أوسع وأجدى مما كتبه الشيخ شبلى النعماني وصاحبه سليمان الندوى: كتبا في سيرة الرسول ستة مجلدات ضخام، ولم يتركا مرجعاً من كتب التاريخ والحديث إلا نخلاه ، وقد خصا الجزء السادس برد مطاعن خصوم الاسلام .
ولا ننسى شاعر الاسلام محمد إقبال ، الذي وقف علمه الواسع ، وعقله الدراك ، وقلبه الفياض ، لنصرة الاسلام ، وعرضه فى صورته الوضاءة الرائعة ؛ حتى خلق في الهند الإسلامية جيلا مغرما بالاسلام ، فخوراً به ، معجباً بفضائله، ونشيده القومى الذى يعتز به شباب المسلمين في الهند هو نشيد إسلامى أوله : چین و عرب هما را هندوستان همارا
مسلم عین هم ، وطن هی سارا جهان عمارا الصين وأرض العرب لنا ، والهند لنا - نحن المسلمون، العالم كله وطننا ) .
وإذا نظرنا إلى ما كتبه المسلمون عن الإسلام باللغات الأوربية فسلمو الهند أوفر المسلمين نصيباً منه. ومن هذا كتاب روح الإسلام لسيد أمير على (Esprit of Islam) وكتابه مختصر تاريخ العرب ، وكتب مولانا محمد على وكمال الدين في تاريخ الرسول، وعقائد الإسلام ، وكتب أخرى عدت قراء الانكليزية إلى حقيقة الاسلام ومقاصده .
(البقية على الصفحة التالية )
والخلاصة أن مسلمى الهند لم يقصروا في الكتابة عن دينهم ، والدفاع عنه ، وتقريبه لناشئة هذا العصر ومفاخرة الأمم به وبتاريخه
ولست ، على هذا ، أخالف من يدعو إلى أن يتعرف المصريون مسلمى الهند وغيرهم، ويحكموا الأواصر معهم ، ويبذلوا ما يستطيعون لمعاونتهم وتمكينهم من الثبات بدينهم في زلازل الفتن المحيطة بهم فى بلادهم ، وبالمسلمين عامة فى أقطار الأرض.
ولعل هذه الكلمة تكون فاتحة الكلام عن أحوال مسلمى الهند، وتعرف أحوالهم ، والتوسل إلى إفادتهم ، والاستفادة منهم، لإعلاء شأن الإسلام وتمكين
أخوته بينهم .
