تسود نقوش العاج فيما قيل عهد الأسرات صور أنواع معينة من الحيوانات . . وقد بذل الفنان عناية بالغة فى تمثيل الحيوان وإبراز صفاته الجوهرية وخصائصه المميزة ، حتى ليعتبر عهد ما قبل الأسرات العصر الذهبى للنقش فى العاج على وجه الإطلاق .
أقبل المصريون منذ أوائل العصر الحجرى الحديث على استخدام العاج فى كثير من صناعاتهم ، وذلك سواء كان من أنياب أفراس النهر التى كان يزخر بها مجرى النيل فى مصر حتى عدة قرون مضت ، أو من أنياب الفيلة التى كانت تعيش بكثرة فى السودان . وقد صنعوا منه الأساور والدمالج والأمشاط ودبابيس الشعر ورءوس كثير من السهام والخطاطيف ومقابض بعض السكاكين والصحاف والملاعق وغيرها . ولا أدل على أهمية العاج فيما قبل عهد الأسرات من كثرة ما عثر عليه من مصنوعاته فى معبد الكوم الأحمر ، وإن كانت رطوبة الأرض قد أتلفت معظمها . وليس من شك فى أنه ساعد على استخدامه فى كثير من الصناعات كثافته ودقة حبيباته وصلاحيته للنقش والنحت ، فقد برع المصريون فى نقش الصور المختلفة عليه وعمل التماثيل الصغيرة منه للإنسان والحيوان .
ومن مصنوعات العاج المنقوشة من عهد ما قبل الأسرات مشط حفرت على كل من صفحتيه صور بعض الحيوانات فى صفوف منتظمة ، بحيث تتجه حيوانات كل صف إلى الجهة المضادة التى تتجه إليها حيوانات الصف التالى ( شكل ١ ) . ومما يزيد فى توكيد أهمية هذا الاتجاه أن
حيوانات كل صف على أى من صفحتى المشط تتجه إلى نفس الجانب الذى تتجه إليه حيوانات الصف المقابل على الصفحة الأخرى ، بحيث تبدو صور معظم الحيوانات وكأنها مثلت من جانبيها على كلتا الصفحتين . وفى صور هذه الحيوانات ما يدل على أنه كانت تحدو الفنان فى تمثيلها وترتيبها أغراض خاصة ،
ومما كان ينقش من مصنوعات العاج من عهد ما قبل الأسرات أيضا مقابض بعض السكاكين . وكان كل من هذه المقابض يصنع من قطعة واحدة من العاج يركب فيها نصل من الظران ، سحقت كلتا صفحتيه ، وشظيت إحداهما بدقة تامة . وكانت تجمع النصل مع المقبض جلبة غير عريضة من الذهب تمسكهما معا ، غير أنها ضاعت فى أغلب الأحيان . ويبرز فى وسط إحدى صفحتى المقبض نتوء مثقوب ، كان يعلق منه السكين . ومن أمثلة هذه المقابض " مقبض كرنارقون " وقد نقشت على صفحته المحدبة فى صفوف منتظمة صور اللقلق والزرافة ومالك الحزين والفيل والسبع والثور ؛ وعلى الصفحة الثانية الأيل والمهاة والتيتل والكلب وغيرها ، وذلك فى غير نظام واضح . وتدل هذه الصور على مهارة فائقة فى تمثيل الخصائص الجوهرية للحيوانات ، ويتجلى ذلك بصفة خاصة
فى صورة الفيل وهو يطأ بأقدامه ثعبانين ملتفين معا ( شكل ٢ ) ، فقد أجاد الحفار تمثيله حسب نسبه الطبيعية ، كما أبدع فى تمثيل الجبهة المائلة للرأس الصغير ، الذى يمتاز به الفيل الإفريقى ، وفى تمثيل الأذن بتجعداتها المتوازية ، مما يوحى بلدانتها وسهولة حركتها ، وفى تمثيل الأرجل وعظم الخاصرة ، حتى إنه ليقع فى روعنا أننا أمام صورة حية دقيقة . وفى متحف بروكلن فى الولايات المتحدة مقبض سكين عثر عليه هنرى دى مورجان فى " أبو زيدان " بالقرب من إدفو ، حفرت على صفحتيه مئتان وثمانى عشرة صورة لحيوانات مختلفة فى صفوف منتظمة ، حيث لا تكاد تزيد مساحة ما تشغله كل صورة على نصف سنتيمتر مربع ، مما ينطق بمهارة الصانع الفنان .
