ولد " الهر هانس كاروسا" مؤلف هذا الكتاب عام ١٨٧٨ ، وهو شاعر وثائر وطبيب ألمانى ، له ديوان شعر ، وله مؤلفات منها : "الطفولة" و" الصبا والشباب" وهما يحسبان من كتب الاعترافات.
و"الهر هانس كاروسا" يقول في كتابه الذي سماء "زمن الأوهام الحاوة" : لا يقدر المرء أن يعرف قدر ما مر من تجارب في الحياة إلا بعد توديعه زمن الشبيبة والصبا.
وعلى هذا بعد بلوغ الكبر ريحا وكسبا ، ذلك لأنه يمكننا من أن نحيا حياتنا مرة أخرى ، بل أن نحيا حياة يشبع فيها لون من النشوة ، نشوة الانطلاق والتحرير ، ولكنها نشوة يمازجها إدراك امتن وأعمق وأبعد مدى من الإدراك في زمن الشباب .
والهر "كاروسا" يمسك في كتابه هذا بالخيط الذي القاء من بدء يوم انتهى من تأليف كتابيه الذين يحسبان رفيتين من رق السحر ، وهما : "الطفولة" و "الصبا والشباب" الذين أسلفنا القول عنهما ، واللذين نشرهما في انجلترا منذ عشرين عاما .
المؤلف في كتابه "زمن الأوهام الحلوة" يصف لنا ما مر به في عامه الأول كطالب من طلبة الطب في مدينة "مونيخ" . وكان ذلك يوم كان القرن القاضي يكاد يلفظ آخر أنفاسه ، ويلقي بآخر ورقة من اوراقه .
والوصف الذي أودعه كتابه هو صدى للخبرة والتجربة . وفيه يرى القارئ صورة لشاب يلقي الحياة بوجه يفيض بشاشة ويفيض بشرا ، وفوق ذلك فهو وصف تشيع فيه وحدة السياق والتركيز ؛ ذلك لأنه يشمل مرحلة من المراحل الحاسمة في تاريخ صاحبه ، وهي مرحلة الانتقال من الفتوة إلى الرجولة .
فإذا رجع بك المؤلف إلى ذلك العام رأيت فنمي عليه
أغصان الشباب تميد ، يملأ نفسه الترقب والشوق القلق إلى معرفة الدنيا وما فيها . بل رأيت فتى يبطلب علوم الطب في تلك المدينة من مدن تلك البلاد الزراعية بلاد "بافاريا" بل رأيت فتى ذا عقل من العقول القابلة لم تفسده المفسدات ، وقد بدأ يعرف كيف يفاضل ويقارن بين مختلف الانفعالات والمؤثرات .
وهو يصف نفسه فيقول : كنت أطوف ما أطوف في ذلك العالم السعيد عالم "اليقظة النوعية"، وكنت أعب وأنهل بالكبير وبالصغير من معين الحياة الذي يفيض بالماء الزلال ، والذي كان يخيل إلي أنه معين لا ينضب ماؤه . وكنت أومن الإيمان كله أن كل شئ كائن وكل شئ سيكون لابد محدث في حياتي آثرا من الآثار .
في هذا الإطار العقلي لفي صاحبنا الدنيا لأول مرة ، لقاء ملؤه الحب الذي امتزج بدنيا من الألم والفن ، ولقاء ملؤه الأدب الذي يحاول ان يعبر به عن هذا الحب الممزوج بالألم وبالفن تعبيرا يبقى على الزمن .
وتلك الفترة من الزمن كانت فترة أعد فيها نفسه لحياته ذات الشقين: حياة الطبيب والشاعر ، وفيها توثقت الروابط والصلات بينه وبين القوم الباقار بين الدين أشربت قلوبهم حب الزراعة والأرض ، وفيها تفتحت مداركه ، ففكر فيما يحيط به من أرض وسماء ، وفيما يجري علي مشاهد الطبيعة من تغيير وتبديل.
وفي تلك الفترة درس الكيمياء فعرف كيف يجمع ويوائم بين العناصر الأولى لكل مادة ، فيكون من هذا الجمع مادة جديدة لها خصائص جديدة لا يشاركها فيها غيرها .
وقد كانت دراسة الكيمياء حافزا له وباعثا على قول الشعر الذي وجد فيه منتفسا لآلامه وأماله . وقد ختم المؤلف كتابه بمناجاته لنفسه إذ يقول : إن أغراض الحياة لا تزال غير واضحة للعالم . ولكن الشاب "كاروسا" قد تعلم أن ينظر إلى خبايا نفسه في ثقة تزداد على مر الزمن نموا .
