المادية والعقلية وغيرهما من الفلسفات التى تقول لا شئ غير كذا لا شئ غير المكان والزمان والمادة والحركة ولا شئ غير الجنس ولا شئ غير الاقتصاد ولا شئ غير الروح ولا شئ غير الشعور ولا شئ غير علم النفس إن عبارة لا شئ غير كذا كلام ناقه بقدر ما هو صغير تنقصه السماحة كفانا قولا لا شئ غير كذا فلقد حان أن تقول مع شئ من الذوق السليم الفطرى ليس هذا وحده ولكن أيضا كذا وكذا
ها هو الليل من وراء نافذنى بناضل ليصحو وتحلم الحديقة فى ضوء القمر بألوانها الذاهية ويبدو الورد قرمزيا بعد أن كان حالكا فى سواد الليل والأشجار ترنو إلى حاقة الحضرة الحية وحاجز الشرفة الناصع البياض يلمع إزاء السماء بزرقتها الداكنة كل هذا يجعلنى أتساءل هل ترقد الواحة هنا وتمتد الصحراء وراء آخر نخلة ويتموج ضوء القمر منعكسا على جدران المنزل البيضاء والقمر بدر وليس بدرا وحسب ولكنه جميل وليس جميلا وحسب ولكنه
أنهم سقراط بالكفر لأنه قال إن القمر حجر وأنكر التهمة قائلا إن عامة الناس يعرفون أن القمر إله وهو يتفق مع عامة الناس ويبدو قول سقراط معقولا بل علميا ردا علي فلسفة لا شئ غير المادية ويفضل قوله قول لورنس من الوجهة العقلية والعلمية معا وجاء قول لورنس فى كتابه العجيب أوهام اللاشعور الذى يجمع بين المادة السيكولوجية الصادقة والمظهر العلمى المختلق يقول لورنس ليس القمر عالما شديد البرودة مثل عالمنا
ثم يرد كلام فارغ فهو عالم من المادة الفعالة مثل الراديوم والفوسفور تجمد على قطب من الطاقة العظيمة ويعيب قول لورنس أنه قد يرهن على بطلانه فما لا شك فيه أن القمر ليس من الراديوم ولا من الفوسفور القمر حجر وكان لورنس ساخطا على فلاسفة لا شئ غير كذا الذين يؤكدون أن القمر حجر وحسب وله الحق أن يسخط فلقد كان يحس أن القمر شئ آخر ويحس بأهمية القمر البالغة ومعناه العميق إحساسا مبنيا على اليقين التجريبى ولكنه أراد أن يفسر هذه الحقيقة الحدسية تفسيرا علميا تفسيرا يقوم على المادة لا على الروح فمن العبث القول أن القمر من الراديوم وليس من العبث القول أنه من مادة إلهية فليس ما يمنع أن يكون الفمر حجرا وإلها
والحجة على أنه حجر وليس براديوم توجد فى كتب الأطفال العلمية هى حجة مقنعة وملزمة وليست الحجة على ألوهية القمر بأقل إقناعا منها ومن الممكن أن نستخلص هذه الحجة من تجاربنا ومن أقوال الشعراء بل يمكن أن نستخرجها من شذرات مبثوثة فى كتب الفسيولوجيا والطب
ولكن ما ألوهية القمر وما الألوهية كيف تعرف الإله فى لغة علم النفس الإله شئ يثير فينا نوعا من الشعور بسميه الأستاذ أونو الشعور بالقوة الخارقة هذا الشعور هو مادة الإله الأولى ومنها استمد العقل أفراد الآلهة الذين يملأون الأساطير اليونانية وغيرها واستخلص منها صفات الإله وهكذا أحس البشر بالفزع والرهبة أمام الكون الخطر المعجز وجعلهم هذا الإحساس يعتقدون فى وجود
