الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 668الرجوع إلى "الثقافة"

مع الفكر الأوربى المعاصر

Share

١ - كتابان عن روسيا (١ ) السوفيتيون والشئون العالمية كتاب من تأليف " لويس فيشر "

مؤلف هذا الكتاب صحفى امريكى في الخامسة والخمسين من عمره . وهو المراسل الخاص في أوربا لمجلة " ناشن " الأمريكية منذ عام ١٩٢٢ ، وقد عمل اكثر ما عمل في البلاد الروسية .

ليس من المغالاة أن يوصف هذا الكتاب بأنه الكتاب الذي روعى فيه الجد في القول ، وانه الكتاب الشامل لوصف السياسة السوفيتية الخارجية في العشر السنين الأولى من العهد السوفيتي . وهي تلك الفترة التى كانت فيها مواد مثل هذا الكتاب في غير متناول الأيدي .

وميزة أخرى لهذا الكتاب أنه سجل الحوادث التي يصفها فور وقوعها .

وقد ظهر هذا الكتاب أول مرة عام ١٩٣٠ ، واليوم تظهر طبعته الثانية . والمؤلف يقول في مقدمتها : إن ما جاء في هذا الكتاب إنما هي مدونات تاريخية ، لا تحليل للحوادث التاريخية ، ولكن على الرغم من هذا القول الذي يقوله المؤلف في موقف الاعتذار ، فان الكتاب يقدم للناس صورة واضحة تمشي حوادثها على الأرض . وقد يمكن أن يضاف إلى تلك الصورة لحق أو ألحاق . ولكنه لن

يمكن القص من أطرافها ، أو محو بعض معالمها .

والمؤلف في مقدمة الطبعة الأولى من كتابه يقرر بأنه مدين في تأليف كتابه لأشخاص القادة السياسيين في العهد السوفيتي الأول من " تشيشرين " فنازلا ، فهم الذين أمدوه بمعلومات لم تكن قد أذيعت ، وبوثائق لم تكن قد نشرت من قبل ، وقد راجعوا كل صحائف النسخة المخطوطة أو كادوا .

واليوم وقد مضي أكثر من عشرين سنة على صدور الطبعة الأولى ، واليوم وقد طوى الموت أكثر الأشخاص الذين عنى بآرائهم هذا الكتاب ، فإن المؤلف قد أصبح قادرا على أن يذكر في مقدمة الطبعة الجديدة بيانات أدق وأكثر تفصيلا ، فهو يقول : إن " تشيشيرين " قد قرأ النسخة الخطوطة يوم كان في " ويزبادن " في شهر أغسطس من عام ١٩٢٩ ، وانه أمده يومذاك بتعليقات وإضافات .

وهو يقول إن زيارته عام ١٩٢٨ لراكوفسكي وهو في منفاه كواحد من شيعة " تروتسكى " قد كانت له مصدر استفادة كبرى . وكذلك كان " كاراخان " ( أحد الشيوعيين الروس من الأرمن ، وقد أعدم مع سبعة آخرين عام ١٩٣٧ ) أحد مصادر الأخبار الذين انتفع بأخبارهم .

وقد دون المؤلف في كتابه تفصيلات جديدة لأول مرة في هذه المقدمة الجديدة . فهو يقول : لما أرسل " شيانج كاي شك " إلى موسكو في شهر أغسطس من عام ١٩٢٣

كان يحمل معه خطابا سريا جدا من " صن يات سن " إلى كل من " لنين " و ترونسكى " وتشيشيرين " يطلب إليهم أن يمدوا الصينيين الوطنيين بالأسلحة ، وأن كلية " هوامبوا " الحربية التي أصبح " شيانج" رئيسا لها فيما بعد ، كانت تمدها الحكومة السوفيتية بالمال .

وهو يقول : إنه في نهاية الحرب الأهلية في عام ١٩٢٠ رغب " فرنز " و " وفورد شيلوف " أن يستردا إقليم " بسارابيا " من رومانيا ، ولكن " لنين " بعد استشارته لرا كوفسكي لم يوافق على الاقتراح على اعتبار أنه مشروع خطير العواقب جدا .

