الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 84الرجوع إلى "الرسالة"

من تراثنا العلمي، تعبير الرؤيا لأبن قُتيبة، وصف وتلخيص لنسخة تميته من كتاب مفقود

Share

يزاول ابن قتيبة في هذا الكتاب بأسلوبه المتين،  وطريقته السوية، بحثاً هو اليوم جيد في اللغات الأوربية،  لم يكد يعرفه أصحابها قبل فرويد النمساوي وأصحابه:  يونج السويسري، وادلر الألماني، وبودوان الفرنسي،  ورفرز الانجليزي، وهو ينفق وهؤلاء الباحثين في كثير  من مسائل هذا البحث، وإنما يختلف عنهم في أنه  استمد من معين النبوة، فأصاب كبد الحقيقة، وتمكن  من سواء الثغرة. اتكلوا على ظنونهم، فحاموا حول  الورد، وصدروا من غير ري!

والكتاب كما سترى في وصفه من الكتب الجليلة  التي نرجو أن يتيح الله لها ناشراً، وهذه النسخة التي  تصفها من مخطوطات   (المكتبة العربية)  العامرة    (بدمشق)

أما تعبير الرؤيا فقد ثبت في الدين، ونطقت به السنة،  وتواترت به الأخبار: أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي  عن أبى هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال:   (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، ورؤيا  المؤمن جزء من ستة واربعين جزءاً من النبوة)

وأخرج البخاري ومسلم والترمذي عن سَمُرةَ بن جُندب،  انه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نحن الآخرون  السابقون، وبينا أنا نائم إذ أوتيت خزائن الأرض، فوضع في  يدي سواران من ذهب، فكبرا علي وأهماني، فأوحي إلي أن  انفخهما، فنفختهما فطارا. فأولتهما الكذابين بين اللذين أنا بينهما:  صاحب صنعاء   (أي الأسود)  وصاحب اليمامة   (أي مسيلمة) والأخبار في ذلك مستفيضة

وأما ابن قتيبة، فهو الإمام العَلَم. صاحب التصانيف الجليلة:  أدب الكاتب، وعيون الأخبار، وطبقات الشعراء، والميسر

والقداح والمعرف وغيرها. . .

 قال فيه شيخ الإسلام ابن تيمية في تفسير سورة الإخلاص    (هو لأهل السنة مثل الجاحظ للمعتزلة)  وقال الحافظ السيوطي  في البغية:   (كان أبن قتيبة رأساً في العربية واللغة والأخبار وأيام  الناس، ثقة ديناً فاضلاً)  وقال القاضي ابن خلكان:   (وان فاضلاً  ثقة وتصانيفه كلها مفيدة)  وقال الخطيب البغدادي:   (كان  ثقة ديناً فاضلاً)  وقال الحافظ الذهبي:   (ما علمت أحداً اتهمه  في نقله)  وقال ابن النديم: (كان صادقاً فيما يرويه، عالماً باللغة  والنحو وغريب القرآن ومعانيه، والشعر والفقه، كثير التصنيف  والتأليف، توفي ابن قتيبة سنة   (٢٧٦)  وله   (٦٣)  سنة

أما كتابه تعبير الرؤيا فقد ذكره ابن النديم في الفهرست في  باب الكتب المؤلفة في تعبير الرؤيا، وسماه تعبير الرؤيا. وذكره  أبو الطيب اللغوي في كتابه   (مراتب النحويين)  كما نقل  الأستاذ محب الدين الخطيب في مقدمة   (الميسر والقداح)

وذكره في كتاب (فهرست ما رواه عن شيوخه من الدواوين  المصنفة في ضروب العلم وأنواع المعارف الشيخ أبو بكر بن خير  ابن عمر بن خليفة الأموي الأشبيلي   (طبع سرقسطة سنة ١٨٩٣)   باسم   (عبارة الرؤيا)  قال:

كتاب عبارة الرؤيا لابن قتيبة؛ حدثني به أبو بكر محمد بن  أحمد بن طاهر رحمه الله، عن أبي علي الغساني، قال: حدثني به  أبو العاصي حكم بن محمد الجذامي، عن أبي بكر أحمد بن محمد  ابن إسماعيل المهندس. عن أحمد بن مروان المالكي عن ابن قتيبة

