الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 583الرجوع إلى "الرسالة"

من غير تعليق:،

Share

في عدد الثقافة الأخير قرأت كلمة للأستاذ (ح. ج)  تحت  عنوان: (سعد وسعوده)  جاء فيها: (نريد أن نتكلم عن  سعد - الإنسان العادي - لا عن سعد الزعيم المتفرد، ولا عن  سعد الخطيب المصقع، ولا عن سعد الخصم الجبار، فإن قصر  الحديث في هذه الناحية وحدها من نواحيه المتعددة خليق أن  يضرب بينه وبين الناس حجاباً يحول دون انتفاعهم بقدرته،  والنسج على منواله في الحياة

وإني لأذكر أن كاتباً من كتابنا النابهين كتب عن  شخصية سعد فقال ما معناه: إن الإنسان لينظر إلى سعد  فيحس أنه على مقربة من رجل ممتاز في جسمه كما هو ممتاز في  عقله. وإن طلعته لتذكر الناظر إليه بطلعة الأسد. وإنه ليس  بين الوجوه الآدمية ما هو أشبه في قسماته ومهابته من سعد زغلول

(أذكر أني قرأت هذا الوصف في كتاب كنت أرجو  أن ألتمس فيه لنفسي عوناً على الوصول إلى شيء من أسباب  العظمة التي سلكت سعداً في سجل العظماء؛ فإن الإنسان  ليقرأ سير العظماء ويبتغي أن يقع فيها على سرهم، لعله أن يصيب  حظاً مثل حظهم. ولكنني قمت إلى المرآة بعد قراءة هذا الوصف  أتفحص قسمات وجهي. فلم أر فيها شيئاً يشبه الأسد من قريب  ولا من بعيد. ورأيتني فرد كغيري من الآدميين الكثيرين،  فارتددت وفي نفسي شيء من خيبة الأمل على أن الطبيعة سلبتني  أول مقومات العظمة التي حبت بها زعيمها الخالد!

(وأنا اليوم لا أريد أن أدفع اليأس في قلب قارئ جديد  بالتحدث عن عظمة سعد، ولذلك اخترت أن أتحدث عنه  لا بوصف كونه أمة في فرد ولا بوصف كونه الجبار العنيد،  ولا على أنه الشجاع الأعزل الذي وقف في وجه الدولة المسلحة (ولكني أريد أن أكتب عنه باعتباره إنساناً له نواحي  ضعفه أحياناً، وله من الصفات الكثيرة ما يشاركه فيه كل  إنسان آخر)

ثم تحدث الأستاذ (ح. ج)  عن رقة شعور سعد التي  جعلته لا يطيق باكياً أمامه ولا يستقبل أم المصريين في جبل  طارق على المرسى خوف أن تجيش نفسه. وعن اضطلاعه بالمهام  الكبار وهو مريض بجملة أمراض. وعن إثارة الأزمات لحيويته  ونفي المرض عنه. ومن فكاهته مع الأزهريين الذين طلبوا  إرسالهم في بعثات إلى أوربا. وعن مداعبته لزملاء المنفى في  مالطة المتأثرين لما يصيب زوجاتهم من قلق عليهم بأن يخبروهن  أنهم تزوجوا غيرهن فيبطل القلق!

والذي يقرأ هذا الكلام بما فيه من تهكم على حكاية وجه  الأسد (يخيل إليه أن الكتاب الذي يشير إليه الأستاذ (ح. ج)    قد سار كله على النسق الذي عرض الأستاذ به، وأنه أغفل من  سعد تلك الجوانب الإنسانية التي فطن إليها كاتب المقال

ولما كنت أذكر ذلك الكتاب الذي يعنيه فقد عدت  إليه فوجدت أن (كاتباً من كتابنا النابهين)  هذا. هو الذي  يقول في كتابه بتطويل وتفصيل نجمله في اختصار شديد:

(إن الذي يحسب سعداً مكافحاً مناضلاً فقط يخطئ في  فهمه، وأنه: (لم يكن أصلح منه للعطف والصداقة وحسن المودة  والأنس بالناس والارتياح إلى المعاشرة. وقد حفظ قلبه الكبير  ما أودعته الفطرة من ذخيرة العطف الزاخر إلى آخر أيام الحياة.  فإذا تأثرت نفسه بحالة مفرحة أو محزنة؛ فكثيراً ما تغرورق  عيناه أو تنهملان بالدمع الغزير. وكان في مجالسه الخاصة من

أقدر الناس على مؤانسة الجلساء بالحديث الشائق والفكاهة  الحاضرة والحدب المطبوع، ثم يذكر بالذات حكاية أنه لم يكن  يطيق باكياً، وأنه لم يستقبل أم المصريين في جبل طارق،  وفكاهته مع الأزهريين ودعابته لزملاء مالطة في هذا الموضع.  ويذكر في موضع آخر استجاشة الأزمات لحيويته واضطلاعه

بالأعباء مع مرضه. . . وهو كل ما ذكره الأستاذ (ح. ج) ثم  يزيد جوانب إنسانية أخرى له في بيته ومع أصدقائه وخصومه،  ويكشف عن هذه الجوانب في سعد بكل تفصيل

هذا الكتاب هو كتاب (سعد زغلول. سيرة  وتحية) ، وهذا (الكاتب من كتابنا النابهين) هو  الأستاذ العقاد. . . أما الأستاذ (ح. ج) فمن رجال القضاء العادلين!

اشترك في نشرتنا البريدية