سماه ياقوت في مقدمته إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب، ولكن أبن خلكان يسميه إرشاد الألباب إلى معرفة الأدباء، ويقول بأنه يقع في أربعة مجلدات كبار.
بقي من هذا الكتاب نسخة من جزئيه الأول والثاني رديئة الخط يرجع تاريخ نسخها إلى القرن السابع عشر حصل عليها من الهند الأرشيديكون بارنس، كبير الشمامسة في بومباي، وبعد موته اشتراها من ورثته المستر و. هـ. جي الوراق وهذا باعها إلى مكتبة بوريل في إكسفورد سنة ١٨٨٢ فوضعها تحت رقم ٧٢٣ وخطوطات بوريل1.
قام بنشر هذين الجزأين المستشرق (دافيد صامويل مرجليوث) بمساعدة إبراهيم اليازجي وقسطاكي الحمصي وجرجي زيدان2، فتم طبع الجزء الأول سنة ١٩٠٧، والجزء الثاني سنة ١٩٠٩ على نفقة تذكار جيب بمطبعة هندية بالقاهرة3 وهذان الجزءان يشتملان على تراجم مشاهير الأدباء من القرن الرابع بعد الهجرة إلى أيام المؤلف أثبت سيرهم على سياق حروف المعجم من حرف الألف إلى حرف الجيم4.
هذا ما صح عندي من تأليف ياقوت؛ وأما باقي أجزاء الكتاب من الثالث حتى السابع التي نشرها مرجليوث فهي دخيلة على ياقوت لم يعمل فيها فكره وهذا ظاهر بين وأول حجة أستطيع أن أتمسك بها هي أن كتاب ياقوت أربعة مجلدات كما ذكر ابن خلكان في وفياته فإذا بطبعة مرجليوث تبلغ سبعة مجلدات، ولقد حرص من تمم الكتاب ونسبه إلى ياقوت أن ينقل من الكتب التي نقلت عن ياقوت ككتاب الوافي بالوفيات وفوات الوفيات وبغية الوعاة وغيرها.
ويسوءني بل ويسوء الأدب أن ينشر الكتاب وينسب إلى ياقوت ثم يعاد طبعه في القاهرة سنة ١٩٣٨ في عشرين جزءاً دون أن يشار إلى أن معظم الكتاب دخيل على ياقوت.
ويجدر بي أن أشير هنا إلى أن ما وجد من كتاب ياقوت ينتهي في الصفحة ٢١٤ من الجزء السابع من طبعة سنة ١٩٣٨ وهي آخر حرف الجيم.
ومن البديهي أن الواضع الذي يرغب في أن ينسب قصيدة إلى شاعر أو مقالة إلى كاتب يعمد إلى فهم روح ذاك الشاعر أو ذاك الكاتب باطلاعه على قصائده وكتاباته، فكيف بمن أراد أن ينسب تأليفاً أو يدخل مصنفاً.
نظر صاحبنا نظرة مقلوبة، وهذه النظرة كانت جميلة عواقبها لتفضح أمره وترجع الحق إلى نصابه. عمد إلى كتب التراجم وشغله النسخ فأعماه عن فهم روح ياقوت أو تتبع أخباره، عمد إلى فوات الوفيات وبغية الوعاة واليتيمة ونسي كتابه معجم البلدان، أو قل أمله تصفح هذا الكتاب الضخم فرغب عنه لزهده فيه، فكان هذا الكتاب خير برهان أزاح الستار عن الخمسة أجزاء الدخيلة.
١ - أما البراهين فكثيرة، ذكر ياقوت في معجم البلدان كثيراً من الكتاب والمؤلفين فقال بأنه ذكر تراجمهم في معجم الأدباء ومن جملتهم عين القضاة عبد الله بن محمد1، وأبو بكر الأدفوي2، وأسعد بن علي النحوي، وابنه محمد النساد3، ولكنا إذا رجعنا إلى معجم الأدباء نراه خلواً من تراجم هؤلاء.
٢ - جاء في أول نسخة خطية قديمة لكتاب الألفاظ الكتابية ترجمة مختصرة لمؤلف الكتاب عبد الرحمن الهمذاني نقلاً عن معجم الأدباء ونرى أن لا أثر في معجم الأدباء لهذه الترجمة ٣ - وأبلغ برهان ساطع ومضحك في الوقت ذاته هو أن ياقوت ذكر في معجم البلدان ج٤ ص ١٢٥ قصيدة لأبي العيناء في ديربا شهرا من رواية الشابشتي ولكنه أردفها بقوله: إن صح - أي شعر أبي العيناء - فهو عندي غريب لأن أبا العيناء قليل
الشعر جداً لم يصح عندي له شيء من الشعر البتة، وفي معجم الأدباء نرى للأبي العيناء تسع قطع من الشعر، ولا يخفى أن ياقوتاً ألف محجم الأدباء قبل تأليفه معجم البلدان، وهذا تناقض لا يمكن أن يصدر عن مثل ياقوت.
٤ - قال ياقوت في مقدمة معجم الأدباء أنه جمع فيه من غلب عليه النثر والتأليف وأما من غلب عليه الشعر ولم يشتهر بكتابة الكتب وتأليفها فقد ذكره في معجم الشعراء، وإننا لنرى خمسة الأجزاء الأخيرة كثيراً من الشعراء والشاعرات الذين لم نعرف عنهم بضع قطع وليس لهم في عالم النثر والتأليف ذكر، وهذا تناقض في الكتاب نفسه.
والآن أستطيع أن أقول للكاتب السيد محمد فهمي عبد اللطيف الذي ركن إلى رأيه المؤرخ ياقوت في كيفية ضبط لفظ لقب (المبرد) في الصفحة ٩١٦ من السنة الخامسة من سني هذه المجلة، أستطيع أن أقول له الآن إنه أجهد نفسه في غير طائل لأن الضبط الذي وجده في كتاب ياقوت لم يجر ياقوت فيه قلمه وإنما نقل إلى الكتاب حديثاً في جملة ما نقل إليه من كتاب بغية الوعاة للسيوطي. (حلب)
