البحتريُّ يصف (الكامل) وهو قصرٌ بناه المعتز بالله الخليفة العباسي المعروف :
قصدتُ في اختيار هذه المقطوعة إلى ما فيها من فن لفظي رفيع ، لا تلمح فيه أثرًا للتكلف ولا للإسراف ، مع طلاوة في العبارة تكسوها رونقًا وبهجة ، ورقة في النسج وسهولة في الأداء ؛ فالفن اللفظي في هذه المقطوعة غالبٌ على فن التفكير ، وليس فيها معنى يلفت الذهن إليه بطرافته وغرابته ، وفيها غير ما ذكرتُ أنها تريك صورة من الفن العربي ، في تشييد الأبنية الضخمة وما كان يُتخذ في حيطانها وسقوفها من زينة وزخرف ويُغرسُ فيها من بساتين ويُختار لها من مواقع . وهي صورة إن لم تكن كاملة فهي دقيقة في بعض النواحي القليلة التي تعرض الشاعر لوصفها ؛ قال :
لما كملت روية وعزيمة
أعملت رأيك في ابتناء الكامل
ذُعر الحمام وقد ترنم فوقه
من منظر خطر المزلة هائل
رفعت لمخترق الرياح سموكه
وزهت عجائب حسنه المتخايل(١)
وكأن حيطان الزجاج بجوه
لجج يمجن على جنوب سواحل
وكأن تفويف الرخام إذا التقى
تأليفه بالمنظر المتقابل (١)
حُبك الغمام رصفن بين منمر
ومسير ومقارب ومشاكل (٢)
لبست من الذهب الصقيل سقوفه
نورًا يضيءُ على الظلام الحافل
فترى العيون يجلن في ذي رونق
متلهب العالي أنيق السافل
وكأنما نشرت على بستانه
سيراء وشي اليمنة المتواصل (٣)
أغنته دجلة إذ تلاحق فيضها
عن صوب منسحب الرباب الهاطل (٤)
وتنفست فيه الصبا فتعطفت
أشجاره من حُيَّل وحوامل (٥)
(البقية على الصفحة التالية )
مشي العذارى الغيد رُحن عشية
من بين حالية اليدين وعاطل (١)
وافيته والورد في وقن معًا
ونزلت فيه من الربيع النازل
مليته وعمرت في بحبوحة
من دار ملكك ألف حول كامل (٢)