آلهة غضاب ثم آثار فى التفكير فى الآلهة الغضاب الشعور بالفزع والرهبة حتى لو جاءهم الباحث على الفزع من الوجود نفسه الانفعال ثم التعقل ثم الاعمال عملية دائرية متصلة فجاة الإنسانية الدينية تقوم على مبدأ القلق
القمر حجر ولكنه حجر يثير الشعور بالقوة الخارقة فى الإنسان رجلا كان أو امرأة فهناك ضوء القمر الرفيق الناعم الذى يمنحا سلاما يفوق الإدراك وهناك ضوء القمر الذى يثير الخشوع وضوء القمر البارد القاسى الذى يثير فى النفس الشعور بالوحدة والبأس والعزلة والشعور بالتفاهة وعدم الطهارة وهناك ضوء القمر الحالم الحنون الذى يغرى بالحب لاحب فرد وحسب ولكن حب الكون بأجمعه ويلقى القمر شعاعه فى الجسم كما ينفذ شعاعه إلى العقل عن طريق البصر فهو يؤثر فى النفس تأثيرا مباشرا كما انه يؤثر فيها بطرق غامضة غير مباشرة أو دائرية وذلك عن طريق الدم ويحيا نصف الجنس البشرى فى خضوع تام لدورة القمر وهناك من الأدلة ما يؤكد أن الحياة الفسيولوجية ومن ثم الحياة الروحية للرجال والنساء على السواء تقوى وتضعف تبعا لتغيرات القمر فثمة أفراح غير معقولة وأحزان غير مفهومة وضحكات وتأوهات من غير سبب ظاهر هذه الظاهرات الفجائية والأوهام هى نسيج حالاتنا النفسية ومصدر الآلهة والجن وما إليها وهذه الظاهرات مبعثها الدم والأخلاط والدم والأخلاط يخضعان للقمر من بين ما يخضعان له من أشياء فالقمر إذا يؤثر فى النفس تأثيرا مباشرا عن طريق البصر وتأثيرا غير مباشر عن طريق الدم حتى الكلاب والذئاب يبدو أنها تحس على نحو حيوانى مهم بالقوة الخارقة المتعلقة بالقمر إذا حكمنا عليها بنباحها وعوائها فى الليل ولقد وحد بين أرطاميس إلهة كل ما هو وحشى وبين سيلين إلهة القمر فى الأساطير المتأخرة
وإذا نظرنا إلى القمر باعتباره حجرا نجد أن حجريته يكن فيها مبعث الشعور بالقوة الخارقة فهو حجر قديم يخلو من الماء والهواء وصورة لمآل أرضنا عندما تفقد الشمس قوتها بعد عدة ملايين من السنين ولا نستطيع أن نديم التفكير في القمر إلا وتجيش نفوسنا بمشاعر القوة الخارقة وتتدرج هذه المشاعر تحت صنفين معقدين
متضارين يطاق علي الصنف الأول مشاعر التفاهة الإنسانية وعلى الصنف الثانى اسم مشاعر العظمة الإنسانية فإذا تأملت هذا الحجر الغائى يسبح فى الفضاء الواسع تشعر كأنك عشرة أنك وضيع حقير إزاء هذا الجبروت للعجز وتقول مع باسكال سكون هذا الفضاء اللامتناهى يفزعنى وقد تشعر بعكس هذا وتقول مع بول فالبرى سكون هذا الفضاء اللامتناهى لا يغزعنى لأن منظر هذا الجرم الحجرى لا يجمعك تشعر بالضرورة أنك حشرة بل على العكس يجعلك فخورا برجولتك معتزا بها وهناك يسبح ذلك الجرم أقرب رمز للمخاوف الفلكية منا وألفها لنا ولكن الذين اكتشفوا مخاوف المكان والزمان من الفلكيين كانوا بشرا مثلما والكون يتحدى الإنسان على الرغم من تفاهته وحقارته وقد قبل الإنسان هذا التحدى
وينظر إلينا هذا الحجر من اللامتناهى للظلم كأنه يقول تذكروا أن مآلكم الموت ولكن تذكر الموت يشيع فينا كبرياء إنسانية ونشوة هادئة لنا الحق فيها
