الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 657الرجوع إلى "الرسالة"

من تاريخ مصر المجهول:

Share

في مكتبتي مخطوطة من كتاب   (التنوير في إسقاط التدبير)   لابن عطاء الله الإسكندري. وابن عطاء الله هذا مفخرة من مفاخر  الإسكندرية بل من مفاخر مصر. توفي سنة ٧٠٩هـ وكتابه  التنوير من أشهر كتبه بعد كتابه   (الحكم العطائية)  وقد طبع

التنوير عدة مرات ونسخه المخطوطة كثيرة. أما مخطوطتي فحسنة  الخط مشرقة الحرف فيها تواليع بالحمرة في عناوينها وبعض كلماتها  ولم يذكر في آخرها اسم ناسخها ولا تاريخ نسخها، غير أن الناسخ  بعد أن أتم نسخها عاد فنقل من كتب الوعظ والحكم فوائد ملأ  بها عشر صفحات وقد بدأ الفائدة الأولى بقوله:   (ومن فوائد  مؤلف هذا الكتاب: الوجود أقسام أربعة: خير محض وشر محض  وشر وخير ولا شر ولا خير إلخ)  ثم ذكر أبياتاً في الحكم ثم ثلاث  قطع من الشعر في آخر كل قطعة تاريخ بحساب الجمل سجل فيه  حادثة جرت في مصر منذ ثلاثمائة سنة ونيف. وقد كتب الناسخ  القطع الشعرية الثلاث من دون مقدمة ولا عنوان ولا تعليق ولا  مناسبة لما قبلها أو لما بعدها.

وبعد أن أتم القطع رجع إلى سرد فوائده الحكيمة كأنه لم  يأت بشيء جديد ولم يستطرد إلى خبر غريب لا علاقة له بالفوائد  والرقائق التي يسردها. وهذه هي القطع الثلاث نثبتها هنا على  ما فيها من خلل في الوزن وركاكة في التعبير أو أن ذلك كله إنما  وقع من جهل الناسخ لا من بلادة الناظم.

-  ١ -

لقد كانت الأمصار تحسد مصرنا ...

وتدعى بروض الملك في سائر القرى

رماها ملكها بالنُّحاس فأصبحت ...

خراباً وأهلوها غدت أفقر الورى

وصارت ديار الذل من بعد عزها ...

ألا في سبيل الله يا مصر ما جرى

وقد قلت في عام النُّحاس مؤرخاً ...

نحاس كأحجار على مصر أمطرا

١٠٣٤هـ

-  ٢ -

بمصر كل إنسان ... قد صار مسكين حيران

من كثرة الغم لما ... رموا بها الزيف بهتان

زمانه أرخوه ... به نحاس وخسران

١٠٤٣هـ

-  ٣ -

بمصر حل تشويش ... وتنكيد وأحزان

برمي نحاس أرسله ... لها سلطاننا الآن

فأضحت مصر في وهج ... وأهلوها بها انهانوا

رميته نؤرخها ... بها نحس وخسران

١٠٤٣هـ

والتاريخ في القطعة الأولى مغاير للتاريخ في القطعتين الأخيرتين  والفرق قليل لا يتجاوز بضع سنوات. وربما كان سببه اختلاف  الاعتبارات في حساب بعض الكلمات أو أن المحادثة تكررت  ويكون السوء أصاب مصر مرتين أصابها سنة ٣٤ و ٤٣ وبينهما  تسع سنوات وكلمة  (نحاس)  مضبوطة بالشكل بضم النون وفتح  الحاء غير المشددة. ومن معاني النحاس الدخان وبه فسر النحاس  في آية   (يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس)  فهل كانت الكارثة  التي نزلت بمصر في ذلك الزمن شيئاً من هذا القبيل؟ بيد أن  الشاعر قال   (نحاس كأحجار على مصر أمطرا)  فجعل النحاس  كالأحجار، أو لعله يريد بالنحاس قنابل مدافع من نحاس محشوة  بأحجار. وفي دار الكتب المصرية ست نسخ مخطوطة من كتاب  التنوير المذكور فقلت في نفسي لعل نسختي نقلها ناسخها من  إحدى هذه النسخ فيكون خبر   (النحاس كالأحجار)  مثبتاً في  آخرها فراجعتها فلم أجد أثراً فيها. وراجعنا بمعونة موظفي دار  الكتب بعض كتب التاريخ التي وصلت في تدوين الحوادث إلى  سنتي ١٠٣٤ و ١٠٤٣ فلم نجد بينها أثراً للخبر العجيب المذكور. فنحن نروي لقراء الرسالة هذا الخبر على علاته، ونصه على  زلاته، فلعل فيهم من يسعفنا باليقين من أمره فنكون له من  الشاكرين.

اشترك في نشرتنا البريدية