] استعرضنا فى العدد ٢٤٠ بعض الآراء القديمة لنشوء المجموعة الشمسية التى قامت على أساس وجود كتلة سديمية عظيمة لها حركة دورانية ، وتتكون منها بفعل الجاذبية كررة كبيرة هى الشمس التى يعتريها على توالى الزمن زيادة فى البرودة ونقصان فى الحجم وتزايد فى سرعة الدوران ، مما يؤدي إلى فرطحتها . وإلى أن يحدث عند منطقتها الاستوائية انفصال لبعض أجزائها يبرد وينكمش ويتجمد ويدور حول الكتلة الأصلية ، ويصير أحد الكواكب كما سميناها فى ذلك المقال أو السيارات كما سنسميها فى هذا . وهكذا تتكرر هذه الظاهرة على التوالى . وأشرنا إلى أن الرياضين الذين جاءوا بعد لبلاس أثبتوا أن الحركة الدورانية التى ينتظر أن تكون فى هذه الكرة المتكتلة لا يمكن أن تؤدى إلى هذا الذى توقعه العلماء الأقدمون وبذلك انهارت نظرياتهم تلك
واليوم نورد أحدث الآراء عن مولد المجموعة الشمسية ونحن فى هذا ننقل عن السير جيمس جينز نفسه صاحب هذه الفكرة الحديثة . والسير جيمس فلكى شهير معروف فى مصر لأنه مؤلف (( النجوم فى مساليكها )) الذى مربه كاتب هذا المقال ونشرته لجنة التأليف والترجمة والنشر منذ بضع سعاوات وقد ظهرت الطبعة الثانية له فى هذه الأيام الأخيرة [
قد دلت البحوث الحديثة على أن اعتراض الرياضيين على فكرة لبلاس بصدق على كل (( تخميتة )) مثلها تعزو مواد السيارات إلى ماحدث لنجم مفرد وحده ، فقد ذاع بين العلماء وتبين لهم بكيفية واضحة أنه لابد لحدوث هذه الظاهرة من جسمين لا جسم واحد ، أى أن السيار يولد من أب وأم لا من أم بمفردها . ففى منتصف القرن الثامن عشر تصور البعض أن أسرة الشمس ربما نتجت عن تصادم ، بين الشمس ومذنب عار ، نشأ عنه تناثر قطع من الشمس فى الفضاء ، وتكاثفها مكونة السيارات الحالية وفى منتصف القرن التاسع عشر ظهرت نظرية شبيهة بهذه حل فيها نجم محل المذنب ، وكان فيها التصادم غبر مباشر أى مجرد تلامس خفيف عند الحافتين ، وإن
نشأ عنه فى هذه الحالة أيضا انفصال قطع من الشمس بتأثير جاذبية النجم العابر . وفى السنوات الحديثة عاد بعض الرياضيين لنفس النغمة أو لسلسلة من التفكير مطابقة لهذه .
لكن جميع النظريات التى من هذا النوع ترتطم بصعوبة ذات بال . ذلك أن السيارين العملاقين المشترى وزحل لكل منهما مجموعة مترامية الاطراف من التوابع ، ومن ثم يكون كل منهما بتوابعه صورة طبق الأصل مصغرة للمجموعة الشمسية الأصلية وسياراتها ونظرا لهذا التشابه العظيم بين المجموعات الثلاث ، المجموعة الشمسية والمجموعة المشتربة والمجموعة الزحلية ، يكون من المستغرب أن ينشأ بعضها بطريقة مغايرة لنشوء البعض الآخر . ومع ذلك فلا يجوز لنا أن نفترض نشوءها جميعا عن طريق ذلك التصادم الرفيق الذى أشرنا إليه ، فمثله يندر ان يحدث مرة ، ومن ثم فإن النظرية التى تفترض احتمال حدوثه ثلاث مرات تكلف الطبيعة فوق طاقتها .