وفي العام التالي رغب " تروتسكي " ولينفينوف " في الاعتراف بسيادة رومانيا علي إقليم " بسارايا " فعارضهما في ذلك " تشيشيرين " و " راكوفسكى " .

وهو يقول إنه يوم ضيق اليونانيون الخناق على تركيا في عام ١٩٢٢ طلبت هذه إلى روسيا أن تمد لها يد المعونة فعارض في ذلك " ستالين " وأروجونيكيدز " وآخرون من الرفاق الجورجيين والقوقازيين بحجة أنهم لا يريدون أن تبعث تركيا قوية مرة أخرى ، ولكن " لنين " و " تروتسكى " قد غلبا آراءهما على آراء المعارضين وبعثت الإمدادات من عدة وعتاد ، كما بعث مستشارون حربيون سوفيتيون إلى تركيا ، يشدون أزرها ويأخذون بناصرها .

والمؤلف وقد انتقل من محب للسوفييت يوم كتب هذا الكتاب أول مرة ، إلى عدو للبولشفية لانطاق عداوته لم يعن العناية الواجبة بتبيين الفروق في سياسة السوفييت في عهدهم الأول وعهدهم الحالي ، وهو لا يزال مستعدا أن يسمي العهد السوفيتي الأول الذي يجعل نهايته عام ١٩٢٩ ( وهو اليوم الذي اختتم فيه قصص كتابه ) بعهد " الفرص التي ضاعت " وهو لايزال يميل إلى تعطيلاته الأولى لحوادث ذلك العهد ، وهي أنها حوادث حدثت تحت تأثير رد الفعل الذي له ما يبرره ، وتحت تاثير التدخل العسكري الأجنبي ، وتحت تأثير العداوة العنيفة التي لقيتها روسيا السوفييتية من الدول الأخرى .

ويقول أحد المعلقين : يوم يجيء اليوم الذي يحرق فيه العابد صنمه الذي كان يعبده . ويوم يعبد ما كان يكفر به من قبل ، فلا بد من أن يعرض للمخاطر سؤال يتطلب جوابا وهو : أكان التبدل في الصنم الذي كان يعبد ، أم كان في العابد الذي كان يعبد ! وإلى أى مدى كان ذلك التبدل ؟ .

( ب )  العدالة في روسيا للأستاذ هارولد برمان

يمكن تلخيص هذا الكتاب في جملة واحدة ضمنها المؤلف كتابه وهي :

إن المحاكم في روسيا السوفييتية تقوم بواجباتها كاملة وفي غير انحراف عن جادة العدل والحق ! وذلك إذا لم تكن القضايا المعروضة تمس من قريب أو بعيد مسألة الولاء السياسي.

ويقول المؤلف أيضا : إن الثورة البولشفية كانت ثورة اشتراكية تجمع بين الماركسية والروسية ، وهي يوم نشبت بدا للناس أن تحطيم القانون القائم تحطيما لا هوادة فيه كان كافيا لتيسير التحول إلى نظام جديد من الحرية والمساواة . ولذلك فقد كان حتما أن يخضع القانون للثورة . وإلى أن جاء عام ١٩٣٥ كان رجل مثل الرفيق " فيشنسكى " يستطيع أن يكتب فيقول :

قد يمكن أن تقع ألوان من التصادم ، وصنوف من التباين بين ما تفضى به القوانين وبين ما تقضي به وصايا ثورة " البروليتاريا " ( طبقة الكادحين الذين لا يملكون شيئا والذين يعولون في كسب عيشهم على بيع كدحهم ) . وللفصل في قضايا هذا التصادم يجب أن ينزل القانون على حكم السياسة الحزبية

وهذا القول يبدو غريبا لدى الناس الدين جبارا على احترام ما تقضى به القوانين . ولكن على أولئك المعترضين أن يعرفوا أن الثورة هي مصدر القوانين الجديدة . هذا من ناحية . ومن ناحية اخرى فإن عليهم أن يعرفوا أن القانون الروسي مشتق من التاريخ الروسي .

والثورة الروسية هي - في صميمها - ثورة روسية العناصر . مثلها مثل ثورة " اليوريتان " ( الأصفياء المتزمتون ) التى قاموا بها في انجلترا عام ١٦٤٠ وكانت - في صميمها - ثورة انجليزية العناصر .

