الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 465الرجوع إلى "الثقافة"

معلومات جديدة، عن ابن قزمان, (٢) رجلان باسم أبى بكر بن قزمان

Share

نشر نيكل النص العربى المجرد لتسع مقطوعات متفاوتة الطول فى مقال بعنوان (( شذرات من حياة ابن قزمان )) ( مجلة (الإسلام) ١٩٣٨ ) ظانا أنها لأبى بكر بن قزمان . وكان روزن ودوزى وسيبولد يعرفون معظم هذه المقطوعات . فأطولها مأخوذ من (( الإحاطة )) لابن الخطيب ؛ والثانية من المجلد الثانى من (( ذخيرة )) ابن بسام ؛ والثالثة من (( قلائد العقيان )) للفتح بن غافان ؛ والرابعة من (( تحفة القديم )) لابن الأبار ؛ وبعد قليل نذكر المقطوعة المأخوذة من (( خريدة القصر )) لعماد الدين الأصفهانى ؛ أما المقطوعات الأخرى فهى إما من الشعر المعرب ، أو أمثلة من نثر ابن قزمان المسجوع .

ولنأخذ الشذرات الأربع الأولى ، وكلها باللغة الإسبانية حسب ترتيبها الزمنى . أما المقتبسة عن ((القلائد)) فتدور حول الوزير أبى بكر بن قزمان . وكان المتوكل عمر ابن محمد آخر خلفاء بنى الأفطس فى بطليوس (١٠٨١/٤٧٣

- ١٠٩٤/٤٨٧) الذى عزله يوسف بن تاشفين ، بعد معركة الزلافة بثمانية أعوام ، كان استكتب ابن قزمان هذا وشغل مناصب عالية فى الدولة قبل أن تسوء به الحال ؛ وفى أواخر حياته اختلف مع ابن حمدين (يحمل هذا الاسم قضاة كثيرون فى قرطبة ) ، وساءت العلاقات بينهما مدة طويلة .

وذكر ابن بسام فى (( الذخيرة )) أبا بكر بن قزمان كاتب الوزير . ورأى أنه أبرز كتاب القرن الخامس فى الأندلس ، وأول من استكتبه المتوكل . ثم أورد له رسالتين طويلتين من النثر المتكلف ، وثلاث مقطوعات من الشعر المعرب ، توجد إحداها فى (( القلائد )) .

ومن الواضح أن هذين المؤلفين يضمان ابن قزمان فى مرتبة الشعراء والكتاب الجيدين فى اللغة العربية . ولا يشيران أية إشارة إلى أزجاله ، كما لا يذكران تاريخ ميلاده أو وفاته ، وإن كان الفتح يعطينا ما يمكن أن نبنى عليه بعض النتائج يربط ابن قزمان بابن حمدين قاضى قرطبة فى أواخر حياته .

أما ابن الأبار فيتكلم عن أزجال ابن قزمان ، ويحدد تاريخه ونسبه تحديدا دقيقا ، فيسميه أبا بكر محمد بن عيسى ابن عبد الملك بن قزمان القرطبى ، كان بارعا فى فن الزجل ،

ومات فى قرطبة عام ١١٥٩/٥٥٤ فى أثناء حصار محمد بن سعد ، أعنى ابن مردنيش لها ، ثم أنى له بخمس مقطوعات من الشعر المعرب غير تلك التى ذكرها الفتح وابن بسام .