وتدل الصور المنقوشة على المشط ومقابض السكاكين على صفات مشتركة واضحة . فهى تقتصر على صور الحيوان وحده . وذلك فى صفوف متتالية دون خطوط تفصل أحدها عن الآخر ؛ ويقتصر كل صف فى معظم الحالات على صور نوع
واحد من الحيوان . ومع أن عدد صفوف الحيوانات يختلف فى كل حالة ، إلا أن الحيوانات الممثلة تكاد تنحصر فى أنواع معينة ، فليس بينها مثلا الحمار وفرس النهر والحر ، وهى من الحيوانات التى عرفها المصريون فيما قبل عهد الأسرات . وقد مثل كل حيوان بمفرده فى أغلب الأحيان ، بحيث تستقل صورته عن صور غيره من الحيوانات التى تسبقه وتليه . على أن بعض الحيوانات مثل فى مجموعات ، وذلك كالنسر الذى ينسر فريسته ، والفيل الذى يطأ بأقدامه ثعبانا أو ثعبانين . وتدل صفوف الحيوانات على ترتيب مقصود ؛ فصور النسور والفيلة واللقالق تعلو دائما صفوف غيرها من الحيوانات . وصور الحيوانات التى لم تمثل فى أعداد كبيرة كالكلب ومالك الحزين والسمك تلتزم دائما مكانا خاصا لا تتعداه ، وهو فى الغالب فى نهاية الصفوف . إلى جانب هذا يلاحظ عدم توالى صفين من الحيوانات المجترة أو المفترسة ، ويرجع بعض هذا كله إلى بعض التقاليد الفنية التى أخذت تشيع فى فن النقش على العاج وغيره ، ومنها ترتيب الصور وتنظيمها
ومحاولة تمثيل النوع بأكمله بالإكثار من صور مفرداته ( ١ ) . على أن بعضه الآخر يرجع بغير شك إلى طبيعة الأغراض التى كان يتوخاها المصريون فى هذه النقوش .
وليس من السهل الآن معرفة هذه الأغراض على وجه التحديد ، غير أنه مما تجدر ملاحظته أن أشكال الحيوانات فى صور ونقوش ما قبل الأسرات تسود غيرها من الأشكال ؛ وفى هذا ما يدل على أنه كانت لسكان وادى النيل فى العصور القديمة نظرة خاصة إلى هذه الحيوانات ، كان لها آثارها العميقة فى تصوراتهم وعقائدهم . مما كان يدعوهم إلى تصويرها ونقش أشكالها على كثير من أدواتهم . فى ضوء هذا يبدو أن صور الحيوانات ، وخاصة ما كان منها على مقابض السكاكين وقد كانت من بعض أدوات الصيد ، كما كانت أداة نحر الضحايا من الحيوان . لم تكن تخلو من أغراض سحرية ودينية . وهى وفرة الماشية وحيوانات الصيد ودرء شر الحيوانات الضارية . ومما يتفق مع هذا التزام نظام ثابت تقليدى فى اختيار الحيوانات الممثلة وترتيبها ، اعتقادا بأن فى ذلك ما يضمن تحقيق هذه الأغراض ، وإن كان هذا لم يكن ليمنع الفنان من مراعاة الاتجاهات الفنية التى سادت فى عصره .