ومن ناحية ثالثة فإن القانون السوفيتى يقوم مقام السلطة التى كانت للآباء والمعلمين والأوصياء الذين كان عليهم أن يقوموا على تعليم وتدريب وعلى إرشاد وهداية الذين يخضعون لسلطانهم .

والمؤلف يقول : إن هناك تغييرات قد حدثت في غضون الثلاثين سنة الماضية . ولكن الدولة لم تضعف ولم تهن . بل زادت قوة عن ذي قبل . وكذلك لم تزل الأسرة من

الوجود كوحدة ذات وجود قانوني . بل كان عليها ان تسترد وجودها كاملا .

وكذلك فإن إلغاء النظام الراسمالي ( وإيجاد نظام تأميم وسائل الإنتاج لم يستطيعا أن يقتلا نظام الملكية أو يطيحا بنظام العقود .

وقد كان ( لنين ) يحذر حزبه من شدة " الوباء اليساري " والناس اليوم يرون كيف تعود روسيا تدريجا إلي التزام جادة القانون في أقصى نزعته وإلى صيانة استقلال القضاء . وإلى احترام العقود .

والمؤلف يقول : إن تاريخ القضاء الروسي يقتضينا أن تنظر في التطورات التي حدثت في عهود السوفييت ، محاولين أن نفهمها في ضوء تاريخ السلالات والأجيال ، موقنين أن " ستالين " ليس هو المسيطر علي أقدار روسيا . بل العكس هو الصحيح . فإن روسيا هي المسيطرة على أقدار " ستالين"

وعلى أولئك الذين يجادلون في هذه القضية المنطقية أن يذكروا أن تطور التشريع الروسي قد ظل مقطوع الصلة عن التشريع الغربى من القرن العاشر إلى القرن التاسع عشر ؛ والمعروف أن النظام القيصرى قد بني فوق أطلال حكم التتار المستبد الجائر . وأن نظام الإقطاع الذي عرفه الغرب لم تعرفه روسيا . وكان بديلة عندها وحدة قامت بين الدولة والكنيسة تحت سلطان القياصرة .

وظلت روسيا حتى منتصف القرن التاسع عشر لا تعرف من ألوان التشريع ما يصح مقارنته بالتشريع في الغرب . ولما أدخل في روسيا نظام المحلفين في القضايا الجنائية كان لم يمض على روسيا غير خمسين عاما منذ اتباعها المثل القضائية الغربية . وهي فترة قصيرة جدا لا تكفى لإيجاد نظام قضائي يسير ثابت الخطو علي منهاج نظم القضاء في الغرب بالمعنى الأوفي لهذه الكلمة . ولكن بعض الأسس كانت قد وضعت . ولذلك فليس مستغربا أن الحكومة السوفيتية - بعد أن تخلصت من غمرة " الوباء اليساري " بعد السنين الأولى من معاناتها لحمى ذلك الوباء - لم تستطع أن تتجاهل ما أخذت به الحكومات التي سبقتها من أساليب الغرب . ولذلك فإن القانونين السوفيتيين المدني والجنائي قد تأثرا إلى حد كبير بالميول التقدمية التي جاء بها الفقه الغربي . وإن كانت روسيا السوفييتية قد احتفظت في نظامها القضائي بقدر كبير من مثلها القضائية السابقة على تاريخ الثورة . فقد أبقت على نظام النيابة العامة . وهو نظام مأخوذ عن الفرنسيين .

وقد انتقلت روسيا من نظام عقود الزواج غير المسجلة ونظام الطلاق من جانب واحد . ونظام حرية الإجهاض ، إلى فرض نظام عدم تعدد الزوجات ، وإلى فرض حماية الطفولة . وإلى جعل المحاكم هي المختصة وحدها بالبت في مسائل الطلاق .

ويختتم المؤلف كتابه بقوله : إن الرأي السائد بأن الحكومة السوفيتية هي حكومة بوليسية تديرها عصبة من ثوار محترفين لا تحوط أعمالهم  إلا الرغبة في امتداد سلطانهم . إنما هو من أنصاف الحقائق التي هي أشد خطرا من الحقائق الكاملة . .

