كان للمظهر الفنى البديع الذى ظهرت فيه فرقة (دبلن جيت) الأيرلندية فى العام الماضى ما جعل وزارة المعارف العمومية تستقدمها فى هذا العام أيضاً لتحى موسم الدرامة الإنجليزى على مسرح الأوبرا الملكى
ويذكر قراء الرسالة أنه سبق لنا الحديث عن هذه الفرقة وعن مقدرة مخرجها المستر (هلتن ادواردز) الذى يعمد فى إخراج رواياته إلى الطريقة الإيمائية إذ يراها وسيلة لأشغال بال رواد المسرح وتفكيرهم فيكونون بذلك عنصرا من عناصر الرواية والتمثيل. وعنده أن من يقصد المسرح يجب أن يجلس منتبه الحواس لكل كلمة وكل حركة أو إشارة تبدو من الممثلين فى حين أن من يقصد السينما يجلس فى مكانه هادئ البال مرتاح الفكر يرى الأشياء تعرض أمامه عرضا سهلا لا يكلفه عناء لأن المدير الفنى يجعل عدسة التصوير تحصر أمامه ما يريد أن يوجه الأنظار إليه. وليس من شك فى أن طلبة البكالوريا هذا العام سيقصدون دار الأوبرا لمشاهدة رواية (لابورنم جروف) المقررة عليهم فنرجو أن ينتبهوا إلى طريقة المخرج وفكرته فى الإخراج: من استعمال المنظر الواحد لتمثيل مشاهد ومناظر متعددة مستعينا بالإضاءة وبالنظارة فى تخيل المنظر المتجدد وما إلى هذا من الطرق التى لم يألفوها فى المسرح المصرى؛ فعليهم إلا يضيقوا بما يرون وأن يحاولوا إدراك مرامى هذا المخرج وأن يتتبعوا الممثلين فيستمتعوا بالقصة والتمثيل
وممثلو الفرقة ليسوا فى حاجة إلى أن أتحدث عنهم، فهم على جانب عظيم من النبوغ والمقدرة لاسيما الممثل الأول المستر ميكائيل ماك ليمور الذى نال إعجاب النقاد ورواد المسرح فى العام الماضى
عندما مثل هملت وروميو فى روايتى شكسبير وكذلك المستر هلتن ادواردز الذى أبدا مهارة فائقة فى أداء دور الملك فى روايات هملت والكابتن شاتوفا فى رواية (بيت القلوب المحطمة) لبرناردشو. وقد ضمت الفرقة إلى مجموعتها السابقة ممثلا كبيرا هو المستر (آنيوماك ماستر) الذى يزور مصر للمرة الأولى وقد اشتغل فى أكبر مسارح الوست اند بلندن وقام بتمثيل كثير من الأدوار الرئيسية منها عطيل فى رواية شكسبير
هذا وستمثل الفرقة مجموعة طيبة من الروايات التمثيلية لأكبر الكتاب الأيرلنديين والإنجليز والإيطاليين منها: (مدرسة النميمة) لشريدان، (أهمية انتحال اسم إرنست) لأوسكار وايلد (صورة فى الرخام) لهازل إليس، (عطيل) ، (الليلة الثانية عشرة) لشكسبير، (لابورنم جروف) لبريستلى، (ملاك الموت فى إجازة) لالبرتوكاسللى وغيرها.
ملاك الموت فى إجازة Death Takes a Holiday
هي مهزلة خرافية ألفها الكاتب الإيطالى (البرتوكاسللى) ونقلها إلى الإنجليزية (والتر فريس) فكرته عجيبة وطريفة حببت رجال السينما إلى إخراجها على الشريط وقد عرضت فى موسم القاهرة الماضى. لاحظ ملاك الموت أن الناس يخشونه ويفزعون منه فأراد أن يعرف سر هذا الفزع وسر بغض الناس له وأن يدرك بنفسه ما يحبب الناس فى الحياة والخلود.
