الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 392الرجوع إلى "الثقافة"

مشاكلنا الداخلية، وموقف الحكومة منها

Share

كنا نتمني ألا تقوم فى وجه الحكومة الحاضرة متاعب داخلية تشغلها عن مهمتها الكبرى التى أخذت على عاتقها أداءها ، وهي مفاضة الإنجليز فى إنهاء الاحتلال وتقرير وحدة وادي النيل .

وكنا نتمنى أن تتوفر على هذه المهمة وتكرس لها كل جهودها حتى تفرغ منها ، فتصرف جهودها بعد ذلك لمعالجة الإصلاحات الداخلية التى تفتقر إليها البلاد .

ولكن نشأت متاعب ، منها ما خلفته الحكومة لنفسها بنفسها ، ومنها ما كان نتيجة إلحاح ظروف اقتصادية سيئة وأوضاع خاطئة لا يحتمل الأفراد والجماعات بقاءها بغير علاج .

فمن المتاعب التى خلفتها الوزارة لنفسها - أو إن شئت خلفه فرط حرصها على تحقيق مذهبها فى بعض الاصلاحات الداخلية - أنها جاءت ومشروع ميزانية الدولة معد معروض على البرلمان ، وقد علمت به الهيئات والجماعات وارتضته علاجا لحالها ، فسحبت المشروع لإعادة النظر فيه ، واستغرقت زمنا في تعديله ، فشاعت الشائعات

عن نياتها نحو ما يمس بعض الطوائف منه . واضطرت أن تطمئنهم بأنها ستعالج الأمر معالجة شاملة تحقق العدالة والمساواة . ولو أنها تركت المشروع على الوجه الذى أعد عليه لتفادت كثيرا من المتاعب ولما أخرت البت فى الميزانية بعد مرور عدة شهور من السنة المالية يتعذر معها تنفيذ

كثير من الأمور والمشروعات التى لا يمكن البدء فيها قبل إقرار الميزانية .

وما شكاوى المهندسين والمدرسين إلا نتيجة من نتائج هذا الموقف الذى لم تكن له ضرورة ماسة . وكان فى وسعها بعد أن تنتهى من المفاوضات - إذا مد لها الأجل - أن تبدل وتعدل على أسس جديدة بعد أن تتوفر على درس كل هذه المسائل غير مشغولة البال ولا موزعة الجهد .

ومن الأمور التى نشأت عن الحرب تعطل فريق من العمال الذين كانوا يعملون في مصانع الجيش . وقد كان تعطلهم متوقعا قبل أن يحدث ، وكان الواجب أن يدير أمره بحيث يكون حل المشكلة معدا مهيأ يوضع موضع التنفيذ حين ينتهى عمل هؤلاء مع السلطات الحربية . ولكن المسألة لم تعط العناية الكافية ، فلما حان حينها اضطرت الحكومة لتلمس الحلول الوقتية المرتجلة .

ومما لا شك فيه أن مشكلة المهندسين والمدرسين ليست إلا مشكلة الموظفين جميعا . فهذه الهيئة علي الرغم مما يروق للبعض نعتها بأنها عبء على الدولة يستغرق الجزء الأكبر من الميزانية - هذه الهيئة تعانى كثيرا من الضيق ، وفي الوقت الذى ارتفعت فيه الأسعار خلال الحرب وبعدها إلى أربعة أمثال ما كانت عليه لم تمنح فيه سوى إعانة غلاء ضئيلة لا تعدو في متوسطها ثلث المرتب ، وحرمت من العلاوات ، وقيد الترقى بأشد القيود ، فكانت أشد طوائف الأمة غبنا وحرمانا وكانوا بالقياس إلى غيرهم ممن يعملون خارج دوائر الحكومة أقلهم حظا .

ومشكلتهم الحقيقية تنحصر فى أن الكثرة العاملة المنتجة منهم تحرم حقها الطبيعى فى الأجر الكافى وفى العلاوة الدورية المتصلة وفى الترقى الذى يتناسب مع إخلاصهم وجسدهم ، وأنهم يحملون جيشا من العاطلين الطفيليين يحسب عليهم . وهم ليسوا مسئولين عن استغراقه

جزءا من الميزانية دون أن يقدم مقابل ذلك عملا مكافئا ، بل المسئول هو الأهواء السياسية .

ومشكلة العمال المتعطلين هى مشكلة الفقراء جميعا ممن لا يجدون فى محيط الحياة المصرية العمل الذى يكفيهم أجره لسد حاجتهم فهؤلاء يجب المسارعة لتدبير أعمال جديدة تكفي لتشغيلهم ، والتعجيل فى مشروعات الرى والصرف والطرق ، وإنشاء مصانع حكومية لتموين بعض المصالح ، وإصلاح البائر من الأراضى الزراعية وتوزيعها عليهم مع إقراضهم ما يقيم أودهم ويساعدهم على السير فى حياتهم حتى ينتجوا ما يمكنهم من الاعتماد عليه .

وليس الأمر فى علاج المشكلتين بالذى يلقى عبؤه على الحكومة وحدها . فالأمر يقتضى تشكيل مجلسين قوميين قويين : يختص أحدهما بدرس مشاكل الموظفين وإعادة فحص أعمال الدواوين وحقيقة حاجتها منهم ، ويحدد لكل عمل أجره المناسب لمسئوليته وجهده ، ويرتب قواعد سليمة لتأمين الموظفين وضمان ترقيهم تبعا لمرور الزمن عليهم مع أداء واجبهم على الصورة المرغوبة . ويختص المجلس الثانى بتدبير موارد جديدة وأبواب مستحدثة للعمل تتكفل بشغل الأيدى المتعطلة وتكفل لهم الرزق المناسب .

ويجب أن يزود المجلسان بالسلطة التنفيذية الكافية والمال الكافى وأن يفوضا فى العمل بغير العقبات الشكلية الروتينية .

إن البطء فى معالجة المشاكل يزيدها تعقدا ، والحلول الجزئية شر من إهمال الحل كلية . والحكومات لا يتسع وقتها لمعاجة قوية حاسمة لهاتين المشكلتين ، فليسارع باختيار رجال أكفاء نزهاء أقوياء يمتازون بالحزم والسرعة ، وليوضع الأمران فى أيديهم .                                                     ( ... )

اشترك في نشرتنا البريدية