وإذ يقول : إنه الدكتور "كاروسا" هو الذي يمسك بسماعة الطبيب ويسمع إلى دقات قلب "هانس كاروسا" الكاتب والشاعر. وفي سكينة الشيخوخة وهدوئها تحولت ذكريات الشباب الذي نصل لونه . ومضت أيامه إلى صورة بينة الملامح لخاتمة صالحة سوف تبقى ذكرياتها على الزمن
الصحافة في العالم الأنجلوسكسوني مدينة لعام ١٨٤٨ دينا بالغا . فقد بعثت الانقلابات الثورية في ألمانيا بالفتي بوليوس رويتر (١٨١٦ - ١٨٩٩) إلى لندن بطريق باريس . كما كان بين المهاجرين الذين فروا إلي الولايات المتحدة الأمريكية عائلة أوكس الذي كتب على واحد من ابنائها ، هو أدولف أوكس أن يصبح مؤسسا لجريدة نيويورك تبمس . وكان كلا الرجلين رائدا في فنه . ولكن رويتر كان عبقريا مجددا . ونقوم عبقريته على إدراكه لأهمية الأنباء . وهو بعد أن تنفذ في باريس على "شارل هاقاس" صاحب وكالة الأنباء المعروفة باسمه ، أنشأ خطأ تغرافيا بين مدينتى "برلين" و "آشن" في ألمانيا ليمد التجار وأصحاب المصارف المحليين بأخبار التجارة .
ولما انشأت الحكومة الفرنسية خطها التلغرافي الخاص بين "باريس" و"بروكسل" انتهز رويتر هذه الفرصة وسد الثغرة بمده خطأ تلغرافيا في المسافة التي تصل بين مدينة "بروكسل" في بلجيكا وبين مدينة "آشن" في ألمانيا . وهي تبلغ مائة ميل . وبذلك أصبح الخط الذي انشأه حلقة اتصال بين باريس وبرلين .
وكذلك لجأ "رويتر" إلى استعماله بريدا من "حمام الزاجل" فاقتصد سبع ساعات من الوقت الذي كانت تستغرقه قطارات البريد .
ولما أصبحت محطات حمام الزاجل مهددة بالبطالة
وذلك بسبب إنشاء خطوط التلغراف ، عبر "رويتر" خليج المانش وألقي عصا نسياره في لندن عام ١٨٥١ .
وقد اتخذ شعاره منذ اللحظة الأولى لحاوله بتلك العاصمة أن تكون أخباره ميسرة لجميع المشتركين على السواء .
وقد اصر إصرارا لم يحد عنه قط ، وهو إصرار أوحت به عبقريته بأن يذكر اسمه في مفتتح كل برقية من يرقباته . وسرعان ما واتاء النجاح الذي يتمناه ويهدف إليه كل قائم بعمل من الأعمال العامة ، فأصبح الناس في كل مكان يعرفون أن كلمة "رويتر" هي معي من معاني الوثوق .
وقصة هذه الابتداءات ، وقصة نهضة وكالة "رويتر" الأخبارية وتطورها أثناء المائة سنة الماضية حتى أصبحت الوكالة العالية الكبري ، قد قصها في براعة الفنان - "مستر جراهام ستورى" في كتابه الذي سماء "العبد المئوي لرويتر" وهو يحدثنا في هذا الكتاب عن المبادىء التي وضعها البارون رويتر والتي سار عليها خلفاؤه من بعده .
وقد بقيت شهرة "رويتر" على دعائم ثلاث : الدقة ، والأمانة ، والصدق . وكان أشد ما لقيته وكالة "رويتر" الأخبارية من عنت هو ارتفاع أسعار جمع الأنباء . ذلك لأن مثل تلك الوكالة الأخبارية لابد لها من مراسلين ينتشرون في كافة أنحاء العالم . وما استطاعت وكالة من وكالات الأنباء أن تقوم بسداد نفقاتها.
والوكالات المنافسة لوكالة "رويتر" كوكالة "وولف" الألمانية كانت وكالة معانة من حكومتها ، وكانت وكالة هاقاس الفرنسية تستعين على سداد نفقاتها بالإعلانات التي كانت تقوم على نشرها وتوزيعها .
أما "يوليوس رويتر" وولده "هيرت رويتر" فكانا يعتمدان على ما كانا يكسبانه من خدمة تلغرافية خاصة قاما بإنشائها . ومن ارسال حوالات النقود بالتلغراف لقاء أخير .
ومن الوسائل التي استعانا بها أيضا بنك "رويتر" الذي أنشآه والذي كاد يوردي بوكالة الأنباء بسبب إفلاسه يوم نشبت الحرب العظمي .
