كان لأسطول بطليموس الأول - الملقب باليونانية ) سوتر ( وبالمصرية ) نج ( أي المخلص - السيادة البحرية التامة على البحر الأبيض المتوسط ، فتقدمت المدنية التجارية بالإسكندرية تقدما عظيما خاصة طول مدة حكمه كوال ) ٣٢٣-٣٠٥ ق. م ( أو كملك ) ٣٠٥-٢٨٢ ق . م ( وقد بذل جهودا جبارة لضمان تقدم البلاد تجاريا ورفع مستواها أدبيا وعلميا ، فقام بكثير من المشروعات العمرانية الخالدة كبنائه منارة الإسكندرية الشهيرة لهداية السفن علي جزيرة ) فاروس ( عند مدخل الميناء ، وهي تعتبر أول منارة عرفها العالم القديم ، كما أنها أكبر منارة حتى يومنا هذا وهي تعد إحدي عجائب العالم السبع .
وقد جرت عادة بعض المؤرخين إلي نسبة بنائها إلي
الملك بطليموس الثاني الملقب ) فيلادلفوس ( إلا أن الحقيقة العلمية لا تقرهم على هذا الرأي ، فقد ثبت اخيرا ان مشيدها الحقيقي هو بطليموس الأول الذي أسند مهمة الاشراف على بنائها للمهندس ) اليوناني Sostrutus ) الذي نشأ في بلدة ) كنيدوس Cnidos ( إحدي البلاد اليونانية ثم أتيحت له الفرصة فانضم إلي حاشية بطليموس الأول . وقد ظلت هذه المنارة قائمة حتى القرن الرابع عشر الميلادي حيث هدمها زلزال شديد عام ١٣٠٧ م . ومن حسن الحظ أننا نجد وصفا مستفيضا لهذه المنارة في مؤلفات كثيرين من المؤلفين المتقدمين امثال ) سترابون ( و ) بوسيغوس (
و ) ابن الصائغ ( و ) ياقوت ( كما وصلتنا أيضا صورة لهذه المنارة على بعض قطع من العملة الرومانية التي عثر عليها أخيرا . ومن الأوصاف التي وردت في تلك الكتب وعلي بعض قطع النقود نستطيع أن نقول إن هذه المنارة كانت مشيدة في فناء مربع يحيط به سور عظيم من جهاته الأربع وكان خارج هذا السور رصيف يسير عليه الناس . أما المنارة نفسها فكان ارتفاعها مائة متر وتتكون من ثلاث طبقات بعضها فوق بعض ، فكانت السفلي مربعة الأضلاع والوسطى مثمنة ، أما الطبقة العليا فكانت مستديرة ويعلوها تمثال رجل من النحاس يحمل مصباحا .
وقد أطلق على هذه المنارة اسم الجزيرة التي شيدت عليها أعني ) فاروس ( فأصبح هذا اللفظ يدل في اليونانية وكثير من اللغات الهندية الأوربية على معني ) منار ( والذي أصبح في العربية ) فنار ( وفي الفرنسية ) Phare ( وفي الانجليزية ) فاروس Pharos ( .
ويعتبر علم الآثار هذه المنارة أقدم بناء من هذا النوع عرفه العالم ، وان هذا البناء اصبح فيما بعد مثالا يحتذي عند بناء جميع منارات العالم قديما وحديثا بل تحفة فنية من تحف فن العمارة والزخرفة والهندسة التي ترجع إلي ذلك العصر السحيق .
