كان الحديث بدور بين المليونير الشيخ والمحامي الشاب حول عقوبة السجن المؤبد ، وكان من رأي المليونير أن الموت أهون من هذه العقوبة ، ولكن المحامي الشاب عارضه في رأيه وأظهر استعداده للمراهنة على أن يقضي في السجن خمسة عشر عاما .
وقبل المليونير أن يدفع إلى المحامي الشاب مليونين من الروبلات على شرط ان يخسر الرهان إذا بارح السجن ولو قيل الميعاد المتفق عليه بساعتين .
ومرت الخمسة عشر عاما إلا قليلا ، وفي أثناء هذه المدة كان كل ما عرف عن السجين أنه طلب عددا كبيرا من الكتب في شتى الموضوعات وأنه زود بكل ما طلبه .
وفي أثناء هذه المدة أيضا مرت على المليونير سنوات عجاف ساءت فيها حالته المالية إلى أن أصبح عاجزا عن وفاء الدين والأيام إلى نهايتها بسرعة ، وأخذ يفكر في طريقة للخلاص من هذا الدين الذي أصبح عاجزا عن قضائه ، ووجد بعد إمعان الفكر أن أحسن طريقة للخلاص من الدين هو الخلاص من الدائن .
ولهذا تسلل بحذر إلى حجرة السجين عشية يوم التحرير وقد عقد النية على قتله ، ولكنه فوحئ بما افسد عليه خطته ، فلقد وجد بحجرة السجين شمعة في النزع الأخير ، وأبصر السجين جالسا على كرسي بجانب المائدة وظهره إلى النافذة وشعر رأسه مرسل على كتفيه ، والكتب مبعثرة هنا وهناك حول المنضدة وفوق الكرسي ، وعلى البساط ، ووجد على الضدة وجوار رأسه ورقة قد خط عليها عدة أسطر بيد مرتعشة ، وأخذ المليونير الورقة وأخذ يتلوها فوجد مكتوباً عليها :
" غدا في الساعة الثانية عشرة تفك قيود سجني وسأمنح حرية الخروج والاتصال ببني جنسي ، ولكنني قبل مغادرة هذه الغرفة ومشاهدة ضوء الشمس أرى من الضروري أن أقول كلمة .
" إني أصرح بضمير نقي وأمام الله الذي يراني ، أني أحتقر الحرية والحياة والصحة وكل ما تفاخر به كتبك على أنه نعم الحياة ومباهجها ، خمسة عشرة عاما قضيتها درست فيها الحياة على حقيقتها ، وأعلن أني لم أر فيها الأرض ولا الناس ، ولكن في كتبك شربت خمرا عطرة ، وانشدت أغنيات شجبة ، واصطدت الدببة والضواري في الأحراش والغابات ، وأحببت النساء . نساء جميلات مثل السحب الاثيرية التي أبدعتها عبقرية شعرائك السحرية ، زرتني في الليل وهمسن في أذني حكايات للحبيبة أسكرتني .
" في كتبك صعدت إلى قممم الجبال ، ورأيت من فوقها كيف تشرق الشمس في الصباح ، وكيف تغرب في المساء ، رأيت البحار والجبال وقد غرقت في بحر من الذهب الأرجواني ، ولقد رأيت فوقي وأنا على قممها كيف يغطي ضوء البرق السماء ، ورأيت الغابات الخضراء والحقول والأنهار والبحيرات والمدن ، ولقد سمعت الأناشيد السماوية والمزامير الربانية ، ولمست بيدي أجنحة الملائكة التى أتت لي طائرة لتحدثني عن الله . في كتبك هبطت إلى أعماق الهوات وصنعت المعجزات وأحرقت المدن وتركتها خرابا يبابا تنعي من بناها ، ونشرت ديانات جديدة وغزوت كل المالك .
" إن الكتب قد منحتي الحكمة ؛ إن كل حكمة الأولين التى ابتدعتها عقلية الأجبال المتعاقبة قد تركزت
وتبلورت في عقلي ، وإني لأعرف أنني اكثر ذكاء منكم جميعا .
