الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 234الرجوع إلى "الرسالة"

نجوى للشمس الغاربة، للكاتب الفنان الفرنسي (بيير لوؤيس)

Share

أركاس - أيتها الغادة ذات العينين السوداوين. . . ميلينا - لا تمسني! أركاس - لن أمسك، وإنما سأظل بعيداً عنك يا أخت  أفروديت! أيتها الغادة ذات الغدائر المدلاة كالعناقيد، إنني أقف  على حافة الطريق لا أستطيع أن أتزحزح عنه لا إلى من  ينتظرونني ولا إلى من غادرتهم

ميلينا - اذهب! إنك تنطق عبثاً، يا راعياً بدون قطيع!  ويا سارحاً في الطرق المبهمة! إذا لم تستطع أن تتبع الطريق فخض  خلل الحقول، ولكن لا تدخل في حقلي يا من لا أعرفك.  أذهب وإلا دعوت. . .

أركاس - ومن عسى تدعين في هذه العزلة؟ ميلينا - الآلهة الذين ينتظرونني أركاس - آه أيتها الغادة الصغيرة! إن الآلهة هم أبعد عنك  مني الآن. ولو أنهم كانوا حولك لما منعوني أن أقول لك إنك  جميلة. إنهم يباهون فخورين بوجهك لأنهم يعلمون أنه أثر رائع منهم ميلينا - أسكت أيها الراعي وأبرح هذا المكان فإن أمي  منعتني أن أسمع أية كلمة من رجل. إنني هنا أرعى نعاجي حتى  غروب الشمس. لا أريد أن أسمع أصوات الفتيان العابرين في . الطريق مع ريح المساء

أركاس - ولماذا؟ ميلينا - لا أعلم السبب، ولكن أمي تعلمه خيراً مني. . .  لم يمر علي ولادتي فوق هذا السرير القائم من أوراق الشجر إلا  ثلاثة عشر عاماً؛ وإني سأكون غبية جاهلة إذا أغفلت عمل ما تطلبه . مني أمي

أركاس - إنك لم تفهمي أيتها الصغيرة عن أمك الحسنة العاقلة  المحترمة. . . إنها حدثتك عن الرعاع الذين يعبرون البراري والعقد

في أذرعهم والسيوف مشهورة بأيديهم. إن هؤلاء لئام بالنسبة  إليك لأنك ضعيفة وهم أقوياء. وهم في الأقطار التي نزلوها ذبحوا  عذارى كثيرات لهن مالك من الجمال. ولو رأوك لما أشفقوا  عليك. ولكن مثلي أي شر يحمله لك؟ ليس لي إلا جلد على  كتفي وخاتم في يدي. حدقي في مليا، هل ترينني مرعباً؟

ميلينا - لا أيها الراعي، إن كلماتك عذبة سوف أصغي إليها  طويلاً. ولكن الكلمات الأعذب هي الأغدر عندما يتوجه بها  رجل إلى واحدة منا

أركاس - وهل إلى جواب من سبيل؟ ميلينا - بلى! أركاس - بماذا كنت تحلمين تحت الزيتونة السوداء خلال  عبوري؟

ميلينا - لا أريد أن أقول أركاس - أعرف ذلك ميلينا - قل إذن أركاس - إذا أذنت لي بالدنو منك وإلا لبثت صامتاً، لأنني  لا أستطيع أن أقول إلا همساً. لأن هذا سرك لا سري. إنك  تريدين أن أقترب منك وأن أتناول يدك

ميلينا - بماذا كنت أحلم؟ أركاس - بنطاق العذراء! ميلينا - آه! من قال لك؟ هل قلت ذلك عالياً؟ هل أنت  إله أيها الراعي فتقرأ ما يرتسم من بعيد في عيون الفتيات؟  لا تنظر إلي هذه النظرة ولا تحاول أن تقرأ ما أفكر فيه الآن. . أركاس - إنك تحلمين بنطاق العذراء وبذلك المجهول الذي  سيحله بمثل هذه الكلمات العذبة التي رحت تخشينها. . . فهل تكون  إذ ذاك هذه الكلمات غادرة؟

ميلينا - إنني لم أسمع أبداً مثلها أركاس - ولكنك تسمعين كلماتي وترين عيني ميلينا - لا أريد أن أراهما أركاس - إنك تنظرينهما في حلمك ميلينا - أيها الراعي. . . أركاس - عندما آخذ بيدك لماذا تجفين؟ وعندما يلتف

ذراعي على صدرك لماذا تنحنين؟ ولماذا يبحث رأسك الضعيف  عن ذراعي؟

ميلينا - آه أيها الراعي أركاس - كيف تكونين عارية هكذا بين ذراعي إذا لم  أكن بعلك؟

ميلينا - لا لا، إنك لن تكونه. دعني وحدي، إن أحشائي  ترعد من الخوف فأذهب عني! إنني لا أعرفك. دعني! إن يدك  تؤلمني، لا أريد أركاس - لماذا تتكلمين بلهجة أمك؟

ميلينا - ليست أمي هي التي تكلمك وإنما أنا! إنني عاقلة  فاتركني أيها الراعي. إنني لأستحيي أن أفعل ما فعلت   (تاييس)   أو   (فيليرا)  أو   (كلوا)  اللواتي لم ينتظرن ليالي أعراسهن أركاس - ولماذا؟ وما عسى أن أصنع لك؟. . . على أنني  أهجرك وأتركك وحيدة. أذهبي! لماذا لا تذهبين؟

ميلينا - ذرني أذرف الدمع أركاس - أتخالين أنني أحبك حباً ضعيفاً يأذن لي بتركك  وحدك؟ وهل كنت أتكلم من بدء إصغائك إلي لو لم أطلب إليك  إلا لحظة سرور قد تستطيع أن تمنحني إياها كل الراعيات؟  ألم تعلمك عيناي شيئاً؟ ولكنك لا تنظرين فيهما، في عيني. .  إنك توارين عينيك وتبكين. . .

