الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد الرابع عشرالرجوع إلى "الرسالة"

نجوى

Share

أقول لنفسي فى هذه الساعة وفي هذا المكان:  (كنت ذات يوم محبوبا. ولقد أحببتها ولقد كانت جميلة. ثم خبأت هذا الكنز فى نفسي الخالدة . ورفعته الى الله!) (الفريد دي موسيه)

إليك أبعث أحلاما مروعة ... منزوعة من فؤاد جد محروب  ما تستنيم الى صمت فيغمرها ... لكنها أخت تسهيد وتعذيب  تظل تقلق هذا القلب صارخة ... حتى تلم بطيف منك محبوب  كباغم موجع أفضى الهزال به ... الى مرام عسير الدرك محجوب  إن عللوه بما ينسيه مطلبه ... أوحى الخيال إليه ألف مطلوب  يصور الدمع ما يعيا اللسان به ... ومدمع الطفل موشي الأساليب  لهفي عليه تمنيه الرؤى عبثا ... كأنه لعبة بين الألاعيب  أقصيتني عنك لا عهد ولا أمل ... سوى عذاب على الأيام مصحوب  وعشت بعدك مخطوف الفؤاد هوى ... مغربا فى دياري أي تغريب

خيبتنى فطويت العمر مكتئبا ما كان أوجع حرمانى وتخيبى

خلفت نفسي آمالا مصرعة ... ما فى قرارتها غير الأكاذيب  ترى السماوات تابوتا قد انسدلت ... على جوانبه سود الجلابيب

من الهوى أن يعود العمر طافحة ... أيامه بصبي كالحلم موهوب  يبني من الشفق الرفاف زورقه ... ويستحيل الى أنس وتحبيب

هذي الأماني أضنتني مآربها ... يا ويحها كم أداريها وتلهو بي!  منحتها خافقا نهلان من أمل ... يهز بالشدو أرواح المطاريب  فما جزتني على ودي بعارفة ... تبقى ضمادا لجرح غير مرؤوب

الكون بعدك أنقاض مبعثرة ... كمعبد من عراك الدهر مخروب  ترى به مقلتي المسلوب رونقها ... دار الحريب ومأوى كل منكوب  مشت عليه الليالي وهي هازئة ... نكراء تقرع مشعوبا بمشعوب  لا دميتي بت أرعاها وأعبدها ... كناسك ذاب فى جوف المحاريب ولا دعائي أدت بي معارجه ... الى مطاف شهي الحلم مرغوب  وأين لا أين مني همس فاتنة ... أفنيت فى حسنها حبي وتشبيبي  غابت فولت عن الدنيا بشاشتها ... فلست ألمح فيها غير تقطيب

وقد بدا العيش خلوا من مفارحه ... مجللا بشجا كالليل غربيب

والحقل بعدك تؤذيني زيارته ... فانثني عنه والترداد يغري بي  لا أستطيع أجيل الطرف مفتقدا ... آثار حب كدمع الفجر منهوب  مافي خمائله حسن ولا الق ... ولا أزاهره تخضل بالطيب  إذا خيالك لم يبهجه مؤتلقا ... فالحقل فى ماحل كالقفر مجدوب  غشيته وفؤادي ما يفيق جوى ... ما كان أجدرني عنه بتنكيب! هنا تذوقت سر الحب مغتبطا ... من غير ما مأثم فيه وتتريب  هنا من الحب سفر رائع عجب ... قد ضم أقدس تذكاري وتجريبي  هنا شبابي مد الله سرحته ... ربا وما فيه من وزر ولا حوب  هنا الهوى كان طفلا فى محفته ... وكان أمتع مولود ومربوب  لما حبا هلل الوادي له فرحا ... وقد تقلب فيه أي تقليب  فرشت بالزهر المنضور ملعبه ... فرف يزهو بتنضيد وترتيب  وحينما سعد الوادي بمطلعه ... رمى به الموت فى هلك وتتبيب

وراعني أن أرى الأطيار ساكتة ... خرساء من غير ترنيم وتطريب  لا النهر يوحي إليها ناغما هزجا ... سكران يركض فى أثناء ملحوب

ولا النسائم تذكي فى جوانحها ... أشعار قلب من الأوجاع مكروب تكاد إن أخذت عيني خيالتها ... تردها بين تصديق وتكذيب  لم يبق من أنسها الحالي سوى أثر ... من إسمك العذب فوق الجذع مكتوب  خشعت بالقرب منه ذاهلا حسرا ... كهيكل فى شعاب الأرض منصوب  قدسته فمشى ثغري يقبله ... ومدمعي بين محبوس ومسكوب  تقتات نفسي بالذكرى ويؤنسها ... خيالك الحلو فى صحوي وتغييبي  وقد أراك فينسى القلب لاعجه ... ولا يطيف بيأس منك محلوب  تبارك الحلم الرفاف كم غلبت ... غيابة منه حزنا غير مغلوب

حججت بيتك فى وهمي فما سعدت ... روحي بود نقي النبع مصبوب  كأنما نسي الحسن الذى طفحت ... منه السماوات إدلاجي وتأويبي  فتشت فى ساحة عن ظل موحية ... غيداء غطت على سحر الرعابيب  ناديتها باسمها فارتعت مرتجفا ... من موحش دائب الإنصات مرهوب  فما رأيت لها ظلا ولا أثرا ... وملت الدار من بحثي وتنقيبي  خلت مقاعد كانت أمس مونقة ... فغامت اليوم من نسج العناكيب  أحس منه صدى صوت أقدسه ... أسرى الى الخلد من وخد وتقريب  كأن بالأذن من نجواه وشوشة ... تبكي على أمل فى الغيب مغصوب

مشى مع النور لا تثنى عزيمته ... عجلان يدفع ألهوبا بألهوب  يلوح فى الفلك الفضي متشحا ... بلامع من شعاع الخلد مصبوب  ما زال يطوي الفضاء الرحب مختفيا ... كتائه فى فجاج الغيب محزوب  حتى ترامى على عرش الاله أسى ... وذاب فى لاهب بالحب مشبوب

اشترك في نشرتنا البريدية