ومع هذا فقد ذهب جورج بنديت إلى أن هذه النقوش إنما هى سجل جغرافى لمصر قبل قيام مملكة الوجه القبلى . أو بعبارة أخرى هى ثبت بالطواطم من الحيوانات لبعض القبائل أو العشائر المتجاورة . وذلك فى شكل تصويرى تحدوه فكرة الصيد ، مما يجعل من المستحيل انهاء الفنان أو صاحب السكين لأى من القبائل أو العشائر ذات الطواطم
المستضعفة ، وهي الحيوانات المجترة . ولا يتسع المجال هنا لمناقشة هذا الرأى ، غير أنه لا يخفى ما يبدو فيه من تكلف ظاهر . ومن الغريب أن يرى بنديت أن اقتصار الطواطم الممثلة على عالم الحيوان وانتظام تعاقب الحيوانات المفترسة والمجترة إنما يرجع إلى " نوع من الفكاهة " يسود تنسيق الحيوانات الطوطمية إلى حيوانات صائدة وحيوانات مصيدة ، مما يدل على ما كان يعتلج فى نفس الفنان من " شواغل فنية " ولا يرى فى التقاليد الفنية والأغراض السحرية والدينية ما يشرح ذلك .
ولسكين جبل العركى ( ١ ) أهمية خاصة ، إذ تختلف المناظر المنقوشة على صفحتى مقبضه عن المناظر المنقوشة على مقابض السكاكين الأخرى ( شكل ٣ ) . فعلى إحدى صفحتيه صفان يمثلان فريقين من الرجال يتقاتلان ، أحدهما بشعر قصير والآخر بشعر طويل . ويتألف رجال الفريق الأول من خمسة رجال مسلحين ؛ أما الفريق الثانى فتمثله ثلاثة رجال عاطلين من السلاح ورجل واحد يحمل سكينا . وجميع الرجال عراة إلا من حزام يتدلى منه جراب اسطوانى يخفى العورة . ويدل واقع الحال على رجحان كفة رجال الفريق الأول فى القتال ، وإن كان أحد رجال الفريق الثانى يمسك يد وذراع خصمه ليحول دون أن يطعنه بسكينه ، بينما يمسك آخر خصمه من ذراعه وفخذه ليلقى به على الأرض ، ويلى ذلك صفان من السفن من طرازين مختلفين ، أحدهما بقاع مسطح ومقدم ومؤخر مرتفعين . والثانى بقاع مقوس وعلى مقدمه رأس ظبى ( ٢ ) . وإلى يسار الصف الأول رجل بشعر قصير يمسك بحبل طويل غير أنه ينتمى لصورة صيد الوعل على الصفحة الثانية . وبين صفى السفن جثث الغرقى من الرجال فى أوضاع مختلفة . وليس من شك فى أن
هذا كله لا يمثل منظرا عاديا ، وإنما يسجل حادثا تاريخيا هاما ، على أنه مما يسترعى النظر من الناحية الفنية أن السفن لم تمثل بحيث تستقل كل منها عن غيرها . وإنما تتداخل أطرافها معا بحيث يقع مؤخر السفينة المتقدمة من خلف مقدم السفينة التالية ( شكل ٤ ) ، مما أدى إلى تقاطع الخطوط فى شكل جميل .
وتتوج الصفحة الثانية صورة بطل بلحية كثة ، ونقية طويلة ، وعلى رأسه ما يشبه القلنسوة أو العمامة ، وهو يمسك بأسدين ضخمين يقفان على جانبيه ، ويضع كل منهما كفه على خصر البطل فى هيئة التوسل أو التمجيد والتبجيل . ولهذه الصيغة ما يماثلها فى صور جدران مقبرة الكوم الأحمر ( شكل ٥ ) . ولكنها على مقبض سكين جبل العركى أكثر اتساقا ووضوحا وأعظم فخامة وتعبيرا . وقد ذهب بترى إلى أن هذه الصورة لا ترمز إلى المصالحة بين قوتين والحد من استعمال العنف بينهما ، وإنما تشير إلى
الاستحواذ على السلطة والتحكم فى طبائع الأشياء . ومن أسفل ذلك كلبان مطوقان يواجه كل منهما الآخر ويضع كفه البعيد عن الناظر على النتوء البارز فى وسط الصفحة وعلى يمين النتوء وعل ، وعلى يساره غزال ، ومن أسفل ذلك أسد يثب على مؤخرة ثور ، ومن ورائه وعل يتلفت برأسه إلى الخلف ، وقد علق بإحدى ساقيه الخلفيتين الوهق ، ويلى ذلك ثور وكلب ، ومن ورائه صياد ، لم يبق من صورته غير ساقه اليسرى وجراب العورة .
