الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 7الرجوع إلى "الثقافة"

من احسن ما يروى، دراسة واختيار

Share

" المعري " في بغداد يحن إلى وطن معرة النعمان بالشام

وهي من روائع الشعر الذي امتزجت فيه العاطفة بالخيال امتتراجا جعل منهما فنا بديعا من التصوير البارع الذي يجسم للعيان تباريح الحنين ولواعج الذكري .

وإنك لتحس في كل بيت من هذه المقطوعة عينا تفيض بالعبرة وقلبا يخفق باللوعة على الوطن المفارق والمنزل المهجور .

وحسبك ان قلب " المعري " لم يتسع لتلك العاطفة ولم يقو علي احتمال اشواقه ، فحمل منها جزءا غير يسير قلوب المطايا ، حاسبا ان قدرة افئدتها على حمل شوقه وبلباله ، كقدرة ظهورها على حمل رحاله !

ولم يكن " المعري " بدعا من الشعراء في إضافة الحنين إلي المطايا ، والاستراحة من بعض الشوق بإلقائه عليها ، والأفضاء بمكنون الصدر إليها ، فذلك مذهب جري عليه من قبله من الشعراء ، والذي انفرد به " المعري " هو أنه اطال في ذلك ما اتسمت له شاعريته وتخيل من المعاني الرائعة ما اتسع له خياله .

فكان في توليده الهماني وبسطه إياها اشبه بابن الرومي في هذا المذهب ، على ما بينهما من الفروق التي يعتبر أكثرها لغويا .

بدأ " المعري " مقطوعته تلك بتصوير طرب المطايا

للبرق واستشرافها لرؤيته ونزوعها إلي أوطانها حتى تكاد تطير مع ريح الصبا إليها ، ثم تساءل عن بواعث حنينها وما على ان يكون قد ذكرها بمراعيها في أوطانها ومسارحها هناك بين ألفاف الشجر . ثم انتقل إلي صفة أصواتها وما مخالطها من رقة الحنين ، فشبهها بترتيل القراء ، وإنشاد الشعراء ، وإيقاع الغناء . ثم عاد إلي مخاطبة البرق وبثه اشواقه واستجدائه قطرة من ماء بلده ببل بها صداء . ثم خاطب إخوانه وإحباءه واصفا لهم حاله بالعراق وانه على عهدهم به من القناعة والعفة عما في أيدى الناس والاستغناء بما لديه من الفضل والعلم ، على قلة ما في يده من المال وما حوله من الأصدقاء . . الخ .

تلك نبذة يسيرة عن قيمة هذه المقطوعة وعرض مجمل لأغراضها . قال :

طريق لضوء البارق المتعالي

                  ببغداد وهنا ما لهن ومالي (١)

اذا طال عنها سرها لو رءوسها

تمد إليه في رءوس عوالي (٢)

وكم هم نضو أن يطير مع الصبا

                  إلي الشأم لولا حبسه بعقال (١)

ولولا حفاظي قلت للمرء صاحبي

               بينبعك قيدها فلشت أتالي ( ٢ )

لقد زارني طيف الخيال فهاجني

                 فهل زار هدى الابل طيف خيال

لعل كراها قد أراها جذابها

             ذوائب طلح بالعقيق وضال (٢)

ومسرحها في ظل أحوي كانها

            إذا أظهرت فيه ذوات ججال

تلون زبورا في الحنين منزلا

               عليهن فيه الصبر غير حلال (٤)

وأنشدن من شعر المطايا قصيدة

                 وأودعنها في الشوق كل مقال

كأن المثاني والمثالث بالضحي

             تجاوب في غيد رفعن طوال (١)

فيما برق ليس الكرخ داري وإنما

           رماني إليه الدهر منذ ليالي (٢)

فهل فيك من ماء المعزة قطرة

           تغيث بها ظمان ليس بسالي

أخواننا بين العراق وجلق

          يد الله ، لاخبرتكم بمحال (٣)

أنبئكم أني على العهد سالم

          ووجهي  لما يبتذل بسؤال

وأني تيممت العراق لغير مما

             تيممه غيلان عند بلال (٤)

فأصبحت محسودا بفضلي وحده

           على بعد أنصاري وقله مالي

اشترك في نشرتنا البريدية