نزل إلى الأرض كظل أو طيف يرى، وبينما هو يطوف إذ يشاهد قصرا للدوق (لامبرتو) عامرا بالضيوف فيمر بالحديقة ويلتقى بفتاة جميلة تدعى (جرازيا) من اللواتى يعشقن الخيال والجمال والشعر فتفزع منه
ويظهر الموت لرب الأسرة ويفصح له عن حقيقته وأنه سوف يتجسد فى صورة إنسان ويأتى إلى القصر باسم الأمير (ساركى) حتى يستطيع فى معاشرته للضيوف أن يلمس السر الذى أتعبه وأقلقه كثيرا ويطلب إلى الدوق أن يكتم السر خلال أيام ثلاثة يقضيها بينهم عاطلا لا يموت فيها إنسان ولا تسقط ورقة من شجرة أو تذبل زهرة. اختلط الأمير ساركى بين الضيوف فأحسوا بشىء من التغيير
في حياتهم، فهذا شيخ عجوز أحس بدم الشباب يجري فى عروقه وعاد له النشاط والمرح وتذكر الحب، وهذه فتاة تحب الأمير وتختلى به، فلما يحدق فيها وتحدق فيه ترى فى عينيه عمقا يفزعها وتكاد تلمس سره فتصرخ خائفة، فيقول لها إنها لم تحبه وأن كل ما تحس به هى (عاطفة الساعة) وأحب ملاك الموت (جرازيا الصغيرة) وأحبته هى ورأى أنها تختلف عن الفتاة الأخرى تماما. ولما أخبرها أنه سيرحل بعيدا عن هذه البلاد طلبت إليه أن يأخذها معه، فلما بين لها صعوبة ذلك عليه وعليها قالت له إن الحياة بدون الحب لا تساوى شيئا.
ويعرف رب القصر بحبهما ويضطر أن يصرح لضيوفه بالسر الرهيب فيتبدل مظهرهم ويفزعون، وهذا الشيخ المرح قد عادت إليه الكآبة وثقل السنين، وهذه الزهور تذبل، ولكن أم الفتاة والدوق يخشيان أن تذهب الفتاة الصغيرة مع ملاك الموت دون أن تدرى حقيقة أمره فيطالبونه أن يصرح لها بالحقيقة كاملة، ولكنه يخشى أن يفقدها إذا هى عرفت ولكن أمام الواجب يفهمها رويدا رويدا ومع ذلك لا تفزع. فيتغير من إنسان إلى طيف فلا ترى فيه هذا التغير وترجوه أن يأخذها معه حتى إلى الفناء وتسير إليه فيفتح لها ذراعيه وتسقط أوراق الأشجار ويستأنف الموت مهمته فى الحياة). وهكذا أراد الموت أن يهزأ من الناس فهزأ الناس منه)
استطاع المخرج أن يصور الطيف والظلال التى تسقط على الحجرات فى صورة بديعة كان لها الأثر المطلوب فى نفوس النظارة، وكانت الإضاءة غاية فى السرعة، وقام المستر ميكائيل ماك ليمور بدور ملك الموت فكان بديعا كما أجادت الآنسة شبيلا ماى أداء دور جرازيا فى سذاجتها وروحها الشعرية
عطيل Otello
هى تراجيدية شكسبير المشهورة التى نقلها إلى العربية الأستاذ خليل مطران ومثل عطيل الأستاذ جورج أبيض ومثل ياجو أمامه عدد من كبار الممثلين منهم منسى فهمى وزكى طليمات ويوسف وهبى والرواية تصور لنا كيف أحب البطل المغربي (عطيل) الفتاة النبيلة (ديدمونه) وكيف استطاع ياجو أن يدوى فى أذنى عطيل بأن امرأته تخونه ويحيك خطة جهنمية تساعده على الوصول إلى أغراضه فيثور المغربى ويصرخ ويصل فى ثورته إلى حد الجنون والقتل
يقتل ديدمونة التى أحبها والتى أحبته وفضلته على كل النبلاء من أهل جنسها وتزوجت منه برغم والدها، وأخيرا وبعد فوات الفرصة يعرف أنها كانت بريئة فيطعن ياجو ويغمد خنجره فى صدره ويجود بأنفاسه على قبلة من فم من أحبها) عمد المخرج إلى طريقته المعروفة فى الاعتماد على المنظر الواحد مستعيناً بالإضاءة بين فصل وآخر، وكان موفقا إذ اختار ستارا خلفيا يمثل السماء كان له أثر كبير فى توضيح حركات الممثلين كلما كان الضوء خافتا فى مقدمة المسرح.
مثل المستر (آنيوماك ماستر دور عطيل فأعطى صورة قوية لهذه الشخصية. كان متطرفا فى البدء كعادة المحب ولكنه انقلب فى الفصل الثانى إلى رجل هائل ثائر.
كان بديعا فى إلقائه فى حركاته التى تعبر عما يضطرم في نفسه عند كل كلمة يلفظها ياجو، وكان عظيما فى ثورته فى الفصل الثانى وفى الفصل الأخير بعد ما قتل ديدمونة وأحس أنه فقدها.
ومثل المستر ادوارد دور ياجو فأعطى صورة طبيعية من الشخصية ولم يلجأ إلى المغالاة، وكانت الممثلة (آن كلارك) بديعة فى دور ديدمونة