وقد رأى ريشارد هامان فى سائر صور هذه الصفحة منظرا واحدا ، لا يمثل الطبيعة كما هى فحسب ، وإنما يتعداها إلى عالم ما فوق الطبيعة . ففى أعلى الصورة إله الجبل أو إله الرعاة وحامى القطعان . وقد روض الطبيعة الوحشية للأسود ونالها لسلطته ؛ ومن دون ذلك الكلاب القوية التى تحمى وتحرس القطعان ! ثم يلى ذلك عالم الصحراء والواحات بحيواناته المختلفة ، ما يصاد منها وما يفترس غيره ،
أى بخبراته وأهواله ؛ ومن أسفل هذا كله الإنسان بقطيعه وما يتضمنه من أعباء ومخاوف . وبهذا لا تتجلى العناصر الجديدة فى تكوين هذا المنظر على ما يبدو فى مظهره " الخارجى من تصفيف وتراصف فحسب ، وإنما تتمثل أيضا فى الارتقاء معنويا بمجموعات الصور إلى ذروة تسمو بما لها من قوى تفوق قوى البشر ، مما يرقى بالصورة من عالم الطبيعة إلى عالم الأفكار والمعانى ، ومن عالم السحر إلى عالم الإيمان بقوة علوية وبنظام الحياة . وعلى ما فى هذا التفسير من طرافة وحسن تخريج ، فليس هناك ما يدل عليه دلالة قاطعة ، كما أنه ليس هناك ما ينقضه .
ومهما يكن من أمر فإنه تتجلى فى سائر نقوش هذا المقبض مهارة الفنان فى تنظيم الصور وتنسيقها بما يتفق وشكل المقبض ، كما تتجلى فيها أيضا براعته فى تمثيل الرجال والحيوانات على سجيتها ، وفى أوضاع وصيغ مختلفة ، تتميز بحيويتها وجمال نسبها ونقاوة خطوطها ووضوح أجزائها وخفة حركاتها ورشاقتها . ويتضح هذا بصفة خاصة فى صورتى الكلبين المتقابلين ، فقد أبدع الفنان فى تمثيلهما وإبراز خصائصهما الجوهرية وصفاتهما الطبيعية ، حتى إنهما لتعتبران من أجمل صور الحيوان وأصدقها على ضآلة المساحة التى يشغلانها ، مما يدل على براعة فائقة ومهارة ممتازة . علاوة على هذا لا يخفى ما يبدو فى حسن توزيع الأشكال ، وموافقتها لأماكنها ، وتراصف بعضها ، من جمال زخرفى رصين . وإذا كان هذا كله يدل على تأليف فنى مقصود ، وأن الفنان ساغ صوره وألف بينها بعد أن أحكم الروية والتدبر ، مما يقتضيه كل عمل فنى ، فإن هذه الصور توحى بأنها مثلت فى يسر وسهولة ، وعلى البداهة دون عناء أو تكلف بفضل
رهافة شعور الفنان ودقة وقوة ملاحظته وبراعته التامة . وعلى هذا يمكن أن يقال إن هذه النقوش إنما هى من نتاج المزاوجة بين التدبر الفنى ، وهو من أعمال الفكر وبين الشعور الفنى الدقيق والمهارة الفائقة . مما سما بها إلى درجة من الكمال لم تبلغها نقوش العاج فى أى عهد آخر . ومع هذا كله يلاحظ أن الفنان وإن كان قد نقش صوره وأشكاله فى صفوف منتظمة إلا أنه مثلها وكأنها تعمل أو تعدو فى الفضاء دون خط تستقر عليه ، يمثل الأرض أو الماء ، مما يعتبر من الصفات العامة للفن فيما قبل عهد الأسرات ،
عدا مقابض السكاكين المنقوشة لقد عثر على كثير من القطع الصغيرة من العاج فى معبد الكوم الأحمر ، نقشت عليها فى الغالب صور الحيوانات ، وبعضها فى غير ترتيب ظاهر ، وبعضها فى صفوف منتظمة تتجه إلى اليمين وإلى اليسار على التوالى ، أو تواجه ناحية واحدة . وفى العرابة المدفونة عثر أيضا على كثير من قطع العاج المنقوشة فى عهد بداية الأسرات ، ومنها ما يمثل رجالا بلحى طويلة وثياب مزركشة ، كما أن منها ما يمثل رجالا يحملون تقدمات مختلفة ، أو أسرى قيدت أذرعهم من وراء . علاوة على