وجاء ابن الخطيب بأخبار مطولة عنه عند ذكره لأبى بكر محمد بن عيسى بن عبد الملك بن قزمان الزهرى القرطبى وهو يقسم ترجمته إلى فقر كعادته . فيجعل فى الفقرة الأولى الكلام عن شخصيته ، ، مادحا له مستشهدا بالفتح ( فيختصر أقواله ) وابن عبد الملك المراكشى المؤرخ المغربى ، مؤلف (( كتاب الذيل والتكملة )) . ويصف المراكشى ابن قزمان بأنه كان أديبا بارعا مبرزا فى نظم الزجل . ويأتى بإحدى عشرة مقطوعة من الشعر ذكرها له الفتح وابن بسام ، والخمس التى أوردها ابن الأبار ، ولكنه لم يأت له بزجل ! أما الفقرة الثانية فتقتصر على الكلام عن الكاتب وتشتمل على رسالتين عن ظهور هلال رمضان وشوال . ثم يتكلم عن مجيئه إلى غرناطة ، ليعزز خبرا ورد عنه فى (( الإحاطة )) فى وصف عاصمة الدولة النصرية ؛ وكان ابن قزمان يتردد عليها ليمدح ابن أضحى وابن هانى وابن سعيد وغيرهم من أهل غرناطة . ويذكر مقابلة ابن قزمان فى حديقة ابن سعيد فى الزاوية (الزبية) خارج القرية لنزعون القلاعية وما أصابه من خير بعد هذه المحادثة ، ويقتطف قصة ثانية من (( طالع )) ابن سعيد تروى لنا وقوعه فى بركة ونظمه ثلاثة أبيات من الشعر العرب فى هذه المناسبة . وآخر الأمر يتكلم عن محنته فينقل عبارة (( القلائد )) بنصها . وفى النهاية يحدد وفاته قائلا إنه توفى فى قرطبة ليلة اليوم الأخير من رمضان عام ٥٥٥ ( اليوم الثانى من أكتوبر عام ١١٦٠) (١) أثناء حصار ابن مردنيش المدينة .

ونخلص من هذه التواريخ بما يلى :

كتب ابن قزمان فى بدء حياته للمتوكل ملك بطليوس فى وقت غير معروف لعله قبل دخول المرابطين أسبانيا ، وآخر تاريخ ممكن هو عام ١٠٨٦ ، أعنى عام موقعة الزلافة . ولم يكن ابن قزمان فى ذلك الوقت حدثا ، وإنما كان فى الثلاثين من عمره تقريبا ، ولذلك أرجح أنه ولد فى عام ١٠٥٦ . وعند وفاته فى عام ١١٦٠ كان قد نيف على المائة ، وليس ذلك بالأمر المستحيل ، فقد عمر كثيرون فى العالم الإسلامى . ولكن لم يذكر أحد من مترجميه أنه كان معمرا . أضف إلى ذلك أن مترجميه الأولين لم يذكرا أزجاله التى يدين لها بشهرته ، على حين أشار إليها الآخران إشارة مختصرة ، وإن لم يستشهدا بشىء منها .

وشك نيكل فى هذه الأخبار ، وأخذ يبحث عن أدلته فى الأزجال نفسها ، ففى عام ١٠٦٨ الذى حدثت فيه موقعة الزلافة كان ابن قزمان صبيا فى السادسة أو الثامنة ؛ وإذا افترضنا أن المتوكل استكتبه فى عام ١٠٩٤ ، أى قبل عزله بوقت قصير يكون ذلك فى سن الرابعة عشرة أو السادسة عشرة ؛ ولكن نيكل يرفض كل تلك الفروض . إذا فكيف عرف عمر الشاعر فى عام ١٠٨٦ ؟ وجد نيكل فى الزجل الثامن والثلاثين ، فى القطعة العاشرة التى تشير إلى موقعة الزلافة العبارة التالية : (( فى خص والدى كنت أنا ، لم نر )) المعركة . فهل ((فى خص والدى)) تمنى أنه كان ((طفلا)) ؟ أظن أن معنى الكلمات العربية واضح ، ولا حاجة لتغيير النص لقراءته (( خصى )) بدلا من (( خص )) : فابن قزمان يصرح قائلا : (( أثناء موقعة الزلافة كنت فى منزل أبى ولذلك لم أشاهدها )) . أظن بعد كل هذا أن الشاعر لم يولد قبل عام ١٠٨٧ . فمتى صار وزير المتوكل ؟

