الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 575الرجوع إلى "الثقافة"

من روائع الفن المصرى, النقش على العاج فى عصور مصر الأولى

Share

تسود نقوش العاج فيما قيل عهد الأسرات صور أنواع معينة من الحيوانات . . وقد بذل الفنان عناية بالغة فى تمثيل الحيوان وإبراز صفاته الجوهرية وخصائصه المميزة ، حتى ليعتبر عهد ما قبل الأسرات العصر الذهبى للنقش فى العاج على وجه الإطلاق .

أقبل المصريون منذ أوائل العصر الحجرى الحديث على استخدام العاج فى كثير من صناعاتهم ، وذلك سواء كان من أنياب أفراس النهر التى كان يزخر بها مجرى النيل فى مصر حتى عدة قرون مضت ، أو من أنياب الفيلة التى كانت تعيش بكثرة فى السودان . وقد صنعوا منه الأساور والدمالج والأمشاط ودبابيس الشعر ورءوس كثير من السهام والخطاطيف ومقابض بعض السكاكين والصحاف والملاعق وغيرها . ولا أدل على أهمية العاج فيما قبل عهد الأسرات من كثرة ما عثر عليه من مصنوعاته فى معبد الكوم الأحمر ، وإن كانت رطوبة الأرض قد أتلفت معظمها . وليس من شك فى أنه ساعد على استخدامه فى كثير من الصناعات كثافته ودقة حبيباته وصلاحيته للنقش والنحت ، فقد برع المصريون فى نقش الصور المختلفة عليه وعمل التماثيل الصغيرة منه للإنسان والحيوان .

ومن مصنوعات العاج المنقوشة من عهد ما قبل الأسرات مشط حفرت على كل من صفحتيه صور بعض الحيوانات فى صفوف منتظمة ، بحيث تتجه حيوانات كل صف إلى الجهة المضادة التى تتجه إليها حيوانات الصف التالى ( شكل ١ ) . ومما يزيد فى توكيد أهمية هذا الاتجاه أن

حيوانات كل صف على أى من صفحتى المشط تتجه إلى نفس الجانب الذى تتجه إليه حيوانات الصف المقابل على الصفحة الأخرى ، بحيث تبدو صور معظم الحيوانات وكأنها مثلت من جانبيها على كلتا الصفحتين . وفى صور هذه الحيوانات ما يدل على أنه كانت تحدو الفنان فى تمثيلها وترتيبها أغراض خاصة ،

ومما كان ينقش من مصنوعات العاج من عهد ما قبل الأسرات أيضا مقابض بعض السكاكين . وكان كل من هذه المقابض يصنع من قطعة واحدة من العاج يركب فيها نصل من الظران ، سحقت كلتا صفحتيه ، وشظيت إحداهما بدقة تامة . وكانت تجمع النصل مع المقبض جلبة غير عريضة من الذهب تمسكهما معا ، غير أنها ضاعت فى أغلب الأحيان . ويبرز فى وسط إحدى صفحتى المقبض نتوء مثقوب ، كان يعلق منه السكين . ومن أمثلة هذه المقابض " مقبض كرنارقون " وقد نقشت على صفحته المحدبة فى صفوف منتظمة صور اللقلق والزرافة ومالك الحزين والفيل والسبع والثور ؛ وعلى الصفحة الثانية الأيل والمهاة والتيتل والكلب وغيرها ، وذلك فى غير نظام واضح . وتدل هذه الصور على مهارة فائقة فى تمثيل الخصائص الجوهرية للحيوانات ، ويتجلى ذلك بصفة خاصة

فى صورة الفيل وهو يطأ بأقدامه ثعبانين ملتفين معا ( شكل ٢ ) ، فقد أجاد الحفار تمثيله حسب نسبه الطبيعية ، كما أبدع فى تمثيل الجبهة المائلة للرأس الصغير ، الذى يمتاز به الفيل الإفريقى ، وفى تمثيل الأذن بتجعداتها المتوازية ، مما يوحى بلدانتها وسهولة حركتها ، وفى تمثيل الأرجل وعظم الخاصرة ، حتى إنه ليقع فى روعنا أننا أمام صورة حية دقيقة . وفى متحف بروكلن فى الولايات المتحدة مقبض سكين عثر عليه هنرى دى مورجان فى " أبو زيدان " بالقرب من إدفو ، حفرت على صفحتيه مئتان وثمانى عشرة صورة لحيوانات مختلفة فى صفوف منتظمة ، حيث لا تكاد تزيد مساحة ما تشغله كل صورة على نصف سنتيمتر مربع ، مما ينطق بمهارة الصانع الفنان .

