إن الله تعالى جعل أساس الخلقة في مختلف أنواع الحيوان والنبات هو حفظ النوع. ولحفظ النوع يجب أن تتوافر جملة عوامل أهمها المحافظة على الجنين حتى ينمو ويقوى، ومنها إيجاد نسل قوي يصلح لهذه المحافظة وهذا النمو. وهذان العاملان جليان في الحيوان - أما في النبات فيحتاج الأمر إلى بعض الشرح. فخذ مثلاً شجرة النبق تجد أن ثمرتها فاكهة صغيرة داخلها نواة تحتوي على جزأين أحدهما غلاف صلب متين يحتاج في كسره إلى مجهود، والجزء الآخر داخل هذا الغلاف الصلب وهو حبة صغيرة مستديرة هشة ضعيفة تسمى الجنين؛ وهذا الجنين وما يحيط به من غلاف صلب متين يشابه الجنين في بطن أمه في عالم الحيوان؛ لأن الله تعالى خلق حوله هذا الغلاف للمحافظة عليه من يد عابث أو أسنان آكل أو أن تهضمه معدة الطيور إذا ابتلعته لأنه لا يتأثر بعصيرها الهضمي. أما الحكمة في خلق الجزء الفاكهي فهي تبادل المنفعة، فيأكله الآكل هنيئاً ثم تنتفع النواة من هذا الآكل بإلقائها في الأراضي النائية لتنبت فيها، وكذلك الطيور تبتلعها ثم تتبرز النواة سليمة
في جهات نائية لتنبت فيها؛ وهذا سر من أسرار الكون، لأنه إذا سقط كل حب الشجرة تحت غصونها وحول جذعها ولم يفرق بهذه الطريقة الحكيمة هنا وهناك فإنه يتراكم بعضه فوق بعض ويفقد قوة إنباته، وإذا نبت البعض منه فإنه ينبت ضعيفاً إلى حين ثم يموت
ولنفكر فيما يحدث في هذه الثمرة الصغيرة بعد أن تنزع من الشجرة؟ الذي يحدث هو أن يموت بها الجزآن: الفاكهة وغلاف النواة الصلب، ويفقدان الخواص الحيوية كالإنبات والتمثيل الضوئي وامتصاص الغذاء وما إلى ذلك، بدليل أنهما إذا وضعا في الأرض للإنبات بعد تجريدهما من الجنين يصيبهما التعفن. أما الجنين فيبقى حياً وفيه كل معاني الحياة النباتية ولكنه ضعيف ومحاط بغلاف قوي صلب متين؛ فإذا استمر الحال على المنوال استحال الإنبات؛ ولذا شاءت إرادة الله تعالى أن يتشقق هذا الغلاف الصلب من تلقاء نفسه بعد مدة معينة من وضعه في الأرض ليسمح بنمو الجنين إلى خارج النواة. وهذا يفسر ما جاء بالشطر الأول من الآية الشريفة (أي يخرج الجنين الحي من الغلاف الصلب المحيط؛ وهو ميت وذلك بقدرته وإرادته) أما الشطر الثاني فهو مكمل لهذه العملية، لأن هذا النبات بعد أن ينمو الجنين خارج هذا الغلاف الصلب يتخلص منه نهائياً إذ يصبح لا فائدة منه بعد أن قام بمهمته (أي ويخرج الغلاف الصلب الميت من الجنين النابت الحي بدون أن يعيق نموه) وقس على ذلك في عالم النبات على اختلاف أشكاله وأنواعه. والذي يؤيد ذلك ما جاء في نفس السورة وبعد بضع آيات من الآية التي نحن بصددها قوله تعالى: (وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء، فأخرجنا منه خضراً نخرج منه حباً متراكما. . . انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه، إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون) ففي هذه إشارة صريحة إلى الإنبات بعد أن يفلق الحب والنوى ويخرج الحي منها من الميت فيها فينبت الحي بالماء فيينع ويثمر ويأتي من كل الثمرات وهذه قدرة بالغة
أما ما جاء بقول السائل من أن الحي يخرج من الحي فهذا لا علاقة له بهذا الموضوع. والذي أوجد هذا اللبس هو أن المفسرين قد تركوا الشطر الأول من الآية الشريفة وهو (إن الله فالق الحب والنوى) وراحوا يفسرون الجزء الثاني على حدة ويطبقونه على نظريات بعيدة كل البعد عن القصد المطلوب.
أما الذي ينطبق هنا على نظرية العلماء هو الجنين الذي بالحبة فإنه حي ولا يتكون طبعاً إلا من شجرة حية.
