التى لا يمكن القيام بها الا في تونس
كتب احمد امين عن صناعة الشاشية فى تونس فقال :
" وكان التونسيون يصنعون نوعا من النسيج اسمه " الشاشية " وكانت بعضها كثيرة . . فلما تقدمت الصناعة فى اوروبا ، وكانت الالات تدار بالبخار وتنتج نتاجا كثيرا من الشاش هذا رخص سعره ، واصيبت الصناعة في تونس بضربة قاضية " (١)
وكتب ساطع الحصرى عن اللهجة التونسية فقال
ومن الألفاظ التى يختص بها اهالى تونس ويكررونها كثيرا لفظة " ذيال " بكسر الذال، وهي تستعمل بمقام اداة اضافة واداة نسبة ، ولذلك تدخل بين كثير من الكلمات في كثير من المناسبات : حفلة ذيال فلان ، كتاب ذيال فلان (٢) ووصف J. Jourdan الكفتة التونسية بانها :
(3)Espice de boulettes de pommes de tere وسمع J. Clermont هذه الجملة : " قل له الخادم يا سيدي برحمة سيدي الكبير وبراس سيدي الصغير سامحنى " فترجم قوله " برحمة سيدى الكبير " هكذا :
Par la misericorde de mon grand Mailr (Dieu) (4( احمد امين يعرف الشاشية التونسية باسم " طربوش مغربي " فلما قرأ انها من الصناعات التونسية ظنها نسيجا من الشاش ، والشاش هو Mousseline
وساطع الحصرى لا بد ان يكون قد دون ملاحظاته عن كلمة " ذيال " وهو بالمغرب الأقصى ، واختلطت تلك الملاحظات بما قيده عن اللهجة التونسية ، فظن انه سمعها في تونس .
و Jourdan J. عاش في تونس سنين طويلة وتخصص في اللهجة التونسية ، وبعض مؤلفاته فيها بلغ الطبعة السابعة ولكن يظهر انه لم يذق الكفتة التونسية وانما رآها تباع مقلية فحسبها كريرات من البطاطة .
و J. Clermont كان من اساتذة اللغة العربية فى " ليسى " تونس وله مؤلفات في اللهجة التونسية ، فهل ينتظر منه - لذلك - ان يفهم دقائق لغة الخدم في بيوت تونس ؟
اننا نسلم بوجود فرق في لغة الحديث بين بلدان الشرق العربي وبلدان المغرب العربى ، ولكننا لا نعترف بوجود الفرق فى لغة الكتابة ، وهو مع ذلك موجود ، ففي المجلد الثاني من الطبعة الاخيرة ( بيروت ١٩٥٦ ) لتاريخ ابن خلدون فهرس للغة ابن خلدون في ١٦ صفحة كلها كلمات وعبارات غير مآلوفة عند القارىء الشرقى . وقد اعترف ساطع الحصرى فى كتابه المذكور اعلاه ص ١٥٨-١٦٤ بانه وجد شيئا من الصعوبة فى فهم لغة الجرائد التونسية ، واساء فهم بعض ما قرا فيها من الكلمات والعبارات ، أما اكبر دليل على وجود هذا الفرق فهو قاموس Dozy المتكون مما يقرب من الفى صفحة معظمها يبحث في لغة المتأخرين من كتاب الاندلس وشمال افريقيا ، وهو مع ذلك غير كاف .
فقد يعرض لك استعمال غريب لبعض الكلمات فى تاريخ ابن خلدون او ابن ابي الضياف ، وتبحث عنه فى قاموس Dozy فلا تجده ، وتجده في بعض مؤلفات Stumme المستشرق الالمانى الذى كتب عن الادب الشعبي التونسي فى اواخر القرن الماضى وقد لا تجده هنا ولا هناك وتجده فى طبعة ١٩٥٨ من قاموس Beaussier العربي الفرنسى ! وهو قاموس خاص باللهجتين التونسية والجزائرية .
يعتمد الباحثون من الشرقيين والمستشرقين على تاريخ الاداب العربية لبروكلمان .
ولا يعتمدون على الاقسام الخاصة بشمال افريقيا منه ، لانها تعتبر اضعف الاقسام
لماذا ؟
لاننا لا نكتب ما ينتظر منا ان نكتبه عن انفسنا ، فلا يجد الباحثون ما يكتبونه عنا . .
للمصريين قواميس عامية وضعوها بانفسهم ، من اهمها " المعجم الكبير فى الالفاظ العامية المصرية " لاحمد تيمور ، ولهم مراجع عن العادات والتقاليد المصرية ، من احدثها " قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية " لاحمد امين
ولهم مجموعات من الامثال العامية المصرية مشروحة او مترجمة ، منها مجموعة أحمد تيمور في اكثر من خمسمائة صفحة ، ولهم ابحاث ودراسات فى الادب الشعبى المصرى ، واسماء يستشهد بها فى الموضوع مثل احمد ضيف وشوقي ضيف وعبد الحميد يونس واحمد رشدى صالح وغيرهم
وللسوريين كذلك قوامييس عامية احدثها " معجم الالفاظ العامية فى اللهجة اللبنانية " لانيس فريحة ، ومجموعة من الامثال العامية يزيد عددها عن ٤٠٠٠ لانيس فريحة ايضا ، ولهم دراسات في الشعر الملحون من اهمها كتاب " والزجل تاريخة ادبه اعلامه قديما وحديثا " لمنير وهيبة .
للمصريين والسوريين كل ذلك ، كتبوه بانفسهم عن انفسهم ، وليس لنا منه الا ما كتبه عنا بعض الشرقيين والمستشرقين ، وهؤلاء - كما رايت - معرضون لضروب من الاخطاء قلما يمكن اجتنابها . لما انشئ قسم التاليف والترجمة والنشر بكتابة الدولة للتربية القومية بتونس منذ سنتين ، وحد نفسه يشتعل بدون ما عون المراجع العامة لا تفي بالغرض ، والمراجع الخاصة مفقودة. جمع القسم المذكور مواد لوضع قاموس للعادات والتقاليد التونسية فاذا بتلك المواد فى حاجة الى تعليقات خاصة للباحثين من الشرقيين ، وشروح خاصة للباحثين من المستشرقين وشرع القسم المذكور في تحقيق نصوص تاريخ ابن ابي الضياف ، فوجد ان حاجة هذا الكتاب الى قاموس خاص هى اشد من حاجة ابن خلدون ومن بعده من المؤلفين التونسيين . وجمع مقدار لا بأس به من الامثال العامية التونسية والشعر الملحون وجد هو ايضا فى حاجة الى قاموس خاص
الاعمال التي تنتظر منا وكثيرا ما نسأل عنها هى :
١) معجم كبير للهجة العامية التونسية .
٢) معاجم خاصة لمؤلفات ابن خلدون وابن ابي دينار وابن ابي الضياف وخير الدين وحسين خوجة وغيرهم من المؤلفين التونسيين المتأخرين
٣) قاموس للعادات والتقاليد التونسية به ملحق مصور .
٤) مجموعة من الامثال التونسية مشروعة ومرتبة على الحرف الاول من المثل .
٥) مجموعه من الامثال التونسية مرتبة حسب المواضيع
نصوص مفسرة من الشعر الملحون .
كل هذه مواضيع يفسر بعضها البعض ويتمم بعضها البعض ولا يحسن القيام بها الا تونسيون وفي تونس ، وذلك لاتصالها بعادات وتقاليد لا يزال العمل جاريا بها عند مختلف طبقات المجتمع التونسي .