وتدل الصور المنقوشة على المشط ومقابض السكاكين على صفات مشتركة واضحة . فهى تقتصر على صور الحيوان وحده . وذلك فى صفوف متتالية دون خطوط تفصل أحدها عن الآخر ؛ ويقتصر كل صف فى معظم الحالات على صور نوع

واحد من الحيوان . ومع أن عدد صفوف الحيوانات يختلف فى كل حالة ، إلا أن الحيوانات الممثلة تكاد تنحصر فى أنواع معينة ، فليس بينها مثلا الحمار وفرس النهر والحر ، وهى من الحيوانات التى عرفها المصريون فيما قبل عهد الأسرات . وقد مثل كل حيوان بمفرده فى أغلب الأحيان ، بحيث تستقل صورته عن صور غيره من الحيوانات التى تسبقه وتليه . على أن بعض الحيوانات مثل فى مجموعات ، وذلك كالنسر الذى ينسر فريسته ، والفيل الذى يطأ بأقدامه ثعبانا أو ثعبانين . وتدل صفوف الحيوانات على ترتيب مقصود ؛ فصور النسور والفيلة واللقالق تعلو دائما صفوف غيرها من الحيوانات . وصور الحيوانات التى لم تمثل فى أعداد كبيرة كالكلب ومالك الحزين والسمك تلتزم دائما مكانا خاصا لا تتعداه ، وهو فى الغالب فى نهاية الصفوف . إلى جانب هذا يلاحظ عدم توالى صفين من الحيوانات المجترة أو المفترسة ، ويرجع بعض هذا كله إلى بعض التقاليد الفنية التى أخذت تشيع فى فن النقش على العاج وغيره ، ومنها ترتيب الصور وتنظيمها

ومحاولة تمثيل النوع بأكمله بالإكثار من صور مفرداته ( ١ ) . على أن بعضه الآخر يرجع بغير شك إلى طبيعة الأغراض التى كان يتوخاها المصريون فى هذه النقوش .

وليس من السهل الآن معرفة هذه الأغراض على وجه التحديد ، غير أنه مما تجدر ملاحظته أن أشكال الحيوانات فى صور ونقوش ما قبل الأسرات تسود غيرها من الأشكال ؛ وفى هذا ما يدل على أنه كانت لسكان وادى النيل فى العصور القديمة نظرة خاصة إلى هذه الحيوانات ، كان لها آثارها العميقة فى تصوراتهم وعقائدهم . مما كان يدعوهم إلى تصويرها ونقش أشكالها على كثير من أدواتهم . فى ضوء هذا يبدو أن صور الحيوانات ، وخاصة ما كان منها على مقابض السكاكين وقد كانت من بعض أدوات الصيد ، كما كانت أداة نحر الضحايا من الحيوان . لم تكن تخلو من أغراض سحرية ودينية . وهى وفرة الماشية وحيوانات الصيد ودرء شر الحيوانات الضارية . ومما يتفق مع هذا التزام نظام ثابت تقليدى فى اختيار الحيوانات الممثلة وترتيبها ، اعتقادا بأن فى ذلك ما يضمن تحقيق هذه الأغراض ، وإن كان هذا لم يكن ليمنع الفنان من مراعاة الاتجاهات الفنية التى سادت فى عصره .