وفى آخر القرن التاسع عشر طلع أحد الرياضيين فى كمبردج برأى جديد ، هو أن الجسم الثانى ربما عمل على تكوين السيارات حول الشمس دون أن يتصادم معها بالمرة ، ولكن بفعل الاضطرابات المدية التى يحثها فيها . وفى أوائل القرن العشرين تقدم آخرون بنظريات شبيهة بهذه دون أن يعلموا شيئا عن الاقتراح الكمبردجى الذى ذكرناه . فقد تصور عالمان أمريكيان أنه حدث فى أحد العصور الماضية السحيقة أن تعرضت الشمس لهياج أحدث فيها طفحا يبدو على وجهها على صورة نتوءات كالتى تشاهد عليه فى الوقت الحاضر وإن كانت أشد من هذه وأقوى . ثم تصادف أن مر بجوار الشمس وهى على هذه الحال نجم طواف اقترب منها إلى الحد الذى يجعل ما يحدثه من مد فيها قويا يضاعف ما عليها من طفح ونتوء ، وكان من أثر ذلك أن انفلت عن سطحها عدد كبير من كتل غازية مدفعة بسرعة ، سرعة من العظم بحيث مكنتها من أن
تجاوز جو الشمس وتفلت من قبضتها . وما لبثت هذه الكتل أن تكاثفت فى النهاية أجساما صلبة بعيدة فى الفضاء . ثم حدث على مر الزمن أن تجمع من هذه بفعل الجاذبية أعداد كبيرة تكتلت فكونت السيارات الحالية . لكن عيب هذه النظرية أن كتل الغاز التى من هذا النوع لا ينتظر أن تتكاتف إلى أجسام صلبة لأن ضغط النار الداخلى فيها يجعلها تتمدد فتنتشر فى الفضاء كما ينتشر الغاز فى الغرفة من صنبور مفتوح .
وفى سنة ١٩١٦ بين السير جيمس جينز سلسلة الحوادث التى تنشأ عن اقتراب نجم ثان من الشمس بدرجة محسوسة ، وانتهى إلى أن أثر المد يكفى بذاته لفصل جزء من الشمس وتكوين أسرة من السيارات بغير حاجة لافتراضات كالتى سبقت الإشارة إليها . وإليك ملخص العملية كما وصفها السير جيمس :
كما أن قرب القمر من الأرض ينشأ عنه مد وجزر يبدو على المحيطات ، بل على جسم الأرض الصلب نفسه ، كذلك يؤدى اقتراب نجم ثان من الشمس إلى حدوث مد فى الشمس الغازية ، مد يختلف تماما عن المد التافه الذى يحدثه القمر فى الأرض . وترجع تفاهة المد الأخير من جهة إلى أن القمر صغير جدا بالنسبة للأرض ، ومن جهة إلى بعده عنها العظيم نسبيا ( فهو قدر نصف قطر الأرض ستين مرة ) . ومعلوم أن الآثار المدية تتناقص تبعا لمكعب المسافة . أما فى حالتنا هذه فان النجم الثانى
يكون على الأقل مساويا للشمس فى كتلتها ، ويقترب منها إلى نحو ضعف نصف قطرها أو ثلاثة أمثاله . ومن ثم يتجلى لنا أن آثاره المدية يجب أن تكون عظيمة جدا . وقد أثبتت الحسابات أنه بدلا من الارتفاع الطفيف الذى يبدو على سطح الأرض فى حالة مدها ، يحدث فى الحالة التى نحن بصددها أن جيلا ضخما من الغاز يتكون على سطح الشمس ويتراكم ويتمدد ويتحرك تبعا لاقتراب النجم الثانى ، ولا يكاد يوجد حد لتزايد سرعة نموه ، حتى ينتهى الأمر إلى أن يبرز مندفعا على صورة لسان غازى طويل ، انزعته من الشمس قوة الجذب الناشئة عن النجم الثانى . وتراه على الدوام متجها نحوه كما فى الشكل الأول .
