الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 960الرجوع إلى "الرسالة"

موقفنا من الاستعمار الثقافى

Share

ما هو موقفنا اليوم من الاستعمار الثقافى؟ سؤال يتردد فى الأذهان ومن حقه أن يتردد، ويستقر على كل لسان ومن حقه أن يستقر، ويوجه إلى معالى وزير المعارف ورجاء السائلين  فيه أن يجيب!

إننا اليوم نخوض المعركة؛ معركة الحرية والاستقلال، أو  معركة الشرف والكرامة. نخوضها ضد الغاضب المستعمر بكل  سلاح من أسلحة الكفاح وكل وسيلة من وسائل النضال،  وهدفنا المقدس هو أن نتخلص من كل قيد فرضه علينا الاستعمار وأرغمنا على قبوله، منذ أن وطئت أقدامه المجرمة أرض هذا  الوطن.. هناك الاستعمار العسكرى وقد وقفنا فى وجهه حين  ألغينا المعاهدة، وهناك الاستعمار الاقتصادى وقد حاربناه حين  قررنا مقاطعة البضائع الإنجليزية، وبقى الاستعمار الثقافى جاثما على الصدور والعقول حيث قدر له أن (يحتل) مكانه (المقدس)

فى المدارس والجامعات!

هل نحن محتاجون إلى اللغة الإنجليزية والثقافة الإنجليزية؟  أشهد أن تلك اللغة ليست أشرف اللغات، وأن هذه الثقافة ليست أعمق الثقافات، ولكن منطق القوة وحده هو الذى أضفى  عليهما من زيف الطلاء ما بهر العيون وطمأن الظنون، وأحلهما المحل الأول من قاعات الدرس وأفكار الطلاب فى كل مرحلة من  مراحل التعليم!!

إنها حقيقة لا تقبل الجدل حين نقول إن تلك اللغة قد فرضت  علينا منذ أعوام تقرب من السبعين، وأن منطق القوة هو الذى فرضها علينا كما فرض علينا كل قيد من قيود الظلم والضيم  والخضوع.. كان هذا بالأمس. أما اليوم وقد قررنا أن نحطم  القيود والأصفاد، وأن نكفر بالعهود والوعود، وأن ننتقل من مرحلة العبيد إلى مرحلة الأحرار؛ أما اليوم وقد قررنا هذا كله فيجب أن نقرن القول بالعمل، وأن نهجر الخيال إلى الواقع، وأن نؤمن بأن الإقدام خير من الإحجام. وإننا لنستطيع..  نستطيع أن نفهم المستعمر أننا قادرون على طرد استعماره  العسكرى لأننا فى غنى عن حمايته؛ وسحق استعماره الاقتصادى  لأننا فى غنى عن بضاعته، ونبذ استعماره الثقافى لأننا فى غنى عن  ثقافته..

ماذا ينتظر معالى وزير المعارف بعد أن وقف معالى وزير الخارجية  ليتحدث إلى العالم من فوق منبر الأمم المتحدة، ليتحدث عن دم  المصريين الذى أراقته الحراب البريطانية، وعن حقوق المصريين التى  هضمتها الهجمة البريطانية، وعن كرامة المصريين التى أهدرتها  النذالة البرطانية؟ حسبنا منه هذه الكلمات أو هذه الصرخات  وهو يقول: (عندما عقدت جمعيتنا العامة دورتها الخامسة فى  شهر سبتمبر من العام الماضى ,كانت أحلك الغيوم التى تلقى ظلها  الكثيف على هذا العالم المضطرب هى حرب كوريا، أما فى هذا  العام فهنالك حربان، حرب فى كوريا، وحرب فى البلد الذى أتشرف الآن بأن أخاطبهم باسمه.. إنها حرب حقيقية تشنها على مصر دولة لا تزال تدعى بأنها حليف لمصر! لقد تدفقت الإمدادات  البريطانية من برية وبحرية وجوية على منطقة قناة السويس  لمضاعفة قوات الاحتلال. ولقد استولت هذه القوات على المنطقة بأكملها ووضعتها تحت الحكم العسكرى وعزلتها عن سائر أجزاء المملكة ووضعت يدها على المرافق العامة، واعتدت على السلطة القضائية  فمنع القضاة من مباشرة مهمتهم المقدسة فى هذا الجزء من أرض  الوطن، ومنهم من قبض عليه وحرم الطعام يومين كاملين..  ولم يقتصد جنود الاحتلال في إطلاق النار على رجال الجيش  والبوليس فضلا عن المدنيين الآمنين، ولم يتورعوا عن قتل النساء  والأطفال!