" والآن أقول إني أحتقر كتبك ، أحتفر كل مباهج الحياة وحكمتها ، إن كل شئ باطل وزائل ووهم وخادع مثل السراب ، إنكم مزهوون ، ولكن سيأتي اليوم الذي يكنسك فيه الموت من على وجه الأرض ، وتصبح كالفأر الذي تحت الأرض ، إن ذريتك وماضيك وعباقرتك الخالدين سوف يذوبون كقطعة الثلج التي توضع تحت أطباق الثرى .
" إنك مجنون وإنك تسلك الطريق الخاطئ ، إنك تؤثر الكذب على الصدق والقبح على الجمال ؛ إنك لتتعجب إذ رأيت أنه بدلا من أن تنمو شجرة التفاح والبرتقال تنمو الضفادع والسحالي ، فهل أعجب لك إذا كنت تشتري الأرض بالسماء ؟ إنني لا أريد أن أفهمك .
" إنني أريك احتقاري لكل شئ تعيش من أجله ، إنني أرفض مليوني الروبلات التى ظللت أحلم بها كما أحلم بالجنة والتي احتقرها الآن . . إنني سأحرم نفس منها بإرادتي . . إنني سوف أخرج من هنا قبل الميعاد المحدد بخمس دقائق وبذلك أخل بالشرط " .
وما إن انتهى المليونير من قراءة الخطاب حتى قبل رأس الشاب وعاد ثانية إلي منزله ، وفي اليوم الثاني أتاه حارس الغرفة وأخبره أن السجين قد هرب .
الحياة بهيجة
إن الحياة ليست تجارة رابحة ، ولكن ليس من العسير أن تجعلها بهيجة . لأي سبب لا يكفي أن تربح مائتي ألف من الروبلات ، أو تمنح نيشان الصقر الأبيض ، أو تعطى مركزا مرموقا ، أو تتزوج بامرأة جميلة لتكون سعيدا ! السبب أن كل هذه الأشياء ستصبح شيئا عاديا ، ولكن لتشعر أنك دائما سعيد حتى في أوقات الهم والكرب . فأنت تحتاج أولا إلى القناعة بحالتك الراهنة ، وثانيا تبتهج كلما أصابك ضر مؤمنا بأن الأمور ربما أتت أسوأ .
ابتهج إذا اشتعلت عليه الثقاب في جيبك ، واسجد له شاكرا على أن جيبك ليس مخزنا للبارود .
إذا حضر لك أقاربك في عطلة الأسبوع فلا تتضايق ويشحب وجهك ، بل تعجب لحظك السعيد ، وانتهج حامدا الله على أنهم ليسوا شرطة أتت للقبض عليك .
إذا نفذت شوكة في أصبعك فابتهج على أنها لم تكن في عينك . ابتهج لأنك لست حصان عربة أو ثور محراث أو خنزيرا أو حمارا أو دبا تقوده غجرية .
ابتهج على أنك لست سجينا في زنزانة ضيقة لعدم وفائك ديونك .
إذا شعرت بألم في إحدى أسنانك فابتهج على أنه ليس في كل أسنانك .
إذا لم تكن قاطنا في مكان ليس بعيدا مثل سيبريا ألا تبتهج إذا كنت تذكر انه لولا حسن حظك لكنت أخذت إلى هناك .
ابتهج لأنك تستطيع أن تقرأ الجريدة اليومية وانك لست مقهورا على أن تسوق عربة قاذورات أو تتزوج من ثلاث نساء جميلات في آن واحد .
إذا أخذت إلي زنزانة نقطة البوليس اقفز من الفرح ، واحمد الله على أنها ليست حجرة الإعدام .
إذا ضربت بغصن شجرة فاحمد ربك على انه غصن شجرة وليس سوطا .
إذا كانت امرأتك تخونك ، فابتهج على أن الخيانة موجهة إليك أنت وليس إلى وطنك .