فإذا ما انفصل عن الشمس ذلك اللسان الجارى الشكل يحدث له أمران : الأول التكاثف والثانى التجمع أو التكتل . ذلك أنه لابد من حدوث بعض اختلافات فى كثافة أجزائه وعندها تتجمع الأجزاء القريبة من جزء مركز كثيف إذ يصير هذا بمثابة نواة تنجذب إليها وتتكتل معها الأجزاء المجاورة . وهاتان الظاهرتان مجتمعتان ينشأ عنهما تكون سلسلة من الأجسام الكبيرة الناشئة عن التكاتف والتكتل وهى السيارات . وفى استطاعتنا أن نحسب كتل الأجسام المتكوبة فى مثل هذه الحالات تبعا للظروف الطبيعية المعينة التى تقع فيها الظاهرة ، ويدل الحساب على أن ما يتكون منها فى مثل هذه الحالة
( حالة الشمس التى يصيبها فعل المد العنيف ) يكون له كتل تساوى على وجه التقريب كتل السيارات الواقعية المعروفة .
وإذا رجعنا إلى الشكل الأول تبين لنا أنه من المنتظر بعد حدوث التكاثف والتكتل أن يكون أكبر الأجسام العظيمة المتكونة واقعا قرب وسط اللسان الجارى ، حيث تكون المادة مكدسة ، وأصغرها قرب الطرفين حيث تكون المادة مخلخلة . فلو أن السيارات تكونت على هذه الصورة التى شرحناها لاحتلت الكبرى منها وسط السلسلة والصغرى منها نهايتها فتكون هذه الصغرى أقرب السيارات إلى الشمس وأبعدها عنها ، وهذا هو بالضبط ما تجده فى الواقع . فالمشترى وهو أكبر زملائه وأثقلها يحتل المكان الأوسط فى السلسلة . وحين نتجه نحو أحد طرفيها تتناقص السيارات فى أقدارها وأوزانها حتى نصل إلى عطارد فى الطرف البعيد عن الشمس وبلوتو فى الطرف القريب منها ( انظر الشكل الثانى ) .
وهذه السيارات تدور الآن فى أفلاك تكاد تكون دائرية تماما ، لكنا نعلم أن هذا يرجع إلى مواصلتها السير آلاف الملايين من السنين وسط ما تخلف من غاز ورماد عن تلك الحادثة المروعة التى كانت السبب فى مولدها . لكن لنا أن نفترض أنها عند ما ظهرت فى الوجود كتلا منعزلة
متميزة كانت مساواتها على جميع الأنواع والأشكال ، لايبدو فيها أى انتظام فيما عدا وقوعها كلها فى مستوى واحد هو ذلك المستوى الذى كان يسير فيه النجم الذى بعثها إلى الوجود . ولربما أتى على أحدها حين اقترب فيه من الشمس قربا يعرضه للتفتت بفعل جذبها المدى كما حدث لأمه الشمس من قبله . بل إن كتلة المشترى العظيمة قد تكفى لتفتيت سيار آخر يقترب منه فى طوافه قربا عظيما . على هذا الوجه أو ما يشبهه يصح أن نتصور تكون مجموعات التوابع التى لاتفتأ ندور حول السيارات ، و كذلك النجيمات التى تشغل الفجوة الواقعة بين المريخ والمشترى .
هذه هى النظرية التى تفسر نشوء المجموعة الشمسية وتطورها وهى مبنية على أمور واقعية . فالمدود موجودة بالفعل فى الكون ، ولابد أن يكون بعض المجموعات الكوكبية قد تكون بالفعل عن هذا الطريق . فاذا سئلنا عن السيارات فى مجموعتنا الشمسية بالذات : هل هكذا ولدت ؟ لم نجد إلا الجواب التقليدى الذى درج العلماء عليه ، وهو أن افتراض مولدها على هذا النحو قد أعاننا على تفسير عدد كبير من الخصائص التى لاحظناها عن هذه المجموعة ، ومن الصعب أن نقول إن ذلك التوافق فى هذا العدد العظيم من الحالات يرجع إلى مجرد المصادفة .