وفي هذه المرحلة من تاريخ "رويتر" أيدي الشاب "رودريك جونس" براعة وتفوقا لا حد لهما . وكتابه "عمر نقضي في خدمة رويتر" ليس إلا ترجمة ذاتية لحياته .
وهو يقص علينا فيه حكايته هو لا حكاية "رويتر" ولم لا ؟ وقد قضى خمسا وعشرين سنة وهو الآمر الناهي ، وهو الرقيب العتيد في تلك الوكالة ، يتحكم في مصايرها ، ويصبها في الغالب الذي يرضاه.
وقد اختير لبراعته الفائقة في الإدارة والتنظيم ، ولقدرته على محاشاة الناس ومسايرتهم ، خلفا للبارون الثاني من آل "رويتر" . ولكن في كتابه ، وفي كتاب "مستر ستوري" نقصا باديا وهو انهما لم ينبثانا كيف نظمت تلك الإدارة الكبرى ، وكيف كانت لسير ، فأسفانا للحدس والتخمين تستكشف بهما خبايا وأسرار تلك المؤسسة الضخمة .
ويحدثنا "سير جونس" أنه نشأ وتربى في جنوب إفريقيا ثم عمل مراسلا حربيا في حرب البوير . ثم اختير عام ١٩٠٥ - وكان في السابعة والعشرين من عمره - مديرا عاما لوكالة رويتر في تلك البلاد . وهناك لمع اسمه وذاع صيته وأصبح صديقا حميها لسمطس و"يونا" ، ولكنه وقد كان رجلا طموحا ، كان يبدو قليل الصير كلما تقادم عليه العهد ومرت به السنون . وكان يأمل أن يختلف البارون "هربرت رويتر" في رياسته لتلك الوكالة . وكان يظن أن البارون يري فيه خلفه المرتقب . ولكن سنوات عشرا قد انقضت وهو لا يزال يغدو ويروح في جنوب إفريقيا ، إلى أن جاء شهر أبريل من عام ١٩١٥ فباتت وكالة "رويتر" بغير رئيس وذلك لأن البارون كان قد انتحر.
ثم يحدثنا "سير جونس" أنه ظفر بأمنيته في أكتوبر من ذلك العام بعد أن قامت في سبيله الصعاب والعقبات، وبعد أن لقي ما لقي من دس وكيد . وكان يومذاك في السابعة والثلاثين من عمره . وكانت الوكالة على شفا الانهيار . وكان البنك قد أصيب بالنكبات . وكانت أسعار أسهم الوكالة قد هبطت من عشرة جنيهات إلى ثلاثة .
ولكن "سير جونس" كان قد آلى على نفسه أن لا ينحني للكارثة . فأعاد تنظيم الوكالة ، وأعاد لها ثقة الناس بها . ولكن الخوف كان قد ركبه . إذ كان يحسب أنه مادامت أسهم الوكالة بين أيدي الناس في السوق الحرة ، فقد يصبح ذات يوم فيلقى السيطرة على تلك الوكالة وقد
أصبحت في أيدي أناس غرباء . وهو يقص علينا كيف جمع بمعاونة "مارك نابيتر" مبلغا يزيد على نصف مليون من الجنيهات واشتريا به حصص الشركاء ، والمساهمين بسعر أحد عشر جنيها للسهم الواحد .
وقد ظلت عملية الشراء هذه إلى اللحظة الأخيرة "سرا لدي أبوابه أقفال" . فلم يحط بها أحد من أعضاء مجلس الإدارة الآخرين . ولم يكشف هو سر خطته إلا بعد الحرب . يوم اصبح هو اكبر مساهم وشريك . ولم يمض عام واحد حتى سدد المال الذي كان قد اقترضه.
ومنذ عام ١٨٦٩ أصبح من المسلم به أن وكالة من وكالات الأنباء الدولية هي لازمة من ألزم اللوازم لآية دولة من الدول العظمي . ولذلك فقد اقتسمت وكالات "رويتر" و" هافاس"، و"وولف" - بمقتضي انفاقية الوكالات - العالم فيما بينها . فأصبح لكل منها منطقة نفوذه . وكذلك أصبحت كل وكالة من تلكم الوكالات عرضة للتدخل الحكومي
ويقول مستر "سنوري" : إن وكالات الأنباء السياسية والاجتماعية لم تكن يوما من مصادر الإيراد والكسب . وقد عرفت الصحف هذا فعاشت على ما ندر، عليها الإعلانات من ربح وكسب.
ولم يكن أمام أية وكالة من وكالات الأنباء لكي تضمن رزقها إلا طريقان: الأول أن تقبل العون المباشر من حكومتها فتصبح بذلك لسانا ناطقا من ألسنة الحكومة ، والطريق الثاني أن تقوم الوكالة بأعمال أخري وان تعيش على دخل تلك الأعمال .