نستنبط مما سبق أن مؤلف الأزجال لم يكن كاتبا للمتوكل ، وأن هذا الكاتب كان شخصا آخر يحمل الاسم

الذى يحمله الزجال . فابن قزمان الأول عاش فى القرن الحادى عشر وكتب رسائله وقصائده باللغة الفصحى ، وابن قزمان الثانى الذى ألف الأزجال توفى عام ١١٦٠ . وتكلم الفتح وابن بسام عن الأول ، على حين اشتبه الاسمان على ابن الأبار وابن الخطيب فاختلط عليهما الرجلان ، واعتبراهما رجلا واحدا ، فأثار هذا الاضطراب المصاعب والعراقيل فى طريق المؤرخ .

والعجيب أن دوزن عرف وجود رجلين باسم ابن قزمان منذ أول الأمر ، فحذرنا عند وصفه للمخطوط فى إحدى تعليقاته على نسخة جوتزبرج قائلا : (( لا تخلط بينه وبين أبى بكر بن قزمان وزير أبى ... المتوكل من بنى الأفطس)) . ثم يشير دوزن لابن خافان وابن بسام وعماد الدين الأصفهانى لمعرفة ذلك الرجل . وقد أخرت الكلام عن هذه الملاحظة للآن لأنها تحتوى على الدليل القاطع على وجود رجلين بذلك الاسم . وأورد العماد فى (( خريد القصر )) بعض مزايا أبى بكر بن قزمان الكاتب الوزير الذى (( خدم فى أول عمره المنعوت بالمتوكل فى الغرب )) يتبع ذلك فى مخطوط ليدن عبارة كانت إحدى تعليقات الهامش ثم أدخلت فى المتن ، وهى (( يوجد ابن قزمان آخر كان يكتب الأزجال )) (١) .

وبعد أن عرف دوزن الحقيقة تراجع أمام شخصية دوزى القوية . فقد قال له فى رسالته التى طبعها جوتزبرج :

(( تظن أنه يوجد رجلان باسم ابن قزمان كما قال عماد الدين . ولكنى أعتقد أن هذا غير صحيح فالمشارقة لا يعرفون أدب العرب فى الأندلس إلا معرفة قليلة وخاطئة . كما يخالف عماد الدين فى هذا الرأى كثيرا من علماء أسبانيا ، وإنى أظنك عارفا المثل القائل : (( رب الدار أدرى بما فيها )) . وأعنى بهذا المثل ابن الخطيب الأندلسى . وقد قلت إن مقال ((القلائد)) يتناول وزير المتوكل، ولكن ابن الخطيب يضيف بعد كلامه من الزجال العبارة (( ثم جرت بابن حمدين محنة بسبب شكاسة خلق كان به شقى بسببها ، وقد ذكر الفتح فى (( قلائده ، ذلك )) . نرى مما مضى أن ابن قزمان رجل واحد ، استوزر المتوكل فى بداية الأمر ، ولم يكن لذلك اللقب أهمية كبيرة حينذاك . ثم ساءت حاله بعزل المتوكل ودخول المرابطين الأندلس ، كما ساءت حال جميع الأدباء . ولما عزل من منصبه أصبح شاعرا مستجديا ، يعيش على ما تدره عليه مدائحه نستنبط من ذلك أن لقب الوزير فى مخطوطك صحيح )) .

ولا يستطيع أحد أن ينكر انخداع ابن الخطيب على الرغم من المثل الذى تمثل به دوزى ، ويرجع إيمان دوزى بوجوب اتباعه إلى عدة أمور : (١) لم يطلع على المعلومات التى دونها ابن قزمان عن نفسه فى الزجل الثامن والثلاثين ؛ (٢) لم يمتلك مجموعة التراجم الأسبانية العربية التى كان ينشرها كودرا وربيرا عندئذ . وتكشف دراسة هذه المجموعات سر ابن قزمان .

(له بقية)

اشترك في نشرتنا البريدية