(لقد أبدى مندوب الولايات المتحدة ووزير خارجيتها فى خطابه  البليغ عنايته بحقوق الإنسان، وخبرنا عن بعض الحوادث التى  وقعت فى المجر وتشيكوسلوفاكيا فوصفها بأنها سحق وحشى للحرية، وإنى لأسائل نفسى أى وصف يمكن أن يطلقه على  الفظائع التى يرتكبها فى منطقة القتال أصدقاؤه وحفاؤه  البريطانيون؟ أما أنا فلا أتردد فى أن أدعوها عدوانا همجيا  مخجلا من المملكة المتحدة، وخرقا صارخا للسلام العالمى والأمن الدولى، وامتهانا بالغا لمبادئ الميثاق وأهدافه السامية!!)

ماذا نقول لمعالى وزير المعارف بعد الذى قاله معالى وزير  الخارجية؟ نقول إن اللغة التى تهين كرامتنا يجب أن تلغى، وإن

الثقافة التى تشين قوميتنا يجب أن تلعن: فى كل كتاب توجد،  وفى كل مدرسة تلقن، وعلى كل لسان تنطق، وهذا هو أيسر الجزاء وأهون العزاء.. إن تلك اللغة كما قلنا ليست أشرف اللغات وإن هذه الثقافة ليست أعمق الثقافات، فلم لا تستبدل بهما لغة الألمان وثقافة الألمان، أو لغة الروس وثقافة الروس، أو لغة  الفرنسيين وثقافة الفرنسيين؟ لم لانفعل والمعنى البعيد كامن وراء هذه الكلمات؟ المعنى البعيد الذى يتمثل فى كرامتنا حين نكون  (أحرارا)  فى اختيار لغة أخرى غير لغة الخصوم؛ وتفضيل ثقافة  أخرى على ثقافة الأعداء!

هذا هو المعنى البعيد الذى نهدف أليه.. لقد عزمنا عل أن نكون  أحرارا، أحرارا فى كل شىء، أحرارا حين نأخذ وحين  ندع، حين نقبل وحين نعرض، حين نسالم وحين نخاصم،  حين نرفض وحين نختار. وما دمنا قد انتهينا إلى هذا الطريق  وارتضينا أن نسير فيه، فلا معنى للتريث ولا مغزى للتردد ولا  مبرر لإطالة التفكير، لأنها ستكون حرية مشوهه تلك التى  تقضى على لونين من ألوان الاستعمار ثم تبقى على لونه الأخير،  ونعنى به ذلك الاستعمار الثقافى الجاثم على الصدور والعقول!

إننا حين نجهر بهذه الكلمات لا نشك لحظة فى وطنية معالى وزير المعارف، وإنما نهيب بوطنيته أن تعجل بالضربة القاصمة وأن تبادر بالخطوة الحاسمة، حتى يتحقق ذلك المعنى البعيد  الذى رمينا إليه، والذى لا يغيب عن فطنة الخصوم.. وحول  محور هذا المعنى نريد أن نقول: إن تلك اللغة التى فرضت بالأمس  بقوة السلاح يجب أن ترفض اليوم بقوة الإرادة؛ وإذا خطر لنا  أن نعيدها مرة أخرى فى الغد البعيد فلا بأس علينا من ذلك ولا بأس على الكرامة المصرية، ولمن بعد أن يتطهر الوادى شماله  وجنوبه من دنس المستعمر أو رجس الشيطان.. عندئذ  (نتفضل)  أحرارا يمنح هذه اللغة وتلك الثقافة جواز المرور،  ويومئذ تزول عن كلتيها نزعة الغرور شأن كل قائد مدحور؛  كل قائد يأخذ مكانه المحدد فى مؤخرة الصفوف!!

اشترك في نشرتنا البريدية