ومع هذا فقد ذهب جورج بنديت إلى أن هذه النقوش إنما هى سجل جغرافى لمصر قبل قيام مملكة الوجه القبلى . أو بعبارة أخرى هى ثبت بالطواطم من الحيوانات لبعض القبائل أو العشائر المتجاورة . وذلك فى شكل تصويرى تحدوه فكرة الصيد ، مما يجعل من المستحيل انهاء الفنان أو صاحب السكين لأى من القبائل أو العشائر ذات الطواطم

المستضعفة ، وهي الحيوانات المجترة . ولا يتسع المجال هنا لمناقشة هذا الرأى ، غير أنه لا يخفى ما يبدو فيه من تكلف ظاهر . ومن الغريب أن يرى بنديت أن اقتصار الطواطم الممثلة على عالم الحيوان وانتظام تعاقب الحيوانات المفترسة والمجترة إنما يرجع إلى " نوع من الفكاهة " يسود تنسيق الحيوانات الطوطمية إلى حيوانات صائدة وحيوانات مصيدة ، مما يدل على ما كان يعتلج فى نفس الفنان من " شواغل فنية " ولا يرى فى التقاليد الفنية والأغراض السحرية والدينية ما يشرح ذلك .

ولسكين جبل العركى ( ١ ) أهمية خاصة ، إذ تختلف المناظر المنقوشة على صفحتى مقبضه عن المناظر المنقوشة على مقابض السكاكين الأخرى ( شكل ٣ ) . فعلى إحدى صفحتيه صفان يمثلان فريقين من الرجال يتقاتلان ، أحدهما بشعر قصير والآخر بشعر طويل . ويتألف رجال الفريق الأول من خمسة رجال مسلحين ؛ أما الفريق الثانى فتمثله ثلاثة رجال عاطلين من السلاح ورجل واحد يحمل سكينا . وجميع الرجال عراة إلا من حزام يتدلى منه جراب اسطوانى يخفى العورة . ويدل واقع الحال على رجحان كفة رجال الفريق الأول فى القتال ، وإن كان أحد رجال الفريق الثانى يمسك يد وذراع خصمه ليحول دون أن يطعنه بسكينه ، بينما يمسك آخر خصمه من ذراعه وفخذه ليلقى به على الأرض ، ويلى ذلك صفان من السفن من طرازين مختلفين ، أحدهما بقاع مسطح ومقدم ومؤخر مرتفعين . والثانى بقاع مقوس وعلى مقدمه رأس ظبى ( ٢ ) . وإلى يسار الصف الأول رجل بشعر قصير يمسك بحبل طويل غير أنه ينتمى لصورة صيد الوعل على الصفحة الثانية . وبين صفى السفن جثث الغرقى من الرجال فى أوضاع مختلفة . وليس من شك فى أن

هذا كله لا يمثل منظرا عاديا ، وإنما يسجل حادثا تاريخيا هاما ، على أنه مما يسترعى النظر من الناحية الفنية أن السفن لم تمثل بحيث تستقل كل منها عن غيرها . وإنما تتداخل أطرافها معا بحيث يقع مؤخر السفينة المتقدمة من خلف مقدم السفينة التالية ( شكل ٤ ) ، مما أدى إلى تقاطع الخطوط فى شكل جميل .

وتتوج الصفحة الثانية صورة بطل بلحية كثة ، ونقية طويلة ، وعلى رأسه ما يشبه القلنسوة أو العمامة ، وهو يمسك بأسدين ضخمين يقفان على جانبيه ، ويضع كل منهما كفه على خصر البطل فى هيئة التوسل أو التمجيد والتبجيل . ولهذه الصيغة ما يماثلها فى صور جدران مقبرة الكوم الأحمر ( شكل ٥ ) . ولكنها على مقبض سكين جبل العركى أكثر اتساقا ووضوحا وأعظم فخامة وتعبيرا . وقد ذهب بترى إلى أن هذه الصورة لا ترمز إلى المصالحة بين قوتين والحد من استعمال العنف بينهما ، وإنما تشير إلى

الاستحواذ على السلطة والتحكم فى طبائع الأشياء . ومن أسفل ذلك كلبان مطوقان يواجه كل منهما الآخر ويضع كفه البعيد عن الناظر على النتوء البارز فى وسط الصفحة وعلى يمين النتوء وعل ، وعلى يساره غزال ، ومن أسفل ذلك أسد يثب على مؤخرة ثور ، ومن ورائه وعل يتلفت برأسه إلى الخلف ، وقد علق بإحدى ساقيه الخلفيتين الوهق ، ويلى ذلك ثور وكلب ، ومن ورائه صياد ، لم يبق من صورته غير ساقه اليسرى وجراب العورة .

