كشف في نهاية القرن القاضي في معبد الكوم الأحمر ) هيراكونيولس ( عن مجموعة كبيرة من التماثيل من العاج ،
وجد بعضها ملقي فوق بعض في غير نظام أو ترتيب ، وقد أضرت بها كثيرا رطوبة الأرض وأملاحها ، كما صدعت بعضها جذور الخلفاء المنشعة في الأرض بما احال أكثرها إلي عجينة رخوة أو إلي حفنة من الغراب أو السال وما بني منها لم يلبث أن استحال بعضه بمجرد تعرضه للهواء إلى تراب . أو شرائح غير منتظمة ، أو أساطين عجوفة ينزلق بعضها فوق بعض . وما نجا منها بعد هذا كله لم يسلم سطح الخارجي
من التلف ، بما أفقده كالجنه وجمال سناعته ؛ ومع هذا فهو يتم عما بلغه المثال الصري من مهارة في تحت العاج مما يورث الأسى على تلف هذه الذخيرة النادرة ، التي يرجع تاريخها إلى ما قبل عهد الأسرات بقليل أو إلى بداية الأسرات على الأكثر
ومن أجمل ما بني من هذه الذخيرة رأسان صغيران ، أحدهما بلباس بشبه تاج الوجه القبلي ) شكل ١ ( ، وفي ملامح الآخر ما يشبه سمات الليبيين بلحاهم الطويلة ) شكل ٢ (
وقد كانت عينا كل منهما والحاجبان من مادة اخري علي نحو ما جرى في كثير من تماثيل ذلك العهد . ويدل شكل
كل من العين والحاجب على تقدم ملحوظ في تحت التماثيل من العاج ، كما أن في تمثيل الحمجمة والفم والأنف ما يدل على دقة كبيرة وأناقة واضحة في تمثيل ملامح الإنسان . وما حفظ من تماثيل الرجال يمثلهم عادة واقفن وأذرعهم إلى جوانهم وأيديهم مبسوطة وسيقانهم جنبا إلي جنب ؛ على أن منها تمثالا كان يمثل صاحبه وساقه اليسري تتقدم خطوة إلى الأمام ، مما أصبح من التقاليد الثابتة في تماثيل الرجال طوال عهد الأسرات .
ومن قطع العاج المنحوه عوزج صغير لقارب مجلس فيه رجل ) شكل ٣ ( ، وقطتان مثل كل منهما اسيرا بذراهين مقيدتين وجسم مففوس ) شكل ٤ ( على نحو بعض مقابض الح التى عثر عليها في مقبرة نوث عنخ آمون ؛ وقطعة أخرى على شكل أسير لبي راكع ، يرجح أنها كانت رجل نموذج صغير من القاعد ) شكل ٥ ( . وفي هذه القطع الصغيرة ما يدل على براعة ودقة في تمثيل الصفات الجوهرية للشعوب الأجنبية ، وهو ما كان من
تتمثل في كثير من هذه التماثيل ذروة ما بلغه فن النحت في العاج في مصر القديمة .
وهي بدقة ملامحها ، وسلاسة خطوطها ، وما يسري فيها من حبوبة كشهد بما أصبح للمثال المصري إذ ذاك من قدرة فنية ممتازة على حت سور الإنسان في براعة فائقة وفي شئ كثير من الصدق والإخلاص . .
أهم مميزات الفن المصري في مختلف عصوره التاريخية . وتماثيل النساء تمثلهن بملامح دقيقة ، وقامات رشيقة ، ورجوء سبحة مشرقة ، وقد عالج المنال عثيل شعورهن في عناية كبيرة بما لا يكاد مختلف عما في كثير من تماثيل الدولة الحديثة ( شكل ٧،٦ )ومع هذا ثمن التماثيل ما يمثل امرأة بدينة بساقين مقوستين ، وقد كان هذا التمثال من قلعتين مما يدل على خبرة المثال بصناعة التمثال من أكثر من قطعة واحدة .
وفي أوائل القرن الحالي كشف في أرض إحدى الفرف القرية من معبد أزوريس في العرابة للدفونة ) أبيدوس ) عن بعض التماثيل الصغيرة من العاج من عهد
بداية الأسرات ، ومنها تمثال لرجل يمثله ورجله اليمني تتأخر خطوة إلى الوراء ، وآخر لسيدة من صناعة دقيقة ، وبضعة عائل لأطفال واقفين أو قابعين يضعون سبابة اليد اليمني في أفواههم بما يميز عائل الأطفال في الدولة القديمة . وأهمها جميعا تمثال ملك بتاج الوجه القبلي يلتحف برداء مطرز ، وهو محفوظ الآن في المتحف البريطاني ( شكل ٨ ( .
