الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 933الرجوع إلى "الرسالة"

من صور الحياة

Share

لي صديق عرف بالتقوى، جاءني مرة عابس الوجه قائلاً: أن

أشد ما يؤلم النفس ويضعف الهمة أن يهدر الحق وتنطمس معالمه،  وقد يزول أثره ثم يقام على أنقاضه الباطل على هوانه ليصبح على  ضعفه مدوياً!

قلت وما ذاك؟ فقال: ذلك أن من يعتز بشخصيته ويتفانى  في أداء واجبه غير حاسب لأحد حساباً سوى ضميره والخوف من  الله تعالى؛ غير مرضى عنه لأنه غير سائر في ركب الحياة الدراجة  غير ماهر في التزلف والنفاق، بل لم تطبعه الأيام بطابعها الذي يبتسم  بالرياء والمداهنة. . .

تلك هي جنايتي! ولا يكون من ورائها إلا أنني - على  اجتهادي - أقل من غيري نجاحا في عملي، وفي هذا قلب للحقائق  وتمويه شنيع مما يجعلني أسائل نفسي: أليس هناك تقدير، أليس  هناك ضمير؟ ثم حيرتي بل حزني بين ضميري وواجبي!

عند ذلك أسفت واعترتني دهشة بل حسرة ثم نظرت إليه  بهدوء وقلت: استعن بالله ولا ضير عليك ما دمت تعمل ما يرضي  الله وضميرك، ولا يحزنك ما تراه من غمط الحق فالحياة هكذا  وتصاريف الأقدار على الرقاب؛ كل يوم ذات لون جديد يحير  العقول والإفهام!

ثم تدور الأيام ويذهب ذلك العهد إلى غير رجعة ويأتي عهد  جديد تقدر فيه القيم، ولا ينظر فيها غير العمل المنتج والشخصية  التي تعمل بهدوء وبدون ضوضاء.

وهكذا يقابلني صديق منبسط الأسارير منشرح الصدر قائلاً  من فوره: قد انقشعت الغمة وزال، ومضى ذلك العهد  البائد، عهد التزلف والنفاق، وفتح عهد جديد يشيد بالحق  نوعا ماً.

فقلت له: على رسلك! لا تفرح الفرح كله، فسترى بعد ذلك  ما يسرك أكثر مما ترى ثم ما يبغضك ثم ما يرضيك، وهكذا  دواليك وفي ذلك المعنى الحقيقي للحياة في تناحرها الدائم! ثم نظر إلى بعد أن لاذ بالصمت برهة قائلاً: أصحيح ما تقول  أيها الصديق؟

فقلت له: لعلك - يا أخي - لم تجرب الحياة بعد وقد  يكون ذلك لقرب عهدك بها أو لقرب عهدها بك، فستراها

أمامك واسعة رحيبة مرة ثم تراها أضيق من سم الخياط! فلا  تحزن الحزن كله؛ بل لا تفرح الفرح كله!!

شطانوف

اشترك في نشرتنا البريدية