وقد رأى ريشارد هامان فى سائر صور هذه الصفحة منظرا واحدا ، لا يمثل الطبيعة كما هى فحسب ، وإنما يتعداها إلى عالم ما فوق الطبيعة . ففى أعلى الصورة إله الجبل أو إله الرعاة وحامى القطعان . وقد روض الطبيعة الوحشية للأسود ونالها لسلطته ؛ ومن دون ذلك الكلاب القوية التى تحمى وتحرس القطعان ! ثم يلى ذلك عالم الصحراء والواحات بحيواناته المختلفة ، ما يصاد منها وما يفترس غيره ،

أى بخبراته وأهواله ؛ ومن أسفل هذا كله الإنسان بقطيعه وما يتضمنه من أعباء ومخاوف . وبهذا لا تتجلى العناصر الجديدة فى تكوين هذا المنظر على ما يبدو فى مظهره " الخارجى من تصفيف وتراصف فحسب ، وإنما تتمثل أيضا فى الارتقاء معنويا بمجموعات الصور إلى ذروة تسمو بما لها من قوى تفوق قوى البشر ، مما يرقى بالصورة من عالم الطبيعة إلى عالم الأفكار والمعانى ، ومن عالم السحر إلى عالم الإيمان بقوة علوية وبنظام الحياة . وعلى ما فى هذا التفسير من طرافة وحسن تخريج ، فليس هناك ما يدل عليه دلالة قاطعة ، كما أنه ليس هناك ما ينقضه .

ومهما يكن من أمر فإنه تتجلى فى سائر نقوش هذا المقبض مهارة الفنان فى تنظيم الصور وتنسيقها بما يتفق وشكل المقبض ، كما تتجلى فيها أيضا براعته فى تمثيل الرجال والحيوانات على سجيتها ، وفى أوضاع وصيغ مختلفة ، تتميز بحيويتها وجمال نسبها ونقاوة خطوطها ووضوح أجزائها وخفة حركاتها ورشاقتها . ويتضح هذا بصفة خاصة فى صورتى الكلبين المتقابلين ، فقد أبدع الفنان فى تمثيلهما وإبراز خصائصهما الجوهرية وصفاتهما الطبيعية ، حتى إنهما لتعتبران من أجمل صور الحيوان وأصدقها على ضآلة المساحة التى يشغلانها ، مما يدل على براعة فائقة ومهارة ممتازة . علاوة على هذا لا يخفى ما يبدو فى حسن توزيع الأشكال ، وموافقتها لأماكنها ، وتراصف بعضها ، من جمال زخرفى رصين . وإذا كان هذا كله يدل على تأليف فنى مقصود ، وأن الفنان ساغ صوره وألف بينها بعد أن أحكم الروية والتدبر ، مما يقتضيه كل عمل فنى ، فإن هذه الصور توحى بأنها مثلت فى يسر وسهولة ، وعلى البداهة دون عناء أو تكلف بفضل

رهافة شعور الفنان ودقة وقوة ملاحظته وبراعته التامة . وعلى هذا يمكن أن يقال إن هذه النقوش إنما هى من نتاج المزاوجة بين التدبر الفنى ، وهو من أعمال الفكر وبين الشعور الفنى الدقيق والمهارة الفائقة . مما سما بها إلى درجة من الكمال لم تبلغها نقوش العاج فى أى عهد آخر . ومع هذا كله يلاحظ أن الفنان وإن كان قد نقش صوره وأشكاله فى صفوف منتظمة إلا أنه مثلها وكأنها تعمل أو تعدو فى الفضاء دون خط تستقر عليه ، يمثل الأرض أو الماء ، مما يعتبر من الصفات العامة للفن فيما قبل عهد الأسرات ،