وكانت تبدو على وجهه حمات الشيخوخة ، مما دعا إلى الاعتقاد بأنه يمثل ملكا هرما ؛ وقد قوي هذا الزعم اخناء الرأس قليلا إلي الأمام ، وما كان يبدو في الكتفين من نفوس لانقسام إحداهما عن موضعها ، ولما كان يعلو الظهر من
أوساخ . على أنه بعد تنظيفه وإصلاحه اختفت منه سمات الشيخوخة ، كما انه نوح مما بني من الساقين أن الفرجة بينهما كانت بالنسبة لحجم التمثال أوسع عنها في تماثيل الرجال التي تمثلهم والساق اليسري إلي الأمام ، ولهذا يبدو أنه يمثل الملك وهو يعدو في بعض طنوس عبد " السد " مما يدل عليه أيضا رداؤه واستقرار يديه على صدره ، وقد كانتنا نفيضان على المذية والصولجان على الأرجح . وفي هذا يتجلي السبب في انحناء الرأس إلى الأمام ، مما يشهد بقوة ملاحظة المثال ، كما أن في العينين الغائرتين وفي إشراف الأنف وانتشار المخرين وبروز الشفتين
وامتلأتهما ما يوحي بمنايته بتمثيل ملامح الوجه في صدي بقدر ما كانت تسمح به المعتقدات السائدة .
ومن الأمثلة الجليلة أيضا لفن النحت في العاج في بداية الأسرات تمثال صغير لا يتجاوز طوله ١٢ سنتيمترا ، استطاع متحف الأوفر اقتنامه في عام ١٩٣١ ) شكل ٩ ( . وهو يمثل سيدة عارية تضم ساقيها جنبا إلي جنب ؛ ومع أد سطحه الخارج وبعض أجزائه قد تعرضت للتلف ، إلا أنه يمتاز بدقة ملاءه وما يتجلى فيها من حلاوة وجمال هادي رصين ، كما يمتاز برشاقة خطوطه وطراوتها وما تقبض به من حياة صادقة لا تكلف فيها ، مما يدل علي قدرة فنية تسمو بالمثال إلى مركز ممتاز بين الفنانين وإن كان لم يقدر لاسمه البقاء .
مدا هذا لقد أمكن لكل من التحف البريطاني ومتحف برلين اقتنا بعض عائيل صغيرة من العاج ، يمثل كل منها امرأة تحمل طفلها على خاصرتها ، على نحو بعض تماثيل الدولة القديمة وللتوسطة ، أو على كتفها أو بين يديها ) شكل ١٠ ( ، مما يدل على أن المثال لم يكن يحفل في ذلك الزمن البعيد من صناعة بعض مجموعات التماثيل ، التى يمثل كل منها شخصين بما يبين العلاقة بينهما .
ولا يعرف الآن على وجه الحقيقي الغرض من هذه التماثيل علي اختلافها ، على أنه إذ وجد أغلبها في كل من معبدي الكوم الأحمر والعراية للدفونة ، فهي لذلك تماثيل معابد ، بما يميزها عن مماثيل ويعقد الصلة بينها وبين تماثيل الآلهة أو علي الأقل يربط بينها وبين الطقوس الدينية التي كانت تؤدي في المعابد ، على آية حال تتمثل في كثير من هذه التماثيل ذروة ما بلغنه فن النحت في العاج في مصر القديمة . وهي بدقة ملاعها ، وسلاسة خطوطها ، وما يسري فيها من حبوبة ، تشهد بما أصبح للمثال المصري إذ ذاك من قدرة فنية ممتازة على تحت صور الإنسان في براعة فائقة وفي شئ كثير من الصدق والإخلاص ، بما يرفي بها عن كثير من تماثيل العصور التالية في مصر القديمة التي غدت ترزح تحت عبء التقاليد للورونة والطرز الفنية الرسمية ، ومع هذا ففي جمال حمائها ، وملاحة قسمانها ، وما يتمثل فيها من شباب وفتوة ما يوحي بأنه أضي على الصورة الإنسانية شيئا غير قليل من الجمال والحسن ، بما سما بها عن عوادي الأيام وصروقها ، مما يتفق وما كان يهدف إليه من أغراض
