ظاهرة طيبة ، ولا ريب ، بدأنا نلحظها أخيراً ، إذ شرح الكتاب يولون وجوههم شطر مصر القديمة ، وعدون أبصارهم إلى تاريخها الغابر ، ينهلون منه أدباً جميلاً وقصصاً بارعة ، وأخذوا يستغلون هذا المنجم الذهبي البكر ، ويفرغون كنوزهم في قوالب تتيح لأهل البلاد وجيرانهم أن يشاركوا الفراعين الأجاد فيها خلفوه من تراث أبقى على الدهر من تراث الذهب والمال .
فأصدرت سمو الأميرة شيوه كار قصة مصرية عنوانها نفررس أس » ، وكتب الأستاذ عبد المنعم محمد عمر أمين دار الكتب مسرحية عنوانها «إيزيس وأوزريس ، كتب الأستاذ عادل كامل قصة ( ملك من شعاع » ، وأخرج الاستاذ على أحمد يا كثير مسرحية ( الفرعون الموعود » فضلا عن أحمس » للأستاذ عبد الحميد جودة السحار وو
وكتاب ( ملك من شعاع » الذي نحن بصدده ، وصعه الأستاذ عادل كامل المحامى واتخذ موضوعه سيرة حياة أخناتون أسبق الناس إلى الاعتراف بوجود إله واحد ينبغي أن يعبده
الجميع ، وأول من بشر بأن الله الذي خلق الكون وأبدع صوغه لا تنظره العين البشرية المجردة ، وإنما يدركه العقل ويؤمن به القلب . وكان أخناتون أول من جرؤ على هدم الأصنام والتماثيل و تحطيم معابدها ، وجاهد ليحمل شعبه القصير النظر على اعتناق دينه والخروج من أفق الملموسات الضيق إلى عالم اللامرئيات الفسيح . كان أخناتون فرعون مصر عبقريا يعيش في عصر لا يؤمن إلا بالحجر والشمس والنجوم ، وكان عليه أن يكافح كفاح الأبطال ليقنع القوم بما يعسر على المثل القاصر إدراكه ، ويعضى على العين رؤيته ، فوفق في هذه المهمة أولا ، ولكن الشعب سرعان ما تألب عليه بإيعاز من كهنة الأصنام وانقلب عليه يطلب دمه ويحكم عليه بالموت ، وينعته بالخيانة وبيع الوطن ، ولكن المنية عاجلت أخناتون فمات حتف أنفه مغضوباً عليه من شعبه الذى أحبه وأخلص في خدمته ، مطمونا في نزاهته من أصدقائه المقربين ، وعلت شفتيه وهو مسجى في الفراش ها مداً بسمة هادئة عذبة إن عبرت عن شيء فإنما تعبر عن راحة قلبية واطمئنان إلى عدالة القضية التي نافح لنصرتها .
وقد أجاد الأستاذ عادل تحليل التطور الفكري لأخناتون وبين الخطوات التي استطاع أن يصل بها إلى الحقيقة التي غايت عن أذهان معاصريه والسالفين. له ، وساق القصة ، وهي موج الفلسفة والأدب والمنطق في أسلوب جميل أخاذ فضلا عن أن المؤلف ضمنها دروساً في السياسة والاجتماع فقال عن الحرب : « إنها العمى والعرج والبتر والكساح : إنها الأرملة فقدت زوجها والأم ثكات ولدها والأخت تبكى أخاها والفتاة تندب حبيبها ... إنها المناحة العظمى تعم أرجاء الوطن ، والشقاء والحزن يخيمان على كل منزل ... إنها المجاعة والذلة والمرض ، حين تخلو الحقول من حارثيها والبيوت من عائليها ، وتنتشر المقاذر والخبائث في كل مكان ... فليست الحرب هي الشرف ، بل هي الغدر والاغتيال والخديعة . أما الوطن فإن من أحبه حقا كره الحرب . فمن يحب وطنه يسته أن يجلب وطن غيره ، كما أن من يحب زوجته لا يرنو إلى زوجة جاره »
إنه كتاب جليل ، ولا غرو ، فقد فاز بالجائزة الممتازة في مسابقة وزارة المعارف . وقد أحسنت لجنة النشر للجامعيين بنشر هذا الكتاب لأنه سد فراغاً طالما استشعرناه .