ثم ذكر لروايته طريقاً أخرى، والنسخة التي نصفها مروية  من طريق أقصر وتلتقي برواية أبي بكر هذا عند أحمد بن مروان  المالكي، وهذا مما يثبت صحة نسبة هذه النسخة لأبن قتيبة  رحمه الله

وقال الزمخشري في   (الفائق)  في مادة   (جنه)  وهو يفسر  بيت الفرزدق في كفه جنهى ريحه عبق ... من كف أروع في عرنينه شمم قال القتبي   (يعني ابن قتيبة)  الجنهى، الخيزران. ومعرفتي  بهذه الكلمة عجيبة، ذلك أن رجلاً من أصحاب الغريب سألني  عنه   (الجنهى)  فلم أعرفه. فلما أخذت من الليل مضجعي أتاني  آت في المنام، فقال لي: ألا اخبرته عن الجنهي؟ قلت: لم  أعرفه قال: هو الخيزران! فسألته شاهداً، فقال:   (هدية  طرفنه، في طبق مجنه)  فهببت وأنا أكثر التعجب، فلم ألبث  إلا يسيراً، حتى سمعت من ينشد: في كفه جنهي. . . . . . . وكنت  أعرفه: في كفه خيزران.

قال في   (تاج العروس)  في تفسير الجنهي: هو الخيزران رواه الجوهري، عن القتيي قال   (يعني ابن قتيبة)   وسمعت من ينشد: في كفه جنهي. . والقصة التي رواها الزمخشري مروية في الورقة الخامسة  عشرة من المخطوط الذي نصفه، وهذا مما يثبت صحة نسبته إلى  ابن قتيبة، ومما يثبت هذه النسبة أسلوب الكتاب، فأنه  لا يكاد يختلف عن الأسلوب الذي نعرفه لابن قتيبة، في تحقيقه  اللغوي وتفسيره الغريب، وإكثاره من الشواهد

أما هذه النسخة فتقع في   (١٣٤)  صفحة من القطع الصغير  في كل صفحة   (١٥)  سطراً، وهي مكتوبة بخط نسخي جميل،  على ورق صقيل، ويزيد عمرها على   (٥٠٠)  سنة في الصفحة الأولى منها، اسم الكتاب:

كتاب عبارة الرؤيا تصنيف أبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة  الدينوري رضي الله عنه وفيها كتابات أخرى، أكثرها ممحو:

من مواهب ذي الكرم على عبده رجب الأعلم اشتريته  من سي يحيى الذهبي وقيل في المعاني: ونكس الرأس أهل الكيميا خجلاً ... وقطروا أدمعاً من بعد ما سهروا

إن طالعوا كتبه بالدرس بينهم ... صاروا ملوكاً وان هم جربوا افتقروا تعلقوا بجبال الشمس من طمع ... فتى منهم قد غره القمر ونو - الشمسي خادم - الفقير - لسنة ١٢٠٩=من شهر  ذي الحجة من تركة الشيخ عمر بن عبد الهادي رحمه الله

وفي الصفحة الأخيرة، هذه العبارة مكتوبة بخط الناسخ: (آخر كتاب تعبير الرؤيا لأبن قتيبة رضي الله عنه، قابلناها  على نسخة الأصل بقدر الإمكان:

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه  أجمعين، أما بعد فقد وقع الفراغ من كتابة هذه النسخة الشريفة  الموسومة بكتاب عبارة الرؤيا على يد العبد الضعيف النحيف  الراجي إلى رحمة الله الباري يحيى بن محمد البخاري في عشرين من  ذي القعدة سنة خمس وأربعين وثمانمائة بدمشق المحروسة صانها  الله تعالى عن الآفات والنكبات، اللهم اغفر لكاتبه ولمن نظر فيه  آمين يا رب العالمين)

وفيها أسماء بعض المالكين: دخل هذا الكتاب في نوبة العبد الفقير رجب الأعلم المجاور  بمدرسة العمرية عفى عنه آمين الحمد لله مالكه من فضل ربه الهادي، الشيخ عبد الرزاق  الهادي غفر الله له آمين، كتبه الفقير ابنه محمد ساقها الرب الهادي، إلى محمد الهادي والنسخة مشكولة ولكنه شكل لا يعتد به، وليس في  هوامشها تعليقات تذكر

اشترك في نشرتنا البريدية