هذا فقد كشف عن كثير من اللوحات الصغيرة من العاج والأبنوس ، كانت أشبه ببطاقات تعلق على بعض محتويات المقابر ؛ وهى تحمل عادة فى خطوط غائرة اسم إحدى السلع كالزيت مثلا . ونقوش هذه البطاقات من نوعين مختلفين ، يتألف أحدهما من اسم الملك واسم إحدى السلع ، ثم بعض الصور أو المناظر فى صفوف أفقية ، لعلها تمثل أهم الحوادث التى كانت تسمى بها سنوات حكم الملوك . أما النوع الثانى من النقوش فيتألف من علامة السنة واسم السنة واسم الملك وألقابه ثم اسم أحد كبار الموظفين واسم السلعة التى كانت تعلق عليها البطاقة ، ومن أمثلة ذلك بطاقات النصف الثانى من الأسرة الأولى .
وعلى ما نقوش البطاقات على اختلافها من أهمية تاريخية كبيرة ، فإنها من الناحية الفنية أقل قيمة من كثير من نقوش ما قبل الأسرات . ولا يرجع هذا إلى نضوب معين الهبات الفنية عند الفنانين أو إلى قلة الفنانين الموهوبين ، وإنما يرجع إلى ما كان لتوحيد البلاد من آثار عميقة فى انتشار الرخاء وازدياد مطالب الحياة الراقية المتحضرة واتساع آفاقها ، مما دعا الفنانين من جهة إلى إيثار الأحجار الصلدة يخلدون فيها أعمالهم الفنية ، ومما أدى من جهة أخرى إلى أن يقع على كواهل الكتاب أعباء ما تقتضيه الملكية المقدسة والحكومة القوية والأغراض الجنائزية من تسجيل الأعمال وتدوين الأخبار وإرصاد البيانات . وقد بذل الكتاب فى سبيل ذلك قصارى جهدهم ، وكان أهم ما يعنيهم تسجيل المعانى والأفكار ، مما شغلهم فى مثل هذه الحالات عن الناحية الفنية حتى وفقوا فى أقصر مدة إلى أسلوب للكتابة يعتمد على العلامات والرموز ، مما يتفق وما تقتضيه الحياة السياسية الجديدة ، بدلا من أن يعتمد على التمثيل والتصوير . ولهذا كله يبدو فى نقوش هذه البطاقات رغبة قوية فى هجر الموضوعات التقليدية ذات الأغراض المحدودة ، واتجاها واضحا نحو تمثيل الحركة والمناظر الحية المعقدة . ولم يكن الغرض من هذه المناظر ما تمثله فى حد ذاته بقدر ما كان لتسجيل ما تدل عليه من معان وأفكار ، وإن كان أكثرها يخفى علينا الآن .
يتضح من هذا كله أنه تسود نقوش العاج فيما قبل عهد الأسرات صور أنواع معينة من الحيوانات لأغراض خاصة ، مما كان يدعو فى أغلب الأحيان إلى التزام نظام تقيلدى ثابت فى اختيار الحيوانات الممثلة وترتيب صورها . وقد حرص الصانع الفنان بدوره على أن يحقق فى هذه النقوش ما كان يهدف إليه من تنظيم وتنسيق . كما بذل فيها عناية بالغة فى تمثيل الحيوان وإبراز صفاته الجوهرية وخصائصه المميزة ، حتى ليعتبر عهد ما قبل الأسرات العصر الذهبى للنقش فى العاج على وجه الإطلاق . أما فى عهد بداية الأسرات فيدل ما حفظ لنا من النقوش فى العاج على أن المصريين قد استهدفوا فيها أغراضا جديدة ، لم يلبثوا أن بلغوا فيها غايتها بفضل ما بذلوه من جهود ومحاولات .
