وصل إلي " المستمع العربي " مجلد ثمين عنوانه والشعر الأندلسي وعلاقته بشعر الفنيين القدماء في جنوب فرنسا " . وقد زاد من قيمته أنه جاء هدية من مؤلفه المستشرق الكبير الدكتور أ ، ر . نيكل Dr.A.R.Nykl
ولا أغالي حينما أقول إن الكتاب جدير بأن يحتل مكانه بين مؤلفات أزهر عصر من عصور الأدب العربي . وهو ليس كتاب القارئ العادي الذي يبغي القراءة العابرة والتسلية الخفيفة كما يجدها في صحيفة يومية أو قصة روائية ، بل هو كتاب القارئ الملم بالأدب العربي المطلع على تاريخ الأندلس الواقف على ثقافتها . فمثل هذا القارئ يجد في الكتاب روضة فسيحة الأرجاء ساطعة الضياء ، تزينها القصور والأبهاء ، وتتخللها التلال والبحيرات وتنتشر فيها الأشجار الوارقة ، يجلس القارئ في ظلها يمتع الطرف بما حوله . أو يمضي في طوافه متنقلا من صفحة إلي صفحة فيري من الجمال نواحي لم يكن ليعث عليها وحده دون طويل بحث وشديد عناء . ولا يقتصر الكتاب على ما يهيئه من متعة للحواس بل يتعداه إلي ما يوقظ الذهن ويثير الفريحة . فالمؤلف من فطاحل الأدباء واثق من علمه ومعرفته ، ولا يتردد في التصريح برأيه مشفوعا بالحجة والبرهان حينما يعالج امرا اختلفت فيه الآراء . وهو بحر في العلم والأدب ، واسع الاطلاع ، بعيد النظر قوي الملاحظة ، لم تنج من نقده حتى مجلة " المستمع العربي " ؛ فقد بين خطأ مهما في عددها الثامن عشر من المجلد السادس في عام ١٩٤٥ ، وقد تحرينا الأمر ووجدناه على صواب فيما أشار إليه ، ولا يسعنا إلا الاعتذار عما وقع من خطأ .
والكتاب يضم بين دفتيه أكثر من أربعمائة صفحة .
ويبدأ بمقدمة تتبعها نبذة تاريخية عامة تستعرض في إيجاز ووضوح تاريخ الأندلس من عام ٧١١ إلى عام ١٤٩٢ . وتأتي بعد ذلك فصول خمسة تتناول العصور الرئيسية في تاريخ الأندلس وهي عصر الإمارة والخلافة ، وعصر ملوك الطوائف ، وعصر المرابطين ، وعصر الموحدين ، وعصر بني نصر في غرناطة ؟ وتتضمن هذه الفصول مذكرات تاريخية قيمة ونماذج من أدب كل عصر ، وقد ترجمت إلي اللغة الانكليزية ؛ يلى ذلك فصول يتحدث فيها المؤلف عن الشعر الدارج أي " الزجل " مستشهدا بالأمثلة التي نقلها إلي قرائه بالأحرف الإنكليزية وألحق بها ترجمتها الإنكليزية . وينتهي الكتاب بفصل عن العلاقة بين شعر الأندلس وشعر الفنيين القدماء في جنوب فرنسا . وكل فصل مذيل بحواش عن المراجع وتعليقات مستفيضة عن النقط التي تعتبر مثار جدل ونقاش .
وقد أصدرت دار العلم الملايين في بيروت كتابا يرافق هذا المجلد وفيه النصوص العربية للأشعار التي ذكرها المؤلف ونقلها إلي قرائه بالإنكليزية . ) المستمع العربي ( October 1950
) الثقافة ونحن مع مشاركتنا لمجلة المستمع العربي في حسن تقديرها للكتاب وأهميته . نأخذ عليه أنه عني بالجانب التاريخي أكثر من عنايته بالجانب الأدبي ، فقد حمله الجانب التاريخي على أن يختار من العصور المختلفة ما يمثل كل عصر ، وإن كان بعض هذا الشعر إذا قيس بالمقياس الفني البحت لم تكن له قيمة كبيرة .
وأيا ما كان فنحن نشكر المؤلف على حسن عنايته وترجمته هذا الشعر إلى اللغة الإنجليزية ، والتعريف به لأوساط لا تعرفه من قبل
