ليس هذا السفر الجليل مما تجوز معه القراءة السريعة والنظرة العجلى، لانه ليس لغوا من القول وحشوا هن الكلام ، بل لابد لك - إن أردت أن تحصل بما فيه شيئاً - من وقفة طويلة يحدوها الصبر الجميل .ذلك لانك بصدد بحث على دقيق . فهو معجم لأسماء الحيوانات بقلم الفريق أمين المعلوف ، ذكر فيه لكل حيوان اسمه العربى و الفرنسى والانجليزي فضلا عن اصطلاحه العلمى. ووصف كل حيوان وصفا أوجز فيه حينا واسهب حينا آخر ، إذا إقتضى الأمر إنجازا أو اسهابا
وليس هذا المعجم وليد اليوم، إنما هو مقالات نشرت فى مجلدات عديدة من المقتطف. بدئ فى نشرها منذ أكثر من عشرين عاما، ولكن الدكتور المؤلف قد توج هذا المجهود العظيم، وأتم على قراء العربية فضله ونعمته، بأن جمعها وبوبها ورتبها فى معجم واحد، فملأ بذلك مكانا شاغراً فى المكتبة العربية
وأحب أن أسوق اليك مثلا لدقته في البحث، ما جاء عن ترجمة كلمتى leopard , tiger فقد كان شائعاً بيننا أن الاولى تطلق على النمر ، والثانية على الفهد ، ولكنه أثبت خطأ هذا التعريب ، وبين أن tiger معناها ببر ، وأن leopard معناها نمر ، أما الفهد فهو ما يقول عنه الانجليز Cheeta ويحسن أن ننقل الى القارئ نص ما جاء بالمعجم فى تهريب كلمة tiger، ليرى المراجع التى استند اليها المؤلف: بير ( فارسية معربة ) tiger. Felis tigris
سبع هندى يعادل الأسد فى عظم الجثة والقوة الا انه اشد منه بطشا. وهو أبيض البطن والجانبين مع صفرة ، و مخطط بخطوط سود
ولابد لي من الإطالة فى الكلام على الببر والنمر والفهد والوشق وعناق الأرض، وذلك لكثرة الخطأ فى ترجمة هذه الألفاظ. فالعرب لم يكن عندهم لفظة يعبرون بها عن هذا الحيوان المسمى tigerعند الإفرنج فاستعملوا اللفظة الفارسية ولم يسموه نمرا ولا النمر الهندي، ولا بأس بتسميته بالأسد الهندي كما جاء فى محيط المحيط فانه أقرب إلى الأسد منه إلى النمر. وقد وردت لفظة الببر كثيراً فى المؤلفات العربية وفي الشعر العربي والمقصود بها هذا الحيوان المخطط المسمى tiger عند الافرنج، فقد جاء فى كتاب عجائب المخلوقات ((الببر حيوان هندي أقوى من الاسد، بينه وبين الأسد معاداة، وإذا قصد الببر النمر فالأسد يعاون النمر)) وقال الدميري فى آخر كلامه عن الببر: ((وذكر فى ربيع الأبرار أن الببر على
صورة الأسد الكبير وهو أبيض يلمع بصفرة وخطوط سود)) وقال الجاحظ: ((الفيل والببر والطاووس والببغاء والدجاج السندي مما خص الله به الهند)) وقال فى محل آخر: ((لأن هذه السباع القوية الشريفة ذوات الرياسة كالأسد والببور والنمور لا تعرض للناس إلا بعد أن تهرم فتعجز عن صيد الوحش)). وهو ما يقوله الأفرنج الآن عن هذه الحيوانات عندما تضرى بأكل لحوم البشر. ثم قال فى محل آخر: ((والببر الهندي مثل الفيل أيضاً والكركدن فلا يقوم له سبع ولا بهيمة، ولا يطمع فيه ولا يروم ذلك منه )). وقد وردت هذه اللفظة فى كتاب كليلة ودمنة ويفهم من سياق القصة انه من الحيوانات المفترسة، فلو كان المقصود به أحد السباع المعروفة عند العرب كالنمر أو الأسد أو الفهد لما تعذر على ابن المقفع استعمال لفظة عربية حتى أتى بكلمة أعجمية. وقد ترجمت هذه اللفظةtiger
فى النسخة الإنجليزية من كتاب كليلة ودمنة وورد ذكرها فى مفردات ابن البيطار فى آخر باب النمر حيث قال: ((والببر سبع كبير)) وترجمت Tigre الفرنسية. وهذه اللفظة مستعملة فى بعض أنحاء الهند فى وقتنا الحاضر لهذا الحيوان بعينه، وكذلك الفرس فانهم استعملوها بهذا المعنى أيضا كما ورد فى شرح جامع التواريخ لكاترمير ، فقد ذكر الشارح كلمة ببر وقال عنها:
Qui designe le veritable tigre royal الخ . الخ .
ولشد ما ادهشنى هذا الخطا الذائع الذى لم يجد قبل الفريق أمين المعلوف من يرده الى صوابه , ولم يقتصر أمر هذا الخطأ على طلاب المدارس والمشتغلين بالترجمة جميعا ، بل تعداه الى أ كبر دائرة فنية فى مصر وهى حدائق الحيوانات، فانا أعلم أن ادارة تلك الحدائق تضع الكلمة العربية " نمر " الى جانب اللفظة الانجليزية tiger تعريبا لها ، وقد أنبانى صديق منذ أيام أنها أدركت أخيرا هذا الخطا فاصلحته منذ أمد قصير
وقد أتيحت للدكتور المعلوف فرصة قل أن تتوفر لغيره ، وهى هذا التجوال فى انحاء السودان وبلاد العرب ، فجمع من الطبيعة نفسها ،ومما سمعه من أفواه الشعوب التي مر بها
من المعلومات مالا يوجد بين دفات الكتب . مثال ذلك كلمة " أصله " التى ورد ذكرها فى أساطير الأولين انها حية وكفى دون أن يعلم لحقيقتها وجود ، فاستطاع أثناء وجوده بالسودان أن يطبق هذا الاسم على مسماه لأنه سمع الأهلين هناك يطلقونه على نوع خاص من الحيات
لست أريد أن أفصل هنا الخلاف الذى قام بين الفريق أمين المعلوف والدكتور محمد شرف، إلا أنني أميل إلى الاعتقاد بأن الدكتور شرف قد استقى مما نشره الدكتور المعلوف شيئا كثيرا دون أن يشير إلى ذلك فى معجمه، وكان خيرا أن ينسب الفضل لذويه
