الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 692الرجوع إلى "الثقافة"

ندوة القلم

Share

الكون الجميل وأنفي الغليظ

ليس وجهي من الوجوه التي تجذب إليها النساء ، فأنفي غليظ وكذلك شفتاي ، وعيناي اللتان كان بهما بعض الجمال قد ذبلتا من كثرة القراءة . . لذلك لم اعرف حتى اليوم امرأة حملت لي في قلبها حبا ، اللهم إلا والدتي بالطبع ، وليس حبها بالذي ارجوه .

وبرغم أن وقتي من الصباح حتي الليل أقضيه في القراءة إلا أني أشعر تماما أن هذه الحالة ليست بالحالة العادية أو المرغوب فيها . . ومن حين إلى حين أحس برغبة شديدة في أن أعيش أنا بنفسي وأن أحس إحساسات خاصة في أنا ، لا بأبطال القصص التي أقرؤها .

ومع أني قد تعلمت من قراءاتي احتقار النساء إلا أنه ما من مرة أجد نفس فيها أمام امرأة حتى اضطرب وأشعر بضعف شديد ... وأحيانا - رغم أبي لا أميل لذكر ذلك يحتبس صوتي فلا يخرج - فإن خرج خرج نحيلا يثير الضحك .

أنا محتاج إذا إلى حب امرأة ، غير أمي - كما ذكرت في بداية المقال - ليس وجهي من الوجوه التي تجذب إليها النساء .

ومن الطبيعي إذا رأيت إعراض النساء عني أن أتساءل : ماذا يجذب النساء إلى الرجل ؟ ومن الطبيعي أيضا - مادام إحساسي بقبحي مرهفاً وما دامت روحي متشائمة - أن أعزو إلى جمال تقاطيع الرجل ميل النساء إليه .

وقد كانت هذه الفكرة متسلطة على خاصة وأنا في الرابعة عشرة من عمري . . والسبب في أبي حتى هذا اليوم كره يوم ثم النسيم وأنقبض إذا جاء أني في الرابعة عشرة

خرجت يوم شم النسيم وحدي إلى مصر الجديدة وكان الفتيان والفتيات ( وخاصة من كان منهم من الأجانب ) يروحون ويغدون جماعات في الحدائق ضاحكين مبتهجين ، وإذا بالدوع تملأ عيني وتفيض على وجهي حتى أحس بملحها في فمي ، وإذا بي أسرع إلى البيت وأنا في تعاسة لم أشعر بمثلها قط وارتمي علي سريري مجهشا بالبكاء .

وقمت بعد ساعة إلي المرآة محمر العينين مبتل الوجه ، فرأيته بقبحه الذي وصفته في أول المقال وكدت أجهش بالبكاء من جديد .

كنت أريد بكل جوارحي أن أصادق فتاة ... لماذا ؟ لأن شخصيتي بكل العناصر التي كونتها كانت محتاجة إلى ذلك ... كان ذلك ينقصها ... وبما أن قبح وجهي كان من أهم العناصر التي كونت شخصيتي ، إذاً فلو كان لي وجه غير هذا الوجه لكان من المؤكد أن تتكون شخصيتي غير هذا التكوين ؛ لكني حين أطلب من الله أنفاً أقل غلظة إنما أطلب منه في الواقع أن يغير العالم كله لا أنفي فقط فلو كان أنفي أقل غلظة لما كنت في هذا العالم ولما كان هناك عالم بالمرة ، فالعالم موجود لأن أنفي غليظ والعكس ، فأنا قبيح الصورة لأن الأسد حيوان مفترس .

من الحماقة أن يتمني المرء شيئا . من الحماقة أن يقول : ليت أبي كان أطيب قلبا ! أو ليت هذه الفتاة تترفق بقلبي .! ومن الحماقة أن نتوجه إلى الله بالدعاء إلا لتهدئة نفوسنا .

النهاية لم يعد وجهي الذي ليس من الوجوه التي تجذب النساء ، ولا أنفي الغليظ ، ولا شفتاي اللتان هما كذلك ، بمسببات لكدر في أو حزن . . فقبحي هو سبب جمال العالم ، وأنا سعيد بذلك .

اشترك في نشرتنا البريدية