ومنذ الساعة الأولى كانت وكالة "وولف" تتلقى بطريق خفي إهانة من الحكومة الروسية . ولكن وكالة "رويتر" سارت في طريقها مستقلة . لا تعتمد على معونة من أحد ، على الرغم من اتهامها دائما بأنها وكالة تابعة للحكومة . ولم يكن في هذا الاتهام ما يثير العجب . وذلك لأنها في نهاية القرن الماضي كانت أشبه الأشياء بمعهد من معاهد الحكومة البريطانية . ويزداد هذا الظن رسوخا إذا تذكر المرء أن منطقة نقود وكالة "رويتر" كانت تشمل حوالى نصف بلاد العالم الإمبراطورية البريطانية والهند والشرق الأقصى) وظلت بلاد تلك المنطقة خمسين عاما وهي تتلقى أنباءها
كلها من مصادر بريطانية . فكان من الطبيعي أن ينظر إلي وكالة "رويتر" كأنها وسيلة من وسائل نشر النفوذ البريطاني ؛ ومع هذا فإن نفوذ تلك الوكالة كان لابد له من ان يضعف ضعفا بالغا إذا ظهر بأية صورة من الصور أنها تستند إلى عون مالي من الحكومة .
وفي الحرب العظمي أو في الحرب العالمية الأولى كما يسمونها ، وفيما تلاها من سنوات ، كان على وكالة "رويتر" أن تحارب أعداء ثلاثة هم : دول المحور والاتحاد السوفيتى ، ووكالتى الأنباء المتحدة، والصحافة المتحدة للولايات المتحدة الأمريكية .
وكان على "سير جونس" أن يواجه هذه الصعاب. فلم يريدا من بيع حق الإشراف على وكالة "رويتر" إلى "اتحاد الصحافة"، وذلك في عام ١٩٢٥ . وبقى هو رئيس مجلس إدارة الشركة ، وعضو مجلسها المنتدب .
ومنذ الحرب العالية الثانية ساهم في إدارة "رويتر" والإشراف عليا جماعة أصحاب الصحف الاسترالية، وجماعة أصحاب الصحف النيوزيلاندية، وجماعة أصحاب الصحف الهندية .
ومن يتتبع خطوات وكالة "رويتر" منذ مائة عام يوم كانت وكالة صغيرة متواضعة، يرى أنها قد قطعت في سبيل التقدم شوطا كبيرا ؛ والفضل في ذلك التقدم يرجع بلا شك إلى حنكة مؤسس تلك الوكالة وقدرته الفائقة .
٣ - تاريخ موجز للحرب العالمية الأولى
كتاب من تاليف سير جيمس إدموندز
يقول البريجادير جنرال "إدموندز" إن كتابه هذا قد اختص في الجزء الأكبر من صفحاته بالحرب البرية .
ويرى بعض النقاد انه كان من الأنفع لو احتوى هذا الكتاب على المزيد من حديث الوقائع البحرية . أما عن الحرب الجوية فقد كانت الطائرات أثناء الحرب العالمية الأولى لا تزال تحبو وتتعثر في أولى خطواتها . فلم يكن في شرح وقائعها فائدة ذات شأن .
ومما يشفي نفوس طلاب المدارس البحرية ويظفر بإعجابهم قراءتهم لتلك الصورة البارعة التى صور بها المؤلف معركة
(جنلند) وهي أكبر المعارك البحرية في الحرب العالية الأولى وأهمها .
(وقد نشبت في ٣١ مايو عام ١٩١٦ بين الأسطول الإنجليزي ، وكان يقوده أمير البحار "جليكو"، والأسطول الألماني ، وكان يقوده أمير البحار "شير"، وأغرقت فيها قطعتان من الأسطول البريطاني هما : "انديفا تيجابل" و"كوين ماري". ولكن المعركة انتهت بإنسحاب الأسطول الألماني إلى قواعده ).
والقارئ لهذا الكتاب من المشتغلين بفنون الحرب البرية يجد الوضوح أبين الوضوح في شرح المؤلف للمعارك البرية ، وبخاصة تلك المعارك الصغري كمعارك "مونس" ولمبرج" و"كمبراي" و "فيتور بوفينيتو" وليس هذا بمقفل من شان شرحه للمعارك الكبرى . فإن وصفه لمعركة "الأبر الثالثة" قد كتب بمهارة فائقة .
والكتاب على وجازته لابدانيه كتاب آخر في دقة ما جاء به من شرح وتفصيل .
والخرائط التي وردت في هذا الكتاب يقصر عنها كل مديح .