عدا مقابض السكاكين المنقوشة لقد عثر على كثير من القطع الصغيرة من العاج فى معبد الكوم الأحمر ، نقشت عليها فى الغالب صور الحيوانات ، وبعضها فى غير ترتيب ظاهر ، وبعضها فى صفوف منتظمة تتجه إلى اليمين وإلى اليسار على التوالى ، أو تواجه ناحية واحدة . وفى العرابة المدفونة عثر أيضا على كثير من قطع العاج المنقوشة فى عهد بداية الأسرات ، ومنها ما يمثل رجالا بلحى طويلة وثياب مزركشة ، كما أن منها ما يمثل رجالا يحملون تقدمات مختلفة ، أو أسرى قيدت أذرعهم من وراء . علاوة على

هذا فقد كشف عن كثير من اللوحات الصغيرة من العاج والأبنوس ، كانت أشبه ببطاقات تعلق على بعض محتويات المقابر ؛ وهى تحمل عادة فى خطوط غائرة اسم إحدى السلع كالزيت مثلا . ونقوش هذه البطاقات من نوعين مختلفين ، يتألف أحدهما من اسم الملك واسم إحدى السلع ، ثم بعض الصور أو المناظر فى صفوف أفقية ، لعلها تمثل أهم الحوادث التى كانت تسمى بها سنوات حكم الملوك . أما النوع الثانى من النقوش فيتألف من علامة السنة واسم السنة واسم الملك وألقابه ثم اسم أحد كبار الموظفين واسم السلعة التى كانت تعلق عليها البطاقة ، ومن أمثلة ذلك بطاقات النصف الثانى من الأسرة الأولى .

وعلى ما نقوش البطاقات على اختلافها من أهمية تاريخية كبيرة ، فإنها من الناحية الفنية أقل قيمة من كثير من نقوش ما قبل الأسرات . ولا يرجع هذا إلى نضوب معين الهبات الفنية عند الفنانين أو إلى قلة الفنانين الموهوبين ، وإنما يرجع إلى ما كان لتوحيد البلاد من آثار عميقة فى انتشار الرخاء وازدياد مطالب الحياة الراقية المتحضرة واتساع آفاقها ، مما دعا الفنانين من جهة إلى إيثار الأحجار الصلدة يخلدون فيها أعمالهم الفنية ، ومما أدى من جهة أخرى إلى أن يقع على كواهل الكتاب أعباء ما تقتضيه الملكية المقدسة والحكومة القوية والأغراض الجنائزية من تسجيل الأعمال وتدوين الأخبار وإرصاد البيانات . وقد بذل الكتاب فى سبيل ذلك قصارى جهدهم ، وكان أهم ما يعنيهم تسجيل المعانى والأفكار ، مما شغلهم فى مثل هذه الحالات عن الناحية الفنية حتى وفقوا فى أقصر مدة إلى أسلوب للكتابة يعتمد على العلامات والرموز ، مما يتفق وما تقتضيه الحياة السياسية الجديدة ، بدلا من أن يعتمد على التمثيل والتصوير . ولهذا كله يبدو فى نقوش هذه البطاقات رغبة قوية فى هجر الموضوعات التقليدية ذات الأغراض المحدودة ، واتجاها واضحا نحو تمثيل الحركة والمناظر الحية المعقدة . ولم يكن الغرض من هذه المناظر ما تمثله فى حد ذاته بقدر ما كان لتسجيل ما تدل عليه من معان وأفكار ، وإن كان أكثرها يخفى علينا الآن .

يتضح من هذا كله أنه تسود نقوش العاج فيما قبل عهد الأسرات صور أنواع معينة من الحيوانات لأغراض خاصة ، مما كان يدعو فى أغلب الأحيان إلى التزام نظام تقيلدى ثابت فى اختيار الحيوانات الممثلة وترتيب صورها . وقد حرص الصانع الفنان بدوره على أن يحقق فى هذه النقوش ما كان يهدف إليه من تنظيم وتنسيق . كما بذل فيها عناية بالغة فى تمثيل الحيوان وإبراز صفاته الجوهرية وخصائصه المميزة ، حتى ليعتبر عهد ما قبل الأسرات العصر الذهبى للنقش فى العاج على وجه الإطلاق . أما فى عهد بداية الأسرات فيدل ما حفظ لنا من النقوش فى العاج على أن المصريين قد استهدفوا فيها أغراضا جديدة ، لم يلبثوا أن بلغوا فيها غايتها بفضل ما بذلوه من جهود ومحاولات .

اشترك في نشرتنا البريدية