ميلينا - بلى! أركاس - إذا شئت فإني أسفح على قدميك حياة كلها حب  وكلمات عذبة، وألف بذراعي جسدك، وألقي رأسي على صدرك،  وفمي على فمك، وأنت تحلين غدائرك المعقودة لتغمري قبلاتنا  بالعطف والرقة

اسمعي! إذا شئت أقمت لك كوخاً أخضر الأفياء من الغصون  الزاهرة والأعشاب الندية تصيح خلالها الصراصير الشادية ذات  الألوان الذهبية اللامعة. هنالك تقلقين عليّ كل الليالي، وعلى  السرير الأبيض الذي يغطيه جلدي الممدود سيخفق قلبانا إلى  الأبد قلباً على قلب

ميلينا - آه دعني أذرف الدمع أيضاً! أركاس - بعيدة عني؟

ميلينا - على ذراعيك، وفي عينيك أركاس - يا محبوبتي! المساء يلف الكون، والنور يتوارى  كأنه كائن مجنح نحو السماء، والأرض قد غمرها الظلام، ولا يرى في  الأعلى إلا طريق المجرة الطويلة التي تسطع كنهر من النجوم حول  حقلنا. ما أشد هذا الستار اللامع!

ميلينا - إنه لامع جداً. قدني إلى حيث تشاء! أركاس - تعالي! فالغاب الذي نجوس خلاله بين الغصون  الحانية هو غاب عميق، حتى الإلهات يخشين سلوكه في النهار.  هنالك لا يرى - على طرقه - من يتبع خطوات الجنيات.  هنالك لا يرى - بين أوراقه - العيون الخضراء واقعة على  عيون الرجال الخائفة. ولكنا لن نخاف ما دمنا معاً أنت وأنا. . . ميلينا - لا. . . إنني أبكي بالرغم مني، ولكني أحبك  وأتبعك. إن إلهاً في قلبي. حدثني. . . حدثني أيضاً. إن إلهاً  في صوتك

أركاس - أسدلي غدائرك على عنقي، وأرخي ذراعك حول  أزاري، وضعي خدك على خدي. خذي حذرك، هنا حجارة  وصخور؛ واخفضي عينيك، هنا جذور؛ والأعشاب لها حفيف  خفيف تحت أقدامنا العارية؛ والثرى ندى، ولكن صدرك حار  تحت يدي

ميلينا - لا تبحث عن صدري فإنه صغير، ليس بجميل.  في الخريف الغابر لم أر منه إلا ما رأيته يوم ولادتي. . . إن صويحباتي  يسخرن مني. ولكن في الربيع وجدته ينمو مع براعم الأشجار.  لا تدغدغه هكذا. إنني لا أستطيع أن أمشي

أركاس - تعالي، نحن هنا في الظلام، لا أرى وجهك.  نحن هنا شيء لا هو أنا ولا هو أنت. لا تعطني شفتيك. أريد  أن أرى عينيك. تعالي إلى هذه الشجرة الكهلة التي تسطع  تحت رواء القمر. إن ظلها يزحف نحونا فاتبعيه. . .

ميلينا - إنه ظل ضخم كالقصر أركاس - قصر عرسك الذي تتفتح أبوابه لنا في أعماق  الليلة السرية ميلينا - أسمع ضجة، هذا حفيف النخيل أركاس - النخيل النامي في موكب العرس

ميلينا - وهذه النجوم أركاس - إنها المشاعل ميلينا - وهذه الأصوات أركاس - هي الآلهة

ميلينا: أيها الراعي! دخلت هذا المكان عذراء   (كأرتميس)   التي تضيء لنا بعيداً خلل الغصون السوداء والتي قد يمكن أن  تسمع عهودنا. فلا أعلم هل أحسنت صنعاً في أتباعك حيث  سلكت. ولكن نفخة في صدري، وروحاً ولدها صوتك،  إنك منحتني السعادة كشيء خالد بإعطائك إياي يدك

أركاس - أيتها الغادة ذات العينين السوداوين. لا أبوك ولا  أمك هيئا اتحادنا بغناك أو غناي. إننا فقيران فنحن إذن حران.  وإذا كان أحد سهل قراننا هذا المساء فهم آلهة الأولمب الذين  يحرسون الرعيان!

ميلينا - يا زوجي، قل لي ما اسمك؟ أركاس - اسمي أركاس. وأنت ما اسمك! ميلينا - اسمي ميلينا. . .

اشترك في نشرتنا البريدية