الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 594الرجوع إلى "الرسالة"

نظرية الفصل وماذا يريد القائلون بها؟!

Share

لا أريد بهذا المقال أن ألتقي مع المتلاحمين في معركة (وحدة  الوجود) فحسب هذا الميدان من فيه، وما أنا محاول كذلك  فتح (جبهة ثانية) بعد أن انسحب الدكتور زكي محتمياً  بما قاله عن ظروف حرية الرأي في مصر، وهو احتماء غير كريم. . . إنما هي كلمة هادئة إلى هؤلاء الذين نادوا وينادون بنظرية  عجيبة، يذوبون هياماٍ بإشاعتها، ويلبسونها قفازاً في أيديهم،  يلفون به في كل معركة، عندما يعوزهم الدليل والبرهان. . .

ففصل العلم عن الدين غرام أنهك داؤه قلوب قوم أولعوا به،  إذ وجدوا فيه رفعاً لالتزامات، لا تستطيع أعصابهم احتمال  الوقوف عند سدها القائم لصد النزوات، ورد الهفوات - هذا  الميزان العلمي، لضبط الفضيلة العلمية، ووقاية العقل من الشطط،  وتحرير الحقيقة. . .

وقد كان لهذه النظرية والقول بها مذاق في أفواه الأقدمين،  حين كانت الأديان طقوساً منعزلة عن الحياة الاجتماعية والسياسية  والعقلية والثقافية، وكل ما له صلة بحياة الناس العملية الواقعية  وإن مستها فإنما تمسها وتتصل بها اتصالا رفيقاً لا يدخل في صميم  نظمها وتنظيمها، ووضع أسسها، وتفصيل برامجها، والإفتاء  في كل ما له صلة به بكل جلاء ووضوح. .!

كان لهذه النظرية مكان في هذا الماضي التاريخي، حين  كانت الأديان على نحو ما ذكرنا، وحين كانت تعني بالمسائل  الروحية التعبدية في مجموع ما فيها من وسائل، وقد يسوغ  أيضاً أن يبقى هذا المكان أو أن يمتد هذا التاريخ في غير بلاد  الشرق المسلمة، وفي غير مصر الإسلامية، بعد أن جاء الإسلام  منذ ١٣٦٣ سنة نظاماً عاماً، شاملاً كاملاً، تناول الحياة  السياسية والاجتماعية والثقافية، ونظم شؤون الناس جميعها،  معنياً بالروح، عنايته بالجسم والعقل، وعنايته بكل النواحي  الإنسانية الأُخرى، بما لا يدع مجالا لمنكر أو طالب حقيقة،

وآيات القرآن ناطقة بهذه الحقائق، وسنوفيها حقها  في موضعها من الكلام فما بالنا إذن نبعد عن فهم حقيقة الإسلام، ونحصره  في زاوية ضيقة محدودة من آفاق الحياة؟! أنها ليست

دعوى تعصب، ولكنها الحقيقة يؤيدها التاريخ والواقع فعلى القائلين بنظرية الفصل أن يتريثوا، وأن يترققوا  بتاريخهم، ويتبصروا مقدار ما في هذا الخطأ الشائع من جناية  على الحياة العقلية الشرقية، والحقائق الإنسانية كنا نريد أن يكون المتزعمون للحركة الفكرية عندنا  قوميين أحراراً، يصدرون في آرائهم عن باعث القومية الحرة،  ونقول القومية الحرة، حتى يكون رأياً بعيداً عن التحيز  أو التعصب، وبعيداً كذلك عن الالتماس في الفكرة الغربية.  بتهالك المستسلم الذي نسى نفسه وجهل تاريخه وماضيه فذهب  حاضره ومستقبله هباء

يا قوم. . . إننا أمة ذات مجد وذات تاريخ، فأين نحن  في حاضرنا من مكاننا المرموق؟! إننا لا ندعوكم إلى تعصب  في العلم أو تعسف فيه، ولا نطالبكم بتزييف التاريخ أو الممالأة  فيه، ولكننا ننبه إلى تفهم الحقائق التي بين أيديكم، والسيطرة  على مفاخر الكنوز من تاريخكم، وهي كلمة أولى إن اتسع لها  صدر الرسالة، وما نظنه ضائفاً، فسنتبعها بالكلمة المقصودة  من المقال وهي بيان كيف أن الإسلام جاء نظاماً شاملاً كاملاً  تناول كل مظاهر الحياة وعناصرها، وكيف أنه لم يفرق ولم  يفصل بين أية ناحية من نواحيها، بل جعل منها جميعاً مزاجاً  واحداً متماسكاً، أقام عليه أسس الحضارة الإنسانيةالفاضلة،  التي سعد في ظلها الناس جميعاً - ثم نعرض لموقفه من العلم -  والعلم التجريبي خاصة ومودعنا بهذا كله عدد آت إن تفضلت الرسالة الغراء.

اشترك في نشرتنا البريدية