الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد الثالثالرجوع إلى "الرسالة"

نفسية قطة

Share

قطتى بيضاء الصدر، قرنفلية الأنف. زرقاء العين، تعيش معى على خير ما يكون الصديق لصديقه. إن نمت نامت تحت قدمى وأن جلست على كرسى أكتب جلست هى على متكئة تحلم، وإذا مشيت فى الحديقة تتبعنى وإذا أكلت زاحمتنى، فحالت -أحيانا- بينى وبين لقمتى.

أستودعنى ذات يوم صديق لى ببغاء أخضر ريثما يعود من سفره. فأستوحش من منزلى، وشعر أنه غريب، فتسلق القفص حتى أعلاه، ثم جثم ساكتا مرتعدا.

وكانت قطتى لم تر ببغاء قط، فكان مخلوقا جديدا أمام عينيها. أدهشها منظره فكانت اشبه شيء بقطة محنطة من آثار الفراعنة، وأستغرقت فى التأمل كأنها تستعيد فى ذاكرتها كل ما درسته من  التاريخ الطبيعي على سطح الدار وفى حديقة المنزل؛ وكان ما يدور بفكرها يتجلى فى نظراتها حتى لأستطيع أن أتبين من عينيها خلاصة  أفكارها كما لو كانت تعبر بقول بليغ ومنطق فصيح. كانت كأنها تقول: "ليس هذا المخلوق دجاجة خضراء" ولما بلغت من درسها هذه النتيجة  تركت المائدة حيث كانت ترصد الببغاء وربضت فى ركن من أركان  الحجرة مبسوطة الذراعين مطرقة الرأس ممطوطة الظهر، كأنها نمر  يتربص غزالا ورد الغدير.

كان الببغاء يتتبع حركاتها فى اضطراب، وقد نفش ريشه ورفع  ساقه المرتعشة وسن منقاره على إنائه الذى يأكل فيه، وهدته غريزته  إلى أن هناك عدوا يدبر الكيد له.

ثم أخذت القطة تسدد إلى الببغاء نظرات حادة وهو ينظر إليها  فاهما حق الفهم ما يجول بخاطرها. فكأنها كانت تقول "ل بد أن تكون هذه الدجاجة لذيذة الطعم على الرغم من أنها خضراء). وكنت أرقب هذا المنظر باهتمام موطناً نفسي أن أتدخل  عند الحاجة.

ثم دنت القطة من الببغاء وأنفها القرنفلي يرتعد، وعيناها تضيقان،  وأظافرها تنقبض وتنبسط، وعمودها الفقري يرتفع وينخفض،  وأخذت تنمى نفسها قرب الحصول على طعم لذيذ، كما يمنى الشره  نفسه إذا دعى إلى مائدة صفت عليها ألوان الطعام الشهى. ثم انحنى ظهرها فجأة كما تحنى القوس فى يد الرامى، ووثبت

وثبة فإذا هى بجانب القفص. فأيقن الببغاء بما هو فيه من خطر وقال  بصوت خافت رزين: "هل أفطرت يا جيمس؟" وهى كلمة تعود  الببغاء أن يقولها كما علمه سيده.

فأخذ القطة من الرعب مالا يوصف؛ فلو أن طبولا دقت  وصحافا كسرت، وطلقات نارية دوت، ما روعت القطة كما روعت  من هذه الكلمة! إرتدت إذ ذاك إلى الوراء وعلى وجهها أنها غيرت  كل آرائها فى هذا الطائر، وكان يخيل إلى من ينظر إليها أنها تقول:  "ما هذا طائرا. إن هذا إلا إنسان صغير".

هب الببغاء يغنى بصوت عال، لأنه تحقق أن كلامه خير  وسيلة يدفع بها عن نفسه. نظرت القطة ألى نظرة أستفهام فلم يقنعها جوابى. فخبأت نفسها  فى فراشى ولم تتحرك طيلة يومها.

وفى اليوم التالى عاودتها شجاعتها فعاودت الكرة على الببغاء  ولكنها لاقت فى يومها ما لاقت فى أمسها، فاعترفت بهزيمتها وقررت  أن تعامل هذا الطائر باحترام كما تعامل الإنسان.

اشترك في نشرتنا البريدية