٢ - السعوط والمساعط كتاب من تأليف هيوز ماك " كوسلاند "

كان المسعوط والمساعط في بلاد الإنجليز ، لا بل في بلاط ملوكهم شأن أى شأن ، حتى لقد مدحه بأبيات من النظم ، الكاتب " جورج دير " ( وهو رجل من رجال الدين كان ينكر عقيدة التثليث ) وذلك على الرغم من أنه لم يكن ممن يجيدون فرض الشعر .

والناس واجدون دائما من يدفع عن ملذاتهم نقد الناقدين ، وزراية الزارين . ومن أولئك المدافعين " بيرون " و " لام " و" كالفرى " ( وهو شاعر كان يلبس الجد ثوب الهزل ) . وقد كانوا ينظمون الأناشيد في مدح الدخان .

ومن أولئك المدافعين " شسترتون " و "بيللوك " وكثيرون غيرهم وقد كانوا يشيدون بذكر الخمر . ويلحق بهم من شعراء العربية " أبو نواس " بخمرياته التي طغت على ديوانه . ومنها أبياته التي يقول فيها :

هلا استعنت على الهموم      صفراء من جلب الكروم

ووهبت للعيش الحميــ            د بقية العيش القديم

بمجالس فيها المزا                  هر والأوانى كالنجوم

ومن أولئك المدافعين عن نظم الأغنيات التي تستنهض بها الهمم وذلك في الثناء على " الشواء " وملحقاته .

أما السعوط فلم يقل في مدحه القائلون إلا جملا منتثرة هنا وهناك .

واليوم يجئ مؤلف هذا الكتاب فيدرس دراسة وافية موضوع السعوط ، والمساعط ، والمستعطين متتبعا قصة تلك الذرات الحريفة اللاذعة منذ أيام "كولمبس " إلي أيامنا هذه .

وهو يقول : إن واحدا من رهبان الفرنسيسكان واسمه " رومانو يانى " كان أول من رأى الهنود الأمريكيين وهم ينشقون مسحوق الدخان من قصبات جوفاء ، وجاء يقص على قومه أنباء ما شاهد في الدنيا الجديدة .

وانتشر " جنون السعوط" ، في أوربا . وكان أول من أولع به ملكة فرنسا كأرين دي مادشي ( ١٥١٩-١٥٨٩ ) وكانت تنشقه من قصبة جوفاء على طريقة هنود أمريكا .

وقد ظلت انجلترا بمنأى عن السعوط حتى القرن الثامن عشر ، وسرعان ما غزا أنوف الصفوة المختارة من القوم . وسرعان ما أزاح الدخان عن أوجه . وأصبحت له الغلبة .

وجاء بلاط الملكة " آن " ( ١٦٦٥-١٧١٤ ) يعلن تحريم الدخان وتبعه في ذلك العلية من القوم ، كما سارت على سنته النوادي والمقاهي . ويبوت الحلوى .

وكان من صفوة المستعطين رجال الأدب من الكتاب والشعراء نذكر منهم "دريدن" و "اديسون"  و "سويفت" و "سئيل"  و "بوب" و "فيلدنج" و " جولد سمث" و "هو جارت " و "جينز بورو" و " جونسون " و " جاريك " و " لام " و " لي هنت " ومعهم المعجبون بهم من رواد ناديهم .

وكان من عشاق السعوط أيضا الوزير الفرنسي " تاليران " الذي قال يوم زار انجلترا في عام ١٧٩١ : إني لأحسب السعوط شيئا لابد منه للرجل السياسي ، فهو إذ يفتح مسعطه ، وهو إذ يأخذ قبضة منه يكسب وقتا يستطيع أن يفكر فيه في الجواب عن سؤال محرج ، أو يخفى فيه أثر قول ثقيل من أقوال خصمه ومعارضه .

والروائي للؤرخ " سكوت " قد ذر أحمالا من السعوط في ثنايا رواياته .

" وكوبر " الشاعر كان يري أن ذلك المسحوق المعطر ينير الفكر ويلهبه .

وليس كل هذا الثناء بمانع من أن يكون للسعوط قادحون ، فقد كان "الدكتور جون برنتي " - وكان من مشاهير الجراحين - يذمه أبشع الذم .

سئل مرة : هل يضر السعوط بالعقل ؟ فأجاب : هذا لا يمكن ؛ ذلك لأن من كان له عقل فلن يفكر يوما في تناول هذا السعوط . .

وبلغ السعوط ثمة مجده في القرن الثامن عشر . ثم بدأ نجمه في الأفول . وارتقى الدخان مكان الصدارة مرة اخرى على الرغم من أن الملكة شارلوت ( ١٧٤٤-١٨١٨ ) قد بذلك أقصى الجهد لتبقى للسعوط مكانته . فبينما جلالتها - وكانت تسمى شارلوت السعوطية - كانت تأمر بإعداد مقادير من السعوط . كانت حاشيتها الملكية تطلب مزيدا من التبغ وغلايينه .

ولقد بنت الملكة وابنها من بعدها مخزنا خاصا لحفظ السعوط . وكان في سعته كتلك الأقبية والكهوف التي كانت تتخذ لحفظ الخمور . وكان إذا رآه را ء ظن أنه أعد لإمداد الأجيال الآتية . وبلغ من كثرة المقادير التي اختزنت أنه بعد وفاة المالكين لم يكن هناك بد من بيعها . . .

واليوم إذا سأل سائل : ما أمر السعوط ؟ فقد لا يجد المجيب ما يجيب به السائل . ذلك لأن بائع السعوط اليوم قد أصبح نكرة من النكرات . فإذا مشى السائر اليوم في لندن ساعة كاملة فلن يعثر على بائع واحد من بائعيه . وإنما هو واجد عشرات من بائعى الغلايين ومئات من المدخنين . فهل أصبح السعوط شيئا لا يستحب الجهر به ؟ وهل بات المستعطون يجوبون الأزقة المظلمة ليظفروا بنشقة تختلس اختلاسا ؟ كلا ! فلا يزال للسعوط عشاقه وهواته . نجدهم بين أصحاب وظائف خاصة . وبين محترفي حرف بعينها . وهي تلك الوظائف والحرف التي يكون عسيرا على أصحابها أن يدخنوا أثناء ساعات العمل . فأنت واحد بين المستعطين وحاملي المساعط فريقا من الطرزيين . وطائفة من حاكة الثياب . وأنت واجد بينهم لفيفا من قضاه المحاكم وموظفيها . وجماعة من رجال المحاماة .

وكذلك أنت واجدهم بين سائقى السيارات . بل أنت واجدهم في مجلسي العموم واللوردات ، وكذلك أنت ملاقيهم بين التباعين وصقالى الحروف والمشتغلين بدور الصحف ليلا . واتباعا لقانون العرض والطلب يجد السائر في لندن أشهر مكانين يباع فيهما السعوط بالقرب من دور المحاكم .

والؤلف يسمي شارع (( فليت)) في لندن ((الشارع السعوطي))

" المسعط " . وخبط خبطتين فوق غطائه ثم فتحه وقبض كلاهما قبضة صغيرة من مسعط أخبه . ثم نشقها . وهذا التقليد يمكن تفسيره بأنه كقول كلا الرجلين لصاحبه : صباح الخير ! وكيف حالك ؟ أما الخبطتان فهما لكى يهبط من السعوط ما كان عالقا بالغطاء ، حتى لا تضيع ذرة من ذرات ذلك المسحوق الغالي الثمين .

- والمؤلف يقول : ولو أن الاستعاط قد أصبح عادة عند قلة من الناس ، فإن نجمه اليوم في صعود ، حيث يتخذه كثير من الناس بديلا عن الدخان الذي غلا ثمنه غلاء جاوز المدى . وبذلك أصبح بعيدا عن متناول جيوب الكثرة من المدخنين . . .

٣ - باريس ذات السحر

كتاب ضم صورا فوتوغرافية صورها مصور شهير كما ضم كلمات كتبها بخطهم كتاب فرنسيون معاصرون .

في عام ١٩٠٨ جمع كاتب باريسي باقة بائعة جاءت بأزهارها قرائح وأقلام كتاب وشعراء من الإنجليز والفرنسين والألمان والأمريكين ، " وجعل من تلك الباقة كتابا سماه سحر باريس " . أما أولئك الكتاب والشعراء فنذكر منهم على سبيل المثال : " ماتيوار أرنولد" و " لورد بيرون " و " توماس كارليل " " ووليم كوبر " و " شارلس ديكنز " و " إدوارد جيبون " و "لنجفلو " و " ألكسندر بوب " و " سير والتز سكوت " و " ثاكراي " و " وليم وردزورث " من الإنجليز ، ثم " الفونس دوديه " و " الكسندر ديماس " و " تيوفيل جوتيية " و " مدام دى سيفيليه" و" بول فرلين " و " إميل زولا " من الفرنسيين . و " هينريك هيني " من الألمان . و " مارك نوين " من الأمريكان .

وأما الموضوعات التي كتبوا فيها فنذكر منها : " شوارع باريس " . " بعض صورباريسية " . " باريس في بوهيميتها " . " باريس في العصور الخالية " .

ثم جاء شوقي بقصيدته الخالدة التي جعل عنوانها " باريس " والتي قال فيها :

جهد الصبابة ما أكابد فيك      لو كان ما قد ذقته يكفيك

ختام هجراني وفيم تجني         وإلام بي ذل الهوي يغريك

جفناك أيهما الجريء على دمي   يأبى هما من قاتل وشريك

بالسيف والسحر المبين وبالطلا        حملا على وبالقنا المشبوك

زعموك دار خلاعة ومجانة                 ودعارة يا إفك ما زعموك !

إن كنت للشهوات ريا فالعلا              شهواتهن مرويات فيك

واليوم يجيء مصور بارع فيصور أبدع مناظرها وأروعها . ويستكتب الكتاب الفرنسيين المعاصرين كلمات خطتها أيديهم ، ويجعل من ذلك كتابا سماه " باريس ذات السحر " .

* وباريس ماثلة دائما في أعين الناس كافة سواء من رآها أو قرأ عنها ، ولكن يبدو أنه لكثرة العشاق قد تكاثرت الصور فطمس بعضها بعضا ، ومحا بعضها آثار بعض . ولذلك جاء هذا المصور البارع واسمه " إزيس يبدرماناس "فصور بفنه البارع صورا لباريس تنوب مناب المشاهدة .

وقد عمل على أن تكون الصور على هوى باريس ، لا على هوى المصور ، فصور مثلا " حوريات الماء " منقولة عن لوحة في دار " الأوبرا الباريسية " وصور طفلا يرنو بعينيه إلى السماء وهي تمطر . كما صور رجلا بائسا قد جفاه الأهل والولد . وقد وقف على عتبة بيت في أحد الشوارع الجانبية ، كما صور نافذة لإحدي " العليات" وقد فتحت على مصراعيها ليرى الرامون فيها قمم السقوف على اختلاف أشكالها ، كما صور "فوارات ميدان الكونكورد " وقد جرت فيها وفود الماء معجلة ، كما صور شحاذا يتحنن الناس ويستجديهم في قطار "المترو" ، كما صور قطرة في حانوت خمار ، كما صور مجموعة من أقفاص الطيور وقد رصت إلي جانب جدار يريد أن ينقض ، كما صور " برج إيفل " وكنيسة " نوتردام " . و "الساكر كير " كما صور بائع زهور واقفا تحت مظلته المخططة ، كما صور أحد الرجاجيين عمل ألواحا من الزجاج فوق ظهره .

وكلها صور تستحضر في ذهن رائيها صور الحياة اليومية كما تستحضر عظمة المناسبات التي صورت فيها بعض تلك الصور .

ومن الكلمات التي قيلت تعليقا على هذه المجموعة من الصور تذكر ما قاله الشاعر والكاتب والروائي والممثل " جان كوكنو " : -

" إن باريس مجهولة القدر والمكانة ، شأنها شأن كبار الشعراء . وإن بعض الغرباء عنا بجيئونها فيعرفونها ويكشفون لنا عن أسرارها ، ويفسرونها لنا .

اشترك في